قبل حوالي ثلاث سنوات وبالتحديد بعد أسبوع من إسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي وجدت نفسي مدعواً لإلقاء مداخلة عن التطورات في مصر وانعكاسها على المستوى الفلسطيني أمام مجموعة من عناصر حركة حماس، حينها كانت الأجواء النفسية صعبة على أبناء الحركة، كنت أنتقي الكلمات بحذر شديد فأنا أتحدث أمام مجموعة من المكلومين بحدث هو الأصعب بالنسبة لهم خشية الوقوع في جملة تزيد ملحاً على جرح هو الأكثر إيلاماً بالنسبة لهم في ذلك الأسبوع. قلت لهم إن ما حدث في دولة عربية شقيقة هو شأن مصري خالص والسياسة في المنطقة العربية تحتمل المفاجآت ولكن الأهم كيف يمكن بالنسبة لنا كفلسطينيين أن نستفيد من الدرس حتى نتجاوز محنتنا نحن التي سبقت مصر بسنوات، علينا أن نتحرر من نزعة إقصاء الآخر وبالعودة لما حدث بمصر قلت لهم: كنت أتمنى على الرئيس مرسي أن يعين فور الفوز منافسه الذي حظي بأصوات حوالي نصف الشعب المصري أحمد شفيق نائباً له خصوصاً أن الرئيس مبارك لم يفعلها ويعين نائبا برغم المطالبات وأن أرى حمدين صباحي رئيساً لوزراء الرئيس مرسي، تخيلوا المشهد هل يمكن حينها الاحتجاج على نظام متين متنوع بهذه الصورة، لكن «الإخوان» في مصر أرادوا الاستئثار بكل شيء وإقصاء خصومهم دون اعتبار التأييد الذي يحظى به هؤلاء من الشعب المصري. هذا هو الدرس الذي يمكن لحركة حماس أن تستفيد منه وأن تتعاطى باحترام مع خصومها السياسيين، أن تعترف أنهم جزء من الحالة السياسية الفلسطينية المتنوعة وأن تحترم خيارات الآخرين، رد أحدهم رافضاً لما أقول إن الحركة تتعاطى باحترام مع الجميع ولكن الجميع تآمر عليها قلت له: أنا تجنبت الحديث مباشرة نظراً للوضع ولكن دعني أسألك ماذا تعني الفصائل الأخرى في نظر الحركة؟ وكيف تربي الحركة أبناءها وما هي ثقافتها تجاه الآخر؟ ثم قلت: دعني أجيبك، إن حركة فتح هي مجموعة من العلمانيين والفاسدين وبعض الخونة وإن اليسار هو مجموعة من الكفار وإن حركة الجهاد هي نتاج المفرخة الشيعية، ألا ترى يا صديقي أن كل واحدة من هذه هي لائحة اتهام جاهزة تكفي للقتل..؟؟ لا يحتاج الأمر كثيراً من التفكير للوصول لتلك النتيجة فأي نقاش مع حديثي الانتماء للحركة لديه هذا التصنيف وبالتأكيد معروف مصدره وهذا الأمر مدعاة للتأمل والتفكير والكفيل بإجهاض كل ما له علاقة بالوحدة، كيف سيكون هناك نظام موحد يوماً ما مع هؤلاء؟ لكن الفصائل الأخرى ليس لديها تلك الثقافة تجاه حركة حماس، صحيح أنهم يختلفون معها وصحيح أنهم يتمنون أن تتبخر الحركة عن الساحة الفلسطينية لكنهم لا يعبئون عناصرهم على أن أبناء «حماس» يحملون لائحة اتهام. في ندوة عامة عقدها مركز عبد الله الحوراني للدراسات قبل حوالي الشهر فاجأنا المهندس عماد الفالوجي وزير الاتصالات والقائد السابق في حركة حماس بما يؤكد تلك النظرة الاستعلائية لدى الحركة تجاه الآخرين حيث قال، «عندما كنت في الحركة كنت أعتبر أننا نحن المستشفى وأن كل الآخرين مرضى وأننا فقط العلاج، هكذا كنت أرى الحركة وأرى الناس كلهم مرضى ليسوا أسوياء». هذه الأحداث يتم تذكرها حين تنهمك وسائل التواصل الاجتماعي دفاعاً عن دور الزعيم التاريخي ياسر عرفات في معركة الكرامة، ليس لأن الأمر صدر عن مسؤول لم يدقق في الرواية التي تم تقديم شهاداتها من قبل كل الذين عايشوا الحدث وأهمهم أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية/ القيادة العامة والذي لم يكن صديقاً لعرفات عندما قال: نصحت عرفات بالانسحاب لكنه أصر على أن يطعم لحوم الفدائيين لجنازير الدبابات ولم ينسحب بل لأن الأمر مرتبط بثقافة ما. فالانتصار في الكرامة كان مشتركاً بين الفدائيين بزعامة عرفات وبين الجيش الأردني وهناك بعض الفلسطينيين لم يعترفوا بدور الجيش والمدفعية الأردنية وأرادوا احتكار الانتصار وهناك أيضاً بعض الأردنيين لم يعترفوا بدور الفدائيين وأرادوا طمس مشاركة الفلسطينيين وهذا ما قاله المضيف الأردني للوفد الطبي الفلسطيني، لكن لماذا صدق الدكتور محمود الزهار الرواية؟ ربما لأنها تنسجم مع ثقافة حركة حماس بإقصاء الآخرين ودورهم التاريخي وهذا بحاجة إلى وقفة ليس لأنها صادرة عن أحد أبرز القياديين في الحركة ويحظى باحترام الكثير من أبنائها لكن الخشية لأنها جزء من ثقافة تعززها الحركة بين أفرادها. من حق الفصائل أن تربي أبناءها على أنهم الأفضل وهذا سلوك شائع بين القوى الفلسطينية وطبيعي جداً، لكن ليس إلى الحد الذي لا يرى الناس سوى أنهم جناح بعوضة، إنها ثقافة فوقية خطيرة تحتاج إلى مراجعة وإن استمرارها ينذر بمزيد من التشظي ويعدم أي أمل بالوحدة لاحقاً، فالناس وجدوا هنا وشكلوا فصائلهم الذي يعتقد كل منهم أنه الأقدر على تحرير فلسطين، هم أحرار وليس من حق أحد أن يعزز نزعة التفوق على حساب الآخرين ففي هذا عمل خاطئ. بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة قبل تسع سنوات كانت هناك جلسة مشاورات بين بعض الكتاب لتحديد شكل العلاقة مع الحركة، كان الحديث الأبرز فيها للصديق الكاتب رجب أبو سرية الذي اعتبر أن ما قامت به الحركة هو خطأ فادح يجب أن تتراجع عنه، فلا يحق لها إقصاء الآخرين وأن الحركة ستقيم نظام اللون الواحد ولن تسمح بمنافسيها من قبل أحزاب أو مؤسسات بالعمل في غزة ولكن الحركة الفلسطينية هي جزء من الشعب الفلسطيني ويقتضي دور الكتاب بالعمل على عقلنة حركة حماس وليس إقصاءها عن المشهد لأن هذا الأخير هو فعل عدمي من كل من يفكر بذلك، هذا الرأي الذي لقي صدى بين كتاب الرأي وهو عقلنة الحركة ولو استدعى الأمر الطرق بقسوة. هذا ما حاوله معظم الكتاب، الحديث صراحة دون مجاملة، محاولة توطين الحركة ودفعها لتكون جزءا من الوطنية الفلسطينية وجزءا من النظام السياسي الفلسطيني وليست صفوة النظام السياسي وليس عليها أن تستمر بالاعتقاد بأنها الوحيدة على صواب وكل الناس على خطأ أو أنها الوكيل الحصري للنقاء والطهر الكفاحي والوطني والإنساني ففي هذا نظرة ازدراء للآخرين، أحياناً نشعر ببعض التغيير للأفضل وأحياناً نسمع ما ينسف كل ذلك ويجعلنا نشعر أن هذا التغيير لم يكن سوى فعل تكتيكي يخفي ما قاله المهندس الفالوجي أخطأت حركة حماس كثيراً لكن لم نسمع عن أي اعتذار أو أي تراجع وفي هذا مؤشر الخطر حين تعتقد حركة أنها معصومة من الخطأ بينما الآخرون هم كومة من الخطايا، من يقنع «حماس» بأن باقي الناس مثلهم؟ إذا كان هذا هو موقع ومكانة ياسر عرفات فكيف ستكون النظرة للآخرين؟ هي دعوة للتأمل والمراجعة من قبل الحركة فلدى الآخرين الكثير لقوله، لا يحبون حركة حماس ولكنهم لا يحتقرونها كما تفعل، على الحركة أن تهبط من سماء التعالي إلى أرض الواقع المليء بالأخطاء والخطايا وتدرك أنها مثل الآخرين بل وأنها حديثة العهد بالسياسة وتفتقر للتجربة وأنها بحاجة الى دروس في كثير من القضايا وأول الدروس هو قراءة موقعها وموقفها من تجارب «الإخوان» المسلمين في الإقليم وأبرزهم تجربة الصدام في مصر وتجربة المرونة لدى الشيخ راشد الغنوشي الذي تمكن من تثبيت حركته بقوة في الخارطة السياسية في تونس والتي لا يستطيع أحد إقصاءها ...خلاصة التجربة توطين التجربة الإسلامية واحترام الشريك الوطني ...!!!