إذا كان الحراك الفرنسي لإطلاق عملية سلام جديدة معلناً منذ أشهر، على الأقل، فقد أُعلن الآن أنّ حراكا يجري بصمت بشأن المبادرة العربية للسلام منذ أشهر أيضاً.
يقول قائد المعارضة في الكنيست الإسرائيلي، حاييم هرتسوغ، إنّه ناقش مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عدة مرات في الأشهر الماضية، خطة السلام العربية (المعلنة العام 2002، وتعرض التطبيع مع الإسرائيليين مقابل حل الدولتين؛ فلسطينية وإسرائيلية). كذلك، كشف تقرير القناة العاشرة الإسرائيلية أنّ عدة رُسُل قاموا بإيصال رسائل إلى نتنياهو في الأشهر الأخيرة، بشأن مبادرة السلام هذه. ومن هؤلاء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. ويمكن استنتاج أنّ الرسل، من أمثال بلير، لم يكونوا يتحدثون فقط مع نتنياهو، بل مع هرتسوغ وإسرائيليين آخرين، ربما.
قد تصعب رؤية هذه الأنباء منفصلة عن خبر مطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الإسرائيليين بالتعاطي الإيجابي مع المبادرتين الفرنسية والعربية، وذلك في خطاب غُطي بكثافة في الإعلام الإسرائيلي (قيل في هذا الإعلام إنّ التغطية جاءت بطلب من الرئيس المصري نفسه، كنوع من مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي). وقال السيسي إنّ السلام غير الدافئ بين المصريين والإسرائيليين سيصبح "أكثر دفئا في حالة التمكن من حل القضية الفلسطينية، وإعطاء أمل للفلسطينيين بإقامة دولة، وضمانات لكلتا الدولتين لتحقيق أمن وأمان شعبيهما".
ورحب أمين عام جامعة الدول العربية بتصريحات السيسي، ثم اتصل هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لدعوته للحضور شخصياً إلى اجتماع في الجامعة لمناقشة الشأن الفلسطيني، يوم السبت؛ 28 آيار (مايو) الحالي. وكل هذه التفاعلات تجري قبل أيام من اجتماع وزاري مزمع في العاصمة الفرنسية، في الثالث من الشهر المقبل، ليبدأ التحضير عبره لمؤتمر سلام في الخريف. وقد أفادت المصادر الأميركية أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، سيشارك بفعالية في الاجتماع.
في تصريحاته، دعا السيسي أيضاً، لإحياء المصالحة الفلسطينية الداخلية. وهذا بدوره يمكن أن يكون نوعا من تهيئة البيت الداخلي الفلسطيني، لقبول خطوات في اتجاه "السلام"، وتقليل دوافع المعارضة "الحمساوية".
يبدو أنّ الطرف العربي يحاول جعل نتنياهو يناقش مبادرة السلام العربية، بالقول إنّه يمكن الحديث عن التحفظات أو وجهات النظر الإسرائيلية بشأن المبادرة، ولا يوجد حتى الآن شيء يدل فعليا على تعديلات محددة للمبادرة كما ذهب بعض وسائل الإعلام.
يحقق نتنياهو عدة أهداف بعدم رفض التعاطي مع طروحات المبادرة العربية والفرنسية. أولها، داخلياً؛ فالآن إذا حاول اليمين الصهيوني، خصوصاً بعد استقالة وزير الدفاع موشيه يعلون، استغلال الموقف للضغط على نتنياهو، فإنّ لديه ورقة يلوح بها، هي الدخول في حكومة ائتلاف مع المعسكر الصهيوني، على قاعدة التعاطي مع عملية سلام (لا شروط مسبقة فيها، ويمكن أن تنتهي كفقاعة مثل غيرها). والواقع أنّ دخول حزب "إسرائيل بيتنا"، بقيادة أفيغدور ليبرمان، لا يتعارض مع عملية دخول التفاوض هذه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خرج ليبرمان، بعد لقاء مع كيري، في شباط (فبراير) 2014، يقول: "إن الهجوم على جهد كيري في عملية السلام يهدد بخسارة "صديق وفيّ" لإسرائيل". وبالتالي، يمكن أن نرى حكومة إسرائيلية، ضيقة أو واسعة، تتعاطى مع جهد التسوية، بقدر ما يمكن أن نراها تتجه للحرب، لو قررت ذلك.
هناك الآن موافقة أميركية على الانخراط في الجهود الراهنة. وعلى الأغلب، هناك تنسيق أميركي-عربي لإطلاق عملية جديدة، وهناك تواصل مع نتنياهو وسياسيين إسرائيليين آخرين، لإطلاق مفاوضات أو عملية، يستبعد أن يكون لها أي مرجعية ملزمة للإسرائيليين، فيما يخص الأهداف بعيدة المدى للحل السياسي.
إذا كان الموقف الإسرائيلي دائماً هو الإصرار على مفاوضات ثنائية مع الفلسطينيين من دون تدخل، سوى رعاية أميركية شكلية، فإنّ الإسرائيليين يريدون دائماً اتصالا علنيا مع العرب. ويبدو أنّ الصفقة المطروحة هي قبول إطار شكلي دولي للتفاوض، مقابل دخول عربي علني.
باتت العملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، منذ إبرام اتفاقيات أوسلو منتصف التسعينيات، "مجرد عملية" من دون ضمانات لنتائج حقيقية. وهي توفر للإسرائيليين هامشا واسعا للمناورة، وتسمح لهم بالتقدم في المفاوضات ثم التراجع. ولا يبدو حتى الآن أن ما هو مطروح يتضمن شيئاً جذريّاً مغايراً.
عن الغد الاردنية