في النمسا وفي 17 من مايو (أيار) الحالي قال جون كيري وزير الخارجية الأميركي: «على الأسد ألا يسيء أبدًا تقدير تصميم الرئيس أوباما على القيام بما هو صائب في أي لحظة عندما يعتقد بأن عليه اتخاذ القرار». ثم استطرد: «الرهانات الآن عالية جدًا، وهذا الصراع طال ولن نسمح لأي طرف بوقف زخم السلام».
جاء كلام كيري وشبح حرب العراق، التي لم تنتهِ، مخيم، والرئيس أوباما قرر، كما يبدو، معارضة أي سعي قوي ونشط من أجل وضع حد للحرب في سوريا، ففي شهر مارس (آذار) 2012 قال أوباما: «إن المفهوم بأن إيجاد حل لكل مشكلة يكون بنشر قواتنا، لم يكن صحيحًا في السابق، ولن يكون صحيحًا اليوم». لذلك قرر البيت الأبيض، بدل الحرب التقليدية اللجوء إلى الأسلوب الجديد في مكافحة الإرهاب: طائرات من دون طيار (قتلت إحداها الأسبوع الماضي زعيم «طالبان» الجديد الملا اختر منصور)، وعمليات خاصة، وبعثات سرية أي الحل الوسط بين عدم القيام بأي مجهود عسكري والتحرك لحفظ ماء الوجه. ويدور الحديث الآن حول التعاون مع روسيا في عمليات عسكرية ضد تنظيمي «داعش» و«النصرة»، شرط أن تقنع روسيا نظام الأسد بالامتثال لوقف إطلاق النار. الأسبوع الماضي قالت روسيا إنها تريد أن تقصف «داعش»، لكن الولايات المتحدة ترفض المشاركة. لم تشر أبدًا إلى الشرط المطلوب.
ورغم أن جهود الإدارة الأميركية لتطبيق وقف إطلاق النار في سوريا تحرز تقدمًا حذرًا، فإن قليلاً من صانعي السياسة متفائلون بأنه سيؤدي إلى تقدم سياسي ينهي الحرب الأهلية. يقول أحد المسؤولين في الإدارة: «نحن لا نفكر على المدى الطويل الآن، نريد فقط وقف المذبحة». في الواقع يعترف المسؤولون الأميركيون بأن «هدنة» 23 فبراير (شباط) الماضي، لم تنفذ بالكامل. ويشرح مسؤول في وزارة الخارجية، أن «الهدنة» توترت منذ البداية. ويشير إلى أن القتال حول ميناء اللاذقية وفي حلب وريف دمشق لم يتوقف، وعندما حققت المعارضة تقدمًا استراتيجيًا على الأرض بالقرب من حلب اعتبرها نظام الأسد فرصته لشن هجوم شامل على تلك المناطق.
وفي حين يحاول المفاوضون الأميركيون والروس إيجاد اتفاق ملزم لوقف إطلاق النار، فإن لدى الإدارة الأميركية قليلاً من الأوهام بالنسبة إلى التباعد بين واشنطن وموسكو بشأن حل سياسي للحرب. الموقف الرسمي الأميركي يبقى بأن يرحل الأسد، أما الروس وحسب أحد المطلعين: «إنهم يريدون منا التوقف عن الحديث عن الأسد». ويضيف: «يعتقد الروس بأن لا أحد يمكنه أن يحل محل الأسد، وحتى لو فعلوا ذلك، فهم ليسوا في وضع يساعدهم على إبعاده، نفوذهم محدود». يستطرد: «سيواجه الأسد أي محاولة لإبعاده.. إنه يعتقد بأن بقاءه مسألة وجودية».
لدى الروس أسباب أخرى كما يقول محللون أميركيون، فهم لا يريدون تكرار الفوضى التي انتشرت في ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، وهذا موقف تشارك الولايات المتحدة فيه. لكن عكس الولايات المتحدة يخشى الروس من أنهم إذا ما استخدموا نفوذهم بقوة مع الأسد، فهناك خطر إما زعزعته أو أسوأ من ذلك، التخلي عن نفوذهم لإيران، ناهيك بإعطاء الولايات المتحدة «نصرًا سياسيًا». هذا يترك الإدارة بتأثير قليل على موسكو.
بالنسبة إلى البعض قد يكون صار واضحًا أن الروس لن يسلموا الأسد. لكن ماذا إذا كانوا أيضًا عاجزين عن إقناعه بالتعاون؟
يقول مصدر أميركي: «إنهم يحاولون استخدام النفوذ المحدود لديهم للحصول على شيء ما، إيقاف القتال لأي فترة من الزمن أمر جيد، وإذا لاحظوا أثناء هذا أي رغبة سياسية، فإنهم سيلعبون بهذه الورقة قدر ما يستطيعون». يضيف: «من المهم أن ندرك أن السعوديين والأتراك والقطريين مستعدون لأن يتغير النظام السوري بأي وسيلة» (تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل جبير)، ويكرر موقف الإدارة العلني من أن الولايات المتحدة تدعم المعارضة في محاولتها الحصول على سلطة سياسية.
يبدو أن هذه السياسة قائمة على الاعتقاد الراسخ لدى الرئيس أوباما وأيضًا لدى كيري بأن «تصعيد الصراع لن يكسب الحرب». كل هذا يترك الإدارة من دون «خطة - ب»، لكن أيضًا كما يقول أحدهم في وزارة الخارجية الأميركية إن كيري ليس من الأشخاص الذين يتطلعون إلى «الخطة - ب». لذلك فإن ما يأمل فيه بعض المسؤولين الأميركيين أن يدرك الروس، أن الإدارة المقبلة ستكون أقل تعاونًا معهم.
أدركت الإدارة أن سياسة انتظار الروس ليس ما تتطلع إليه دول الخليج في هذه المرحلة، ومع ذلك، حسب مسؤولين أميركيين، فإن «قمة أوباما مع قادة دول الخليج في الرياض الشهر الماضي كانت جيدة، من ناحية أن الرئيس رغم تمسكه بمفهومه أن المجتمع الدولي يجب أن يختبر نيات إيران، كان واضحًا بقوله للقادة الخليجيين إن الولايات المتحدة ليست في طريقها لاحتضان إيران إلا بعد مرور ما لا يقل عن 10 سنوات من (حسن سلوك) تظهره إيران».
ويصر مسؤولون في الخارجية الأميركية على أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تزالان على الموجة نفسها تجاه مجموعة من القضايا: «سنستمر في دعم السعوديين في جهودهم في اليمن وبالذات في سوريا». لكن ماذا عن الدور العسكري الأميركي في سوريا؟ يقول: يمكننا مواصلة ما نقوم به أو ربما أكثر، لكن إذا لم تترجم الضربات العسكرية على (داعش)، إلى سياسة يمكن الاستفادة منها في المفاوضات، إذن كيف ستكون اللعبة حتى بعد إلحاق الهزيمة بـ(داعش)»؟
وهكذا تستمر المحادثات في جنيف، وتستمر عمليات القوات الخاصة. لكن قلة من المشاركين في الداخل، أو من المراقبين في الخارج يتوقعون أن تحدث هذه المحادثات فارقًا كبيرًا على المدى القصير، يستعين الأميركيون بالحرب على «داعش»، كعنصر يعيد الثقة بهم، لكن، مع الاحتواء النسبي على الأرض لـ«داعش» من قبل الولايات المتحدة، والضغط العسكري المدعوم من روسيا في العراق وسوريا، فإن هذا التنظيم وآيديولوجيته لا يزالان ينتشران عبر التكتيكات الإرهابية. التفجيرات المتواصلة في العراق تحصد مئات الضحايا، ثم إن آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي أعلن أخيرًا عن مضاعفة أمن القواعد العسكرية الأميركية داخل الولايات المتحدة خوفًا من هجمات مستوحاة من «داعش».
نبقى في سوريا، فهل من أبعاد لزيارة قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جون فوتيل شمال سوريا يوم السبت الماضي؟
حسب مقربين من البيت الأبيض: «تشعر الإدارة بأن خطتها على الأرض تسير على ما يرام في الوقت الراهن، فقد تراجع (داعش) في بعض المناطق السورية، لكن الإدارة تعرف أيضًا أنها غير قادرة على إلحاق الهزيمة بالتنظيم في الأشهر الـ7 المقبلة».
الواضح أن لا سياسة أميركية في العراق أو في سوريا تجاه ما يحدث خارج نطاق تنظيم «داعش». تفتت العراق أو بقاء الأسد ليس على الرادار الأميركي «الأوبامي». حتى «داعش» يخبر جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية («الواشنطن بوست» يوم 10 مايو الحالي) بأن الولايات المتحدة «تقلص» ببطء المتطرفين، «لكنها لن تستعيد المعقل الرئيسي في العراق هذه السنة (...) سوف نستعيد الموصل، لا أرى هذا يحدث مع هذه الإدارة». وقال: «لا يمكن للولايات المتحدة إصلاح الوضع». لكنه طمأننا: «لا أعتقد بأن الولايات المتحدة تستطيع مغادرة المدينة. الأحداث تقع في العالم عندما تكون القيادة الأميركية غائبة، يجب أن نكون حاضرين، للتسهيل وتقديم الوسيط وأحيانًا القوة».
ومن له أذنان سامعتان فليسمع. إن الولايات المتحدة قد تأخذنا إلى البحر وتعيدنا عطشى.
عن الشرق الأوسط