كما هو معروف فقد شهدت الساحة السياسية الفلسطينية نقاشاً ساخناً حول فيما إذا كانت القيادة الفلسطينية ستقدم على خطوة الانضمام من عدمه، ثم تبعه بعض النقاشات التي تفسّر هذه الخطوة باعتبارات مؤقتة وليس في إطار مواجهة مع الاحتلال، ولم «تخلُ» بعض النقاشات من التشكيك بالهدف من وراء هذا الانضمام «لتعريض» فصائل المقاومة للمساءلة القانونية الدولية.
كل هذه الأشياء التي أتينا عليها تعكس في الواقع أزمة الثقة في العلاقات الوطنية، وتعكس أيضاً أن كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة، وكل موقف وطني شامل أو مواقف حزبية خاصة أصبحت كلها تخضع لحساب الانقسام وأهداف الانفصال وتكريس المصالح الخاصة.
ها هي فلسطين تنضم إلى المحكمة بصورة هادئة وسلسلة ورشيقة، والأمور باتت أوضح من أن يتمكن أحد تقويلها أو الافتراء على مقاصدها أو النيل من أهميتها.
هذا كله أولاً، أما ثانياً فإن ثمة ما يجب توضيحه في معاني هذا الانضمام ودلالاته التي يمكن أن تكون قد غابت عن الرؤى والتحليل المسؤول.
لعلّ أهم ما يجب تركيز الاهتمام عليه هو أن إسرائيل ليست عضواً في نظام روما، وأن أية «تحقيقات» تجريها إسرائيل من أجل قطع الطريق على الإدانة الدولية أو التمهيد لهذه الإدانة، باعتبار أن المحكمة إذا رأت أن السلطات المحلية قامت بتقديم المتهمين لسلطات القضاء المحلية وفق المعايير الدولية لا تعد بحاجة للنظر في القضايا المرفوعة.. إن إسرائيل ليس لديها هذه الإمكانية وبالتالي لا طائل من محاولات إسرائيل على هذا الصعيد.
أما فيما يتعلق بجريمة الاستيطان فهي جريمة ثابتة في سياسات إسرائيل، وعلى لسان معظم رموزها الرسميين، وتفرد لهذا الاستيطان الميزانيات الرسمية المعلنة وتستخدم في تنفيذ سياسات الاستيطان الجرافات التابعة للجيش إضافة إلى القوات العسكرية والشرطة وكافة الأجهزة المعنية.
ومصيبة إسرائيل هنا أن الاستيطان في القانون الدولي هو جريمة حرب، وكانت إسرائيل تراهن على إمكانية الالتفاف على قضية الاستيطان من خلال «الادعاء» أن الأرض الفلسطينية ليست «محتلة» وإنما هي أرض متنازع عليها.
بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين فقدت إسرائيل مرة وإلى الأبد إمكانية المناورة على هذا الصعيد، وأصبح قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار والاستيطان وهو رأي استشاري قراراً يضع إسرائيل في الزاوية التي لم يعد أمامها أية وسيلة للتنصل منها.
وما يجب الإشارة إليه هنا هو أن مفهوم الرأي الاستشاري لا يقلل من أهميته، لأن المقصود به هو ضرورة أن تأخذ الدول الموقعة على الاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن باتت ملزمة بأخذ ما ورد في هذا القرار إما بعين الاعتبار أو أخذه وتبنّيه بالكامل.
طبعاً تستطيع إسرائيل عبر وسطاء على شاكلة بعض الجزر مجهولة الهوية في المحيط الهادئ أو الهندي أن ترفع قضايا مضادة، لكن إسرائيل تدرك أن مثل هذه الوسائل ستزيد من أزمتها بدلاً من الخروج منها.
وأما المصيبة الأكبر لإسرائيل على هذا الصعيد هي أن الإدارة الأميركية نفسها ليست قادرة على إسعاف إسرائيل لأنها (أي الولايات المتحدة) ليست منضمّه إلى ميثاق روما. كل منظومات الأمن والجيش والمستوطنين سيكونون عرضة للاتهام، وليس أمام إسرائيل في هذه الحالة سوى الحجر عليهم لكي لا يتم اصطيادهم في كل ولاية جغرافية وسياسية لكافة الدول الموقعة على ميثاق روما.
باختصار إسرائيل أمام مأزق كبير وهي وإن كانت قادرة (وهي قادرة فعلاً) على التأثير السياسي على أوساط كثيرة في أوروبا بما في ذلك الجهاز القضائي، إلاّ أن هامش المناورة الإسرائيلية على هذا الصعيد محدود ومحصور وربما عديم الأهمية أيضاً.
كما أن الحرب على غزة موثقة بالصوت والصورة والجرائم التي تم ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني في القطاع لا يمكن التحايل عليها.
إذن إسرائيل في مأزق جديد لكن أهمية ذلك بالنسبة لنا كفلسطينيين أبعد من كل هذا وربما أكثر أهمية.
نحن عندما نخوض هذه المعركة في مؤسسات القانون الدولي فإننا في الواقع نكون في عملية مجابهة حامية. قيمة هذه المجابهة هو في كونها «جزءاً تكاملياً» من رؤى وأهداف وسياسات وأدوات متوافق عليها وطنياً وفي إطار استراتيجية وطنية شاملة.
ولعلّ إنهاء الانقسام وتطوير وتعزيز المقاومة الشعبية وإعادة تجديد حيوية النظام السياسي وإعادة تفعيله على أسس شرعية جديدة عبر الانتخابات في كل المجالات الممكنة هو ما سيعطي خطوة الانضمام إلى المحكمة الجنائية زخمها الحقيقي.
أما المكاسب المباشرة للشعب الفلسطيني من جراء هذا الانضمام هو ما بات ملزماً لفلسطين من إعادة تكييف ومواءمة قوانينها الوطنية مع متطلبات المحكمة، وهو الأمر الذي سيعزز من بناء دولة القانون والمؤسسات كما سيحفّز القوى السياسية لإدراك أهمية هذا التكيف من زاوية فصائل العمل المقاوم، ما يعني أنه في نهاية المطاف ستتم عقلنة الحق الفلسطيني بالمقاومة المسلحة، ربما ينسجم مع الضوابط التي يضعها القانون الدولي على هذا الصعيد.
باختصار فلسطين أمام عملية ربح صافية، وأما إسرائيل فهي أمام خسارة مؤكدة صافية أيضاً.
المعركة طويلة وشرسة ولكن إسرائيل تعرف أنها دخلت مأزقاً غير مسبوق، وأصبح الموضوع خارج السيطرة، وهذا هو جوهر التحول الكبير الذي يعنيه دخول فلسطين إلى المحكمة.
كل هذه الأشياء التي أتينا عليها تعكس في الواقع أزمة الثقة في العلاقات الوطنية، وتعكس أيضاً أن كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة، وكل موقف وطني شامل أو مواقف حزبية خاصة أصبحت كلها تخضع لحساب الانقسام وأهداف الانفصال وتكريس المصالح الخاصة.
ها هي فلسطين تنضم إلى المحكمة بصورة هادئة وسلسلة ورشيقة، والأمور باتت أوضح من أن يتمكن أحد تقويلها أو الافتراء على مقاصدها أو النيل من أهميتها.
هذا كله أولاً، أما ثانياً فإن ثمة ما يجب توضيحه في معاني هذا الانضمام ودلالاته التي يمكن أن تكون قد غابت عن الرؤى والتحليل المسؤول.
لعلّ أهم ما يجب تركيز الاهتمام عليه هو أن إسرائيل ليست عضواً في نظام روما، وأن أية «تحقيقات» تجريها إسرائيل من أجل قطع الطريق على الإدانة الدولية أو التمهيد لهذه الإدانة، باعتبار أن المحكمة إذا رأت أن السلطات المحلية قامت بتقديم المتهمين لسلطات القضاء المحلية وفق المعايير الدولية لا تعد بحاجة للنظر في القضايا المرفوعة.. إن إسرائيل ليس لديها هذه الإمكانية وبالتالي لا طائل من محاولات إسرائيل على هذا الصعيد.
أما فيما يتعلق بجريمة الاستيطان فهي جريمة ثابتة في سياسات إسرائيل، وعلى لسان معظم رموزها الرسميين، وتفرد لهذا الاستيطان الميزانيات الرسمية المعلنة وتستخدم في تنفيذ سياسات الاستيطان الجرافات التابعة للجيش إضافة إلى القوات العسكرية والشرطة وكافة الأجهزة المعنية.
ومصيبة إسرائيل هنا أن الاستيطان في القانون الدولي هو جريمة حرب، وكانت إسرائيل تراهن على إمكانية الالتفاف على قضية الاستيطان من خلال «الادعاء» أن الأرض الفلسطينية ليست «محتلة» وإنما هي أرض متنازع عليها.
بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين فقدت إسرائيل مرة وإلى الأبد إمكانية المناورة على هذا الصعيد، وأصبح قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار والاستيطان وهو رأي استشاري قراراً يضع إسرائيل في الزاوية التي لم يعد أمامها أية وسيلة للتنصل منها.
وما يجب الإشارة إليه هنا هو أن مفهوم الرأي الاستشاري لا يقلل من أهميته، لأن المقصود به هو ضرورة أن تأخذ الدول الموقعة على الاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن باتت ملزمة بأخذ ما ورد في هذا القرار إما بعين الاعتبار أو أخذه وتبنّيه بالكامل.
طبعاً تستطيع إسرائيل عبر وسطاء على شاكلة بعض الجزر مجهولة الهوية في المحيط الهادئ أو الهندي أن ترفع قضايا مضادة، لكن إسرائيل تدرك أن مثل هذه الوسائل ستزيد من أزمتها بدلاً من الخروج منها.
وأما المصيبة الأكبر لإسرائيل على هذا الصعيد هي أن الإدارة الأميركية نفسها ليست قادرة على إسعاف إسرائيل لأنها (أي الولايات المتحدة) ليست منضمّه إلى ميثاق روما. كل منظومات الأمن والجيش والمستوطنين سيكونون عرضة للاتهام، وليس أمام إسرائيل في هذه الحالة سوى الحجر عليهم لكي لا يتم اصطيادهم في كل ولاية جغرافية وسياسية لكافة الدول الموقعة على ميثاق روما.
باختصار إسرائيل أمام مأزق كبير وهي وإن كانت قادرة (وهي قادرة فعلاً) على التأثير السياسي على أوساط كثيرة في أوروبا بما في ذلك الجهاز القضائي، إلاّ أن هامش المناورة الإسرائيلية على هذا الصعيد محدود ومحصور وربما عديم الأهمية أيضاً.
كما أن الحرب على غزة موثقة بالصوت والصورة والجرائم التي تم ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني في القطاع لا يمكن التحايل عليها.
إذن إسرائيل في مأزق جديد لكن أهمية ذلك بالنسبة لنا كفلسطينيين أبعد من كل هذا وربما أكثر أهمية.
نحن عندما نخوض هذه المعركة في مؤسسات القانون الدولي فإننا في الواقع نكون في عملية مجابهة حامية. قيمة هذه المجابهة هو في كونها «جزءاً تكاملياً» من رؤى وأهداف وسياسات وأدوات متوافق عليها وطنياً وفي إطار استراتيجية وطنية شاملة.
ولعلّ إنهاء الانقسام وتطوير وتعزيز المقاومة الشعبية وإعادة تجديد حيوية النظام السياسي وإعادة تفعيله على أسس شرعية جديدة عبر الانتخابات في كل المجالات الممكنة هو ما سيعطي خطوة الانضمام إلى المحكمة الجنائية زخمها الحقيقي.
أما المكاسب المباشرة للشعب الفلسطيني من جراء هذا الانضمام هو ما بات ملزماً لفلسطين من إعادة تكييف ومواءمة قوانينها الوطنية مع متطلبات المحكمة، وهو الأمر الذي سيعزز من بناء دولة القانون والمؤسسات كما سيحفّز القوى السياسية لإدراك أهمية هذا التكيف من زاوية فصائل العمل المقاوم، ما يعني أنه في نهاية المطاف ستتم عقلنة الحق الفلسطيني بالمقاومة المسلحة، ربما ينسجم مع الضوابط التي يضعها القانون الدولي على هذا الصعيد.
باختصار فلسطين أمام عملية ربح صافية، وأما إسرائيل فهي أمام خسارة مؤكدة صافية أيضاً.
المعركة طويلة وشرسة ولكن إسرائيل تعرف أنها دخلت مأزقاً غير مسبوق، وأصبح الموضوع خارج السيطرة، وهذا هو جوهر التحول الكبير الذي يعنيه دخول فلسطين إلى المحكمة.