عن إسرائيل بعد رص صفوف اليمين

thumb (20)
حجم الخط

 

 

   

يبدو أنه ليس فقط المعسكر الصهيوني الذي عارض تشكيل حكومة الوحدة في إسرائيل، ما لم تقم على أساس برنامج جديد، يتضمن الاستجابة إلى استحقاقات عملية السلام، بل إن الليكود أيضاً كان يفضل حكومة أغلبية مريحة، بضم «إسرائيل بيتنا» حيث كان الليكود منذ ظهور نتيجة الانتخابات في آذار من العام الماضي، يجد صعوبة في خيار حكومة الوحدة، وذلك بسبب ذهاب الوزارات الأساسية للأحزاب المشاركة ( المالية لموشيه كحلون / حزب كولانو، الجيش لأفيغدور ليبرمان / إسرائيل بيتنا، والخارجية للمعسكر في حال تشكيل حكومة الوحدة). 
وهذا يعني أن حكومة وحدة تعني ائتلافاً بين اليمين واليسار، لا يظفر فيه الليكود إلا بوزارة الداخلية ورئاسة الحكومة التي ربما حتى تكون مناصفة، أي باستثناء رئيس الحزب بنيامين نتنياهو، الذي يكون وحده وشخصياً قد حقق المجد السياسي من أوسع أبوابه على حساب حزبه الفائز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، لا يرى الليكود ما يغريه في مثل تلك الحكومة.
وفي الحقيقة فإن نتنياهو في قيادته الحالية لليكود يشبه الأمناء العامين للأحزاب الشمولية، فهو يبدو كقائد مستبد، وليس أدل على ذلك من الطريقة التي تعامل بها مع من يفترض به الرجل الثاني في الليكود، نقصد موشيه يعالون وزير الجيش السابق، والذي ما أن أُقيل وما أن تم التوصل الى الاتفاق مع ليبرمان، حتى بدأت بعض الأصوات داخل الليكود تطالب بتسليم حقيبة الخارجية التي يحتفظ بها نتنياهو منذ الانتخابات، في انتظار انضمام المعسكر الصهيوني، الى احد أعضاء الليكود، حيث ظهر من يقول بتعويض يعالون بها، خشية انشقاقه عن الحزب، خاصة وانه اعلن مباشرة بعد إقالته بانه سيرتاح قليلا ثم ينافس على رئاسة الحكومة !
ما لم يقم نتنياهو بتسليم الخارجية لواحد من أعضاء حزبه، فإنه سيظل محتفظاً بها بحجة انتظار انضمام اسحق هيرتسوغ لحكومته، وربما كان هذا احد أسباب ضعف المعارضة داخل إسرائيل منذ آذار الماضي، بما يظهر حنكة نتنياهو و»استبداده» في الحكم، الذي يتيح له القدرة على التحكم الشخصي بالحزب الحاكم، ثم بالحكومة كرئيس لها وكوزير خارجية، كذلك في القدرة على احتواء وتحجيم المعارضة بهذه الطريقة السياسية الخبيثة!
على أي حال، رغم أن نتنياهو يبدو كمن حقق «نصراً» مظفراً بإعادة ليبرمان الى حظيرته، إلا ان الحقيقة تشير الى أن ثمن ذلك لم يقتصر على احتمال «انشقاق» بوغي يعلون الذي استقال من الكنيست، ولا في دخول المتطرف جداً يهودا غليك بدلاً منه، وحسب، ولكن فيما اشترطه «البيت اليهودي « من إجراء تعديلات على الكابينت، تتضمن ضم سكرتير عسكري من ذوي الخبرات ( المقصود كفاءة عسكرية محايدة) اي عدم الاكتفاء بوزير الأمن ورئيس الأركان، حتى لا يتكرر ما قيل عنه من قيام رئيس الحكومة بإخفاء معلومات خلال الحرب الأخيرة ( تموز 2014 ) على غزة.
على كل حال، كل هذا شيء، وسير إسرائيل على طريق التطرف والفصل العنصري شيء آخر تماما، فما هذه الترتيبات إلا تعزيز لخيار إسرائيل بالتمسك بسياسة الاحتلال وإغلاق نوافذ التوصل للحل السياسي مع الفلسطينيين والبقاء في حالة «عداء» مع المحيط العربي / الإسلامي، فرص صفوف اليمين واليمين المتطرف مع الأحزاب اليهودية، يظهر إسرائيل على انها «دولة دينية» حقاً، كما لو كانت دولة داعشية، تمارس العمل الوحشي بحق الفلسطينيين الذين تتحكم بهم دون رغبتهم او إرادتهم منذ خمسين سنة، بما يتضمن الإعدام الميداني، والتشريد ومصادرة الأراضي وهدم البيوت ,, الى أسر جثامين الشهداء !
وصلت إسرائيل حداً بالغاً من «الشذوذ» وعلى طريق التحول الى دولة عنصرية صارخة، لدرجة أن تقوم بإعداد وإدراج نحو 66 قراراً عنصرياً، حسب تقرير أعده المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» وذلك خلال عام واحد فقط ! 
اكثر من ثلثي أعضاء الكنيست، اي نحو 67 % بادروا وشاركوا بهذه القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع، كذلك كانت المعارضة متواطئة مع سن هذه القوانين، حتى بات جوهر التشريع الإسرائيلي استعمارياً يقوم على المزج بين الترانسفير والأبارتهايد حسب النائب العربي في الكنيست جمال زحالقة. 
برأينا، هذا أكثر الأدلة الدالة على طبيعة إسرائيل العنصرية، التي أصبحت لا تختلف كثيراً عن دولة جنوب أفريقيا قبل عقود من الزمن، والتي على أثرها، وبسبب من رافعة الكفاح الشعبي الأفريقي، تم تفكيك دولة جنوب أفريقيا العنصرية، حيث كان يتحكم البيض بمقاليد الحكم، ويتحكمون بالأغلبية السوداء.
وما دامت إسرائيل قد أجهضت حل الدولتين، فإنها بالمقابل يجب أو تواجه بكفاح فلسطيني / وطني أولا ومن ثم إقليمي فعالمي، من أجل إنهاء الاحتلال بأي شكل ممكن، حتى لو أدى ذلك إلى المطالبة بالمواطنة، وفي كل الأحوال فان الكفاح ضد الجوهر العنصري السياسي والتشريعي لدولة إسرائيل  يجب أن لا يتوقف، حتى لو تم التوصل لحل سياسي ينهي الاحتلال، مع أن الاحتلال والجوهر العنصري لإسرائيل متلازمان، فإنهاء الاحتلال يفرض انكفاء لتلك الطبيعة العنصرية والعكس صحيح، لكن إسرائيل التي تحولت تباعا الى اليمين والى العنصرية الفاضحة، بدأت ذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، أي منذ بدأت حركة التحرر العربية في التراجع، وتكرست منذ تسعينيات القرن ذاته، بعد تراجع منسوب الكفاح الوطني الفلسطيني، يعني بأن إسرائيل ليس بمقدورها من تلقاء نفسها أن تنهيَ الاحتلال ولا أن توقف عملية التحول لدولة عنصرية، بل إن الأمر مرهون بالكفاح ضدها، ولكن الكفاح المتزن والمقنع والدؤوب، كما فعل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة نيسلون مانديلا.