ماذا نفعل في ليبرمان؟

hani
حجم الخط

 

 

 

بعد محاولات مضنية لتوسيع ائتلافه الحكومي، قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أخيراً تعيين المتطرف أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، وزيراً للحرب في حكومة تعتبر من أشد حكومات إسرائيل تطرفاً على الإطلاق.
تعيين ليبرمان في حكومة نتنياهو له أبعاد ودلالات عميقة ملتصقة تماماً بموضوع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كما له أبعاد تتصل بالشأن الداخلي الإسرائيلي الذي يسير يوماً بعد يوم نحو التطرف والتعصب خصوصاً تجاه الفلسطينيين.
نتنياهو الذي أحضر ليبرمان إلى حكومته، يسعى قبل كل شيء إلى تحقيق مآرب ومصالح شخصية تستهدف إعادة انتخابه من جديد رئيساً للحكومة الإسرائيلية، فهو يعتبر نفسه أفضل من يحقق المصالح الحيوية والأمنية لإسرائيل.
أما بخصوص موضوع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن ليبرمان الذي عين قبل ذلك وزيراً للخارجية، يمثل السياسة العنصرية التي تقوم عليها إسرائيل، فهو مع الاستيطان قلباً وقالباً، حيث يسكن هناك في إشارة صريحة وقوية على أنه مع مشروعيتها.
ثم إن ليبرمان مع الدولة اليهودية وضد الفلسطينيين والعرب في أراضي العام 48، بمعنى أنه يريد دولة يهودية صافية ومطهرة تماماً من العرب في إطار نقلهم إلى أراضي السلطة الفلسطينية، إلى جانب كونه لا يريد دولة فلسطينية مستقلة وقوية تجاوره في الجغرافيا.
في حقيقة الأمر، يمكن القول إن ليبرمان ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، فهما يخدمان مصالح إسرائيل الأمنية، ويعملان على بيع الأوهام للفلسطينيين مقابل التأكيد على الجانب الأمني، فحين يقول نتنياهو إنه مع السلام وسيعمل في سبيل إعادة سكة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، فإنه حقاً غير صادق ويملك أجندة خطيرة تستهدف استهلاك الوقت لا أكثر.
أصلاً قبل أن يضم ليبرمان إلى حكومته، كان نتنياهو ينتقد المبادرة الفرنسية التي سعى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إلى إنقاذها، إذ يرغب رئيس الحكومة الإسرائيلية في الذهاب إلى مفاوضات ثنائية لا يتوسطها الأوروبيون، وفي مقابل ذلك مفاوضات غير مشروطة مع الطرف الفلسطيني.
لعل تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع يعني أن نتنياهو يريد قبر المبادرة الفرنسية وأي مبادرة أخرى تستهدف التوسط في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ذلك أن حديث الرجلين نتنياهو وليبرمان باللغة الإنجليزية أمام الصحافة بعيد الاتفاق على تعيين الثاني في حكومة الأول، يطلع المراقبين على الرسالة التي يريدان بثها إلى العالم الخارجي.
رسالة نتنياهو وليبرمان إلى العالم الخارجي، أن تل أبيب وحدها التي ينبغي أن تظل مستفردةً في الشأن الفلسطيني، وأن وجود ليبرمان في الحكم يعني أن إسرائيل ماضية في سياستها الحديدية تجاه الفلسطينيين، وأن على المجتمع الدولي احترام موقفها وعدم التدخل في كسر احتكارها لهذا الصراع.
ثم إن تعيين ليبرمان في وزارة الحرب يعني أن إسرائيل ماضية في إحكام قبضتها على الفلسطينيين، فلنا أن نتخيل مثلاً شخصاً مثل ليبرمان العنصري استلم أعلى منصب في وزارة الخارجية، وهو منصب ناعم لا يحتاج إلى قفازات، مع ذلك جعله منصبا موتورا عكس منصب وزير الحرب الذي يخوله إبقاء يده على الزناد كل الوقت.
إذا كان موشي يعالون وزير الحرب المستقيل من منصبه، احتجاجاً على خلاف مع رئيس حكومته نتنياهو، قد علق على تعيين ليبرمان بأن «إسرائيل فقدت بوصلتها الأخلاقية»، فما بال الفلسطينيين الذين يكرهون ليبرمان ويعتبرونه مصدراً للتشدد وبث الكراهية.
حتى أنه وضع محط تندر وسخرية عدد من قيادات في المؤسسة العسكرية، الذين انتقدوا تعيينه في وزارة الحرب بينما هو لا يفقه أصول إدارتها، إلى جانب كونه متطرفاً ومتشدداً تجاه الفلسطينيين والعرب، وحتى أنه لم يفلح في السياسة فما بالنا الحرب.
إن تعيين ليبرمان في وزارة الحرب يعني اختصار التطلعات الفلسطينية في إمكانية قيام دولة مستقلة مكتملة النمو، أضف إلى ذلك أن هذا التعيين بمثابة رسالة شديدة اللهجة إلى كل من السلطة الفلسطينية في الضفة وحركة «حماس» في غزة ومختلف الفصائل، بأن ليبرمان سيكون شديد البطش في التعامل مع مختلف أركان القضية الفلسطينية.
أما بخصوص انعكاس تعيين وزير الحرب الجديد على الشأن الداخلي الإسرائيلي، فإن نتنياهو يرغب في إقامة تكتل يميني متطرف يمكنه تمرير سياسات عنصرية لا تتفق مع الذين يصنفون نفسهم على أنهم من اليسار وأنهم ضد هذه السياسات الإسرائيلية.
كما يريد نتنياهو أن يقول لجمهوره إنه أمام تعثر المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، وأمام البعبع الإيراني الذي يهدد أمن إسرائيل، وهذه التناقضات العربية المجاورة لنا، كل ذلك يستدعي التقدم خطوات إلى الأمام نحو التطرف، كونه بمثابة العش الذي يضمن تفوق إسرائيل على مختلف الصعد.
كما أن نتنياهو يريد استثمار الفرصة والإتيان بليبرمان، حتى ينفذ سياسات من شأنها أن تستعجل التخلص من الدولة الفلسطينية، وتستعجل الاستيطان وتوسيع المعازل على الفلسطينيين لإضعاف التواصل الجغرافي في الضفة الغربية، فضلاً عن التمكن السريع من القدس الشرقية.
هذا ما يريده نتنياهو ولا يجد أفضل من ليبرمان في تسويق العنصرية والذهاب فوراً إلى مشروعات تخدم المصالح الإسرائيلية، وأما الفلسطينيون فلا يفعلون شيئاً سوى أنهم ينددون ويشجبون ويعتبرون أن هذا الفعل الإسرائيلي مشين ولا يقترب من تطلعاتهم؟
لماذا يعتقد الفلسطينيون والمقصود هنا القيادة بمستوياتها، أن على إسرائيل أن تنزل إلى النظر في قضاياهم وتعالجها وتحققها، فلم يحدث أن قامت تل أبيب بتقديم خدمات أو توزيع شهادات حسن سير وسلوك على الفلسطينيين، ولم يحدث أنها أخذت بعين الاعتبار أوضاهم وعدالة قضيتهم.
ينبغي أن يصحو الفلسطيني ويدرك أن شيطاناً تحالف مع شيطان، وأن هذه التوليفة إذا لم يتم التعامل معها بعقل ناضج، ستجلب الخراب على القضية الفلسطينية، والأولى أن يصمت الفلسطيني وأن يفعل الصحيح ويذهب نحو تحقيق الوحدة الوطنية.
إن الرد على نتنياهو وليبرمان يكون بالعودة عن الانقسام الفلسطيني الداخلي، وإعادة النظر في استراتيجية المقاومة السلمية باتجاه تفعليها وتوسيع نطاقها في الداخل والخارج، ذلك أن ليبرمان لم يأت إلى السلطة وقلبه على السلطة الفلسطينية، ولن يرمينا بالهدايا والورود.