لا يمكن لأحد إنكار الدور المهم، بل المصيري الذي تلعبه وسائل الإعلام، وبالأخص في بعض الدول، حين تكون أحداث وتغيرات وتطورات سريعة، حيث أصبح توفر المعلومة بالجودة وبالسرعة متطلباً للناس، وسواء أكان هذا الإعلام التقليدي الذي نعرفه، او الإعلام الحديث الإلكتروني والمجتمعي، فان وجود إعلام متخصص، يبحث وينقب ويتابع الحلول هو ضروري للارتقاء بالإعلام، وهذا ينطبق علينا، سواء أكان إعلاما اقتصاديا أو بيئياً او صحياً أو إلى ما ذلك.
وعندنا تزخر الصحف الفلسطينية يوميا، بالمقالات وبالتقارير السياسية، والتي تكاد تكون متشابهة في الصحف الرئيسية الثلاثة، وتتكرر نفس المواضيع وخاصة على شكل مقالات، لعدة أيام وربما لأسابيع، حتى يقع حدث سياسي آخر، سواء أكان داخلياً او خارجياً، ليبدأ الكاتب بسرد التعليقات والمقالات على نفس الموضوع ومن زوايا مختلفة وتحت عناوين متعددة، وربما مع رتوش هنا أوهناك.
وصحيح أنه يوجد لنا واقع سياسي خاص، وصحيح أننا في منطقة سياسية ساخنة بالأحداث وبالتوقعات، وصحيح ان السياسة هي جزء من حياتنا، ولكن الأهم أن للناس حياة عادية طبيعية، كما للناس الآخرين في مناطق أُخرى في العالم، تهمهم مواضيع مثل الاقتصاد، والقضايا الاجتماعية، والتربية والتعليم، والصحة والبيئة والمياه، والخدمات وسوق العمل والبطالة، وتوفر المياه وجودتها، وأسعار الخضار والخبز واللحوم وحماية المستهلك، وما الى ذلك.
حيث إن هناك الإعلام التربوي أو التعليمي، الذي يعالج ما يجري في المدارس وفي المناهج ومع المعلم، وماذا يجري في الجامعات، وعن التخصصات ونوعية التعليم، وعن العلاقة بين المعلم والطالب، وعن العلاقات بين أولياء الأمور والمعلمين، او بين إدارات الجامعات والموظفين، وعن أسواق العمل للخريجين، وعن البطالة وكيفية ربطها مع التعليم وأنواعه، وعن عدد الطلبة في كل تخصص، وعن العديد من القضايا في هذا الصدد، التي تهم كل مواطن فلسطيني.
وهناك الإعلام البيئي مثلاً، الإعلام الذي يركز على النفايات من صلبة وسائلة وعن كيفية التخلص منها وأين، وإذا لم يتم ذلك وبالأسلوب الصحيح، ومَن المسؤول؟ وعن كيفية المتابعة والتقييم، وعن المياه وتوفرها ونوعيتها وعن المياه العادمة وعن الهواء، ونفايات المصانع، وعن المواد الكيميائية في الزراعة والصناعة والغذاء، وعن التربية البيئية في المدارس والجامعات ومواقع العمل، وعن سلامة العمل وصحة المهنة في مواقع العمل، وعن العديد من القضايا التي تتداخل وبشكل مباشر في حياتنا اليومية.
وهناك الاقتصاد، بأنواعه وتشعباته وتأثيره، وما أحوجنا الى معالجة قضايا اقتصادية، من الصناعة والزراعة والخدمات ومن الاستهلاك المحلي والتصدير، على شكل تقارير ومقالات وتعليقات، وعن طريق المتابعات من الجهات الرسمية والخاصة، وعن طريق الربط، بل استكشاف الأسباب وتحريك أصحاب القرار لإيجاد أو لعرض الحلول، وما الى ذلك من قضايا اقتصادية نحن في بلادنا وفي مجتمعاتنا وفي حياتنا اليومية في حاجة ماسة لها.
وهناك كذلك القضايا الاجتماعية، أو التي لها انعكاسات اجتماعية، كاستخدام المخدرات والأدوية المغشوشة، والطعام الفاسد، وحقوق الإنسان، والمساواة، والتمييز، وقضايا الجندر وحقوق المرأة، والشخص المناسب في المكان المناسب، ومكافحة الفساد، والعديد من القضايا من هذا النوع، وهي كثيرة.
لذا فالإعلام المتخصص هو الذي يشد الناس العاديين من خلال التطرق إلى قضاياهم اليومية، والى البحث عن او المطالبة بالبحث لإيجاد حلول لمشاكلهم يتم ترجمتها على ارض الواقع، وأعتقد أن عدداً كبيراً من الناس يرغبون بالقراءة عن أمور تؤثر على صحتهم وصحة البيئة المحيطة بهم مثلا، من عادات غذائية، وعن أمراض موجودة او متوقعة، وعن أدوية، وعن أساليب صحية، وعن نظام التأمين الصحي، وعن أمراض جديدة تغزو المجتمعات القريبة منا، كأمراض السكري والقلب والضغط والاكتئاب وما إلى ذلك، وكل هذه الأمور تهم المواطن، بل هي جزء من حياته، وتتطلب وجود إعلام متخصص استقصائي يتعامل مع هذه القضايا كأولوية.