أين الأمهات والآباء؟ أين الوالدان؟ أين الوالدان اللذان سيرسلان أبناءهما للجيش؟ أين الوالدان اللذان يصمتان الآن وسيبكيان فيما بعد؟ أين الوالدان اللذان يبكيان الآن لأنهما صمتا حينما كان يفترض بهما أن يصرخا؟ الآن هما يجلسان في الصالون ويشاهدان "ستوديو الجمعة". يقولون عن بيبي هذا وعن ليبرمان هذا وذاك. وفي غرفة النوم أمام الحاسوب يجلس الولد الذي لا يعرف بعد أن حياته هي ورقة في المفاوضات الائتلافية. هم يسكتون لأنه لا يعقل أن لا أحد سيحافظ عليه. هم يسكتون لأنه يبدو لهم أنه توجد حكومة ستحميه، وهناك برلمان سيحمي الحكومة، وهناك وسائل إعلام ستحافظ عليهما معاً.
كم من المحزن اكتشاف أنهم مخطئون. لن يقوم أحد بالحفاظ على الابن. لا الحكومة المنغلقة ولا البرلمان ولا وسائل الاعلام الجبانة. لا أحد يصدق أن هذا يحدث، الى أن يأتي طاقم الضباط ويطرق الباب. لا أحد يصدق أن هذا سيحدث له كعائلة. ولا أحد يصدق أن هذا يحدث له كدولة. لا يمكن اتهام من آمن بأن الديمقراطية تحافظ عليه. لأنه كان يفترض الايمان بشيء ما. سُميت هذه قيم، لكن لا أحد يعرف الآن عن أي قيم يدور الحديث. ذات مرة تحدثوا عن قيم ديمقراطية. من كان يصدق أن هذه القيم ستفلس. من كان يصدق أنه لن تكون هنا معارضة ولا ائتلاف. من كان يصدق أن السلطة لا تسعى الى تحقيق اهداف وأصبحت هي بحد ذاتها الهدف.
لا يوجد من يتحدث باسمنا أو يدافع عن أبنائنا. الادراك بطيء ومؤلم. رويدا رويدا نفهم الصلة بين تعيين ليبرمان وبين حياة الأبناء. نحن نعزي أنفسنا. المواطنون الخائفون دائما يُعزون أنفسهم حينما يصل الى السلطة مخادع وغشاش. المواطنون الخائفون يُعزون أنفسهم: الامور التي نراها من هنا لا نراها من هناك. وايضا: سيكون هناك البالغ والمسؤول. وايضا: في النهاية سيصبح معتدلا. لماذا لا نصدقه؟ لماذا لا نصدق أنه سيدخل الى غزة ويقصف سد أسوان؟
عندما يغيب من يحافظ على أبنائنا، نتذكر الجيش فجأة ونسأل لماذا ليس لدينا؟ لماذا ليس مثل تركيا ولماذا ليس مثل مصر – نحن لسنا أفضل منهم وقد سبق لنا وقتلنا رئيس حكومة. أعيننا تلمع عندما نتحدث عن نائب رئيس الاركان، ونقتبس عن روني دانييل ونغفر لايهود باراك. نقوم بالفانتازيا على الجنرالات الاخلاقيين كي ينفذوا العمل من أجلنا. وننسى أن الجنرالات في الفانتازيا الخاصة بنا لا جيوش لهم.
الجنود (الذين هم أبناؤنا جميعا) لن يذهبوا وراء هؤلاء الجنرالات. التعليم الذي حصلوا عليه في المدرسة أقوى من التعليم الذي حصلوا عليه في البيت. ففي المدرسة علموهم أنه "لا يوجد خيار" و"لا يوجد من نتحدث معه". ومن الافضل أن نموت شهداء من اجل بلادنا. الأبناء الذين سيقتلون ويُحيدون بعد سنة أو سنتين، لن يذهبوا وراء الجنرالات الذين يحذرون من البهيمية. هذا متأخر جدا، فالبهيمية أصبحت جزءًا لا يتجزأ منهم. سيذهبون وراء بيبي وسارة وليس وراء الجنرالات الاخلاقيين. "إلى أين ذهب ابني الجيد؟"، سأل حانوخ لفين، وأجاب: "بكاء في الغرف وفي الرياض، الملك يلعب مع الملكة".
الملك يلعب مع الملكة ومن حولهما الصمت. نحن ندفن رؤوسنا عميقا بين الاكتاف ونغمض أعيننا ونتمنى أن تسقط القذيفة على شخص آخر. نحن خائفون وقلقون وعصبيون وغارقون في الوحل وأرجلنا ثقيلة. يمكن سماع أنيننا من طرف الانترنت الى طرفه الآخر. إنهم يقتربون وآذاننا الصغيرة تستنفر. يمكن سماع الاصوات ورؤية النار. نحن نلاحظ الاصوات ونعرف من الذي اشعل الحريق. لا يوجد من يدافع عنا في وجههم. هم أبناؤنا. وهم لا يحبون التعبين.
لقد فعلتم ما هو مطلوب منكم، كما يقولون، فاذهبوا. الى أين نذهب؟ نسأل بابتسام وكأن الحديث يدور عن نكتة، ونلمس جوازات السفر الاجنبية في جيوبنا. نعرف كم من الصعب علينا أن نغادر. لقد صمتنا طوال الوقت ونحن الآن ندفع ثمن هذا الصمت. الوالدان اللذان صمتا بالأمس دفعا الثمن من حياة أبنائهما. والوالدان اللذان يصمتان الآن يدفعان ببهيميتهما. البهيمية تقتل. الوالدان اللذان صمتا سيشاهدان ابنهما وهو يقتل ويُقتل. وسيكون دائما هنا ضحايا. وقد كتب حاييم غوري: "اسحق، كما يقال، لم يتسبب بضحايا – عاش أياما كثيرة، ورأى ما هو جيد الى أن أصبح نور عينيه غامقا – لكنه أورث تلك الساعة لاحفاده؛ إنهم يولدون وفي قلوبهم غصّة".
عن "هآرتس"
-