المشهد الاقتصادي وتكرار المكرر

ggg_1773
حجم الخط
كنت اظن "وبعض الظن اثم" أن هناك امكانية ومتسعا بسيطا ان نحقق انجازا نوعيا في الملف الاقتصادي رغم تكرار الحديث عن الإجراءات الاحتلالية المعيقة، وفي لحظة من اللحظات كان بالامكان التعامل معها تحديات يجب التصدي لها من جهة والتركيز أكثر على الفرص المتاحة، واتسعت دائرة الظن أن كل حامل لملف من ملفات الاقتصاد أن يسد ثغراته وينجز فيه واضعين نصب اعينهم أن لا يؤتى الملف من قبله على قاعدة بالامكان أفضل مما كان.
اشبعت المحاور والمواضيع الاقتصادية بحثا وتنقيبا ونقدا وتوضيحا وبيانات توضيح ولجان واستشارات وباتت رفوف الكتب واوراق العمل وتقدير الموقف حافلة ولكن واقع الحال لم يكن متوازنا مع واقع الجهد الورقي البحثي، ولم يبيت احد سوء النوايا أو غرض من اغراض التضليل لا سمح الله، تحدثنا عن إعادة فتح ملف بروتوكول باريس الاقتصادي لكن البروتوكول لم يراجع ولم يحرك بشأنه ساكنا، نعلم أن اكبر استيرادنا الاكبر والاهم من السوق الإسرائيلي وقيل ونوقش رفع حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، كرر الحديث والبحث والضغط والتأثير من أجل رفع حصة القطاع الزراعي من الموازنة، افرد مجالا واسعا للبحث والتعقيب حول اقتصاد القدس ليس فصلا لها بل تعظيما لها، قيل ما قيل حول قطاع الإسكان، والبنية التحتية والطاقة والمياه.
ولكننا اليوم نعود الى المربع الاول وكأننا نعيد اختراع العجلة وكأن عمر السلطة الوطنية الفلسطينية بدأ اليوم ولم يبدأ منذ العام 1994، وكأن انتفاضة الاقصى لم تترك اثارها على الوضع الاقتصادي، وبتنا نبحث في قضايا كانت محسومة وممكنة مثل دعم المنتجات الفلسطينية، وامكانية التنمية في ظل الاحتلال، والشراكة أو الحوار بين القطاع العام والخاص والمجتمع الاهلي، والشريك التجاري بالاكراه السوق الإسرائيلي، وتنمية القطاعات الانتاجية الاقتصادية.
نحن اليوم نتحدث عن تراجع النمو في الاقتصاد الفلسطيني وهل بدأ التراجع منذ العام 2012، أم انه بدأ في العام 2010، ونتسأل ان كان النمو مرتبطا بالمانحين الذين يقودوا هذا النمو، ونتسأل عن 12 مليار دولار ودائع في البنوك ولا نتعامل معها كفرصة متاحة، ونتحدث عن مليار واربعمائة مليون شيكل مديونية في الكهرباء، ومليار شيكل مديونية في المياه، ونلطم الخدود على عدم ايلاء عناية للاسكان في القدس ولمشاريع في القدس وتنمية في القدس من أجل الصمود.
وحتى اكون أكثر جرآة ووضوحا وصراحة لا يجوز لأي كان في فلسطين أن يعفي نفسه من المسؤولية سواء جمعية حماية المستهلك أو بقية مؤسسات المجتمع الاهلي، مرورا بالقطاع الخاص ومؤسساته ومكاتبه الحركية وحتما الحكومة في قلب ذلك كله والكتل البرلمانية والاحزاب والقوى.  أما أن نلقي بالمسؤولية على عاتق الاخر أو أن يعلن طرف عجزه عن التأثير أو نعلق على شماعة الاحتلال وإجراءاته فأمر لم يعد مجديا.
من الطبيعي والمنطقي أن تكون المسؤولية الاساس والعظمى على كاهل الحكومة والمجلس التشريعي المعطل وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الاجندة الوطنية للسياسات الاقتصادية، ومن خلال القوانين والانظمة والإجراءات العصرية، وتحسين مناخ الاستثمار.
القطاع الخاص له دور جوهري وليس دورا بروتوكوليا تشريفيا يحمل مقصا وشريط احمر، ويطلق برامج ذات عناوين يطرب لها السامع أو القارئ، وليس تركيزا على من سيتحدث عن القطاع الخاص بينما الاهم ما الذي سيقال عن القطاع الخاص.
مؤسسات العمل الاهلي ومراكز الابحاث والدراسات الاقتصادية ليسوا مراقب خط يرفع الراية متى شاء ويغيب متى شاء، لا يعقل ان يتركز العمل ارتباطا بتوفر تمويل وعندما لا يتوفر نغيب، أذا لم تكن هذه المؤسسات شريكا في رسم السياسات ومراجعة القوانين والتشريعات الاقتصادية على الاقل لا يجوز لها ان تمارس سياسة إدارة الظهر ومن ثم تعود لتندب الحظ وتقول : لو سألتونا ما حدث ما حدث .
محركات الاقتصاد الفلسطيني جزء اساسي منها ومركزي سلطة النقد، هيئة سوق رأس المال، هيئة تشجيع الاستثمار، علينا ان نفحص اين تقف من دورها كمحرك؟
الاعلام الاقتصادي ملف مهم وليس اعلام العلاقات العامة، بل اعلام الرقابة والتحقيق الاقتصادي الاستقصائي وكشف المستور دون فهلوة وتحقيق السبق دون مضمون.
بغض النظر عن حجم النمو وتراجع النمو الاقتصادي والمؤشرات الاقتصادية الا أن التوازن يجب ان يكون صاحب القول الفصل التوازن بين المحافظات ضمن الميزة التنافسية لكل محافظة في عوامل النمو، باختصار لا يعقل أن تعتبر المحافظة الزراعية فرصها ومكاسبها اقل ولا تعتبر الزراعة ميزة تنافسية، بينما تشهد المحافظة صاحبة الميزة التنافسية لها الصناعة والتجارة وضعا افضل، ويغيب التكامل بين السوق الفلسطيني أذ لا يجوز ان نستسلم لفصل سوق الضفة الغربية عن قطاع غزة وكلاهما عن القدس.
والمؤكد أن تقييم المشهد الاقتصادي وتكرار المكرر اقتصاديا والتشكك في الشراكة أو الحوار بين القطاع العام والخاص والاهلي  تقييما سلبيا مرده إلى عدم انسيابية المعلومات وتدفقها من قبل صانع القرار الاقتصادي التنموي قل أو كثر، العلم بالشئ يسهل مسألة الحوار والتفهم والوعي لحقيقة الواقع وعرض الامكانيات المتاحة.
من الخطورة بمكان ان يكون جل ما يعرفه المواطن/ة وما يتداوله هو مقتطفات من عمليات الافصاح التي تقوم بها الشركات فتعلن عن ارباح كبيرة للمواطن في الربع الاول حتى الربع الرابع، ولا يرى المواطن/ة علاقته مع هذه الشركة او تلك الا فاتورة نهاية الشهر أو بند مبلغ مقطوع أو جودة منتج اقل من المتوقع بكثير أو حجم مثبت على العبوات ولا يتطابق مع الحجم الموجود في العبوة، جوهر هذه العلاقة يجب ان يتغير من خلال الشفافية في التعامل والتواصل.