تتداول اوساط عربية واقليمية ودولية افكار يعرضها بعض العرب الرسميين حول إستعداد لتعديل مبادرة السلام العربية، وخاصة ما يتعلق بعملية التطبيع مقدما؛ والتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم على اساس القرار الدولي 194. وتناغمت فرنسا مع تلك الرؤى، مما حدا بها للمطالبة في الاونة الاخيرة من العرب عموما والسعودية خصوصا الاعتراف المسبق باسرائيل لتشجيعها على الانخراط في عملية السلام.
للاسف الشديد هذه الافكار، وأي من كان وراءها، لا تساعد في دفع عملية السلام للامام. بل العكس صحيح، انها تساهم في تعطيل اي تقدم، وتعطي حكومة اليمين المتطرف الاسرائيلية الضوء الاخضر لمواصلة عملية الابتزاز للعرب والاوروبيين وخاصة القيادة الفلسطينية، التي قدمت سلفا كل استحقاقات التسوية السياسية.
ولعل ما جاء امس السبت في كلمة الرئيس ابو مازن امام إجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية في مقر الجامعة العربية، وتأكيده على محددات مبادرة السلام العربية، يحمل رسالة للاشقاء العرب، الذاهبون للمشاركة في قمة باريس في الثالث من حزيران القادم بعدم تجاوز ما نصت عليه صراحة مبادرة السلام العربية، التي باتت جزءا من مرجعيات عملية السلام. وفي حال "تبرعت" دولة سرا او علانية بتقديم تنازل هنا او هناك، فهذا ليس ملزما للقيادة والشعب الفلسطيني لا من قريب او بعيد.
ولعلم الاشقاء والاصدقاء في العالم، ان سياساتهم المهادنة والخجولة تجاه بلطجة ووحشية وانتهاكات حكومة نتنياهو وقطعان المستعمرين المعادية للسلام، هي، التي شجعت التغول والتوحش الاسرائيلي في مواصلة سياسة التهويد والمصادرة للاراضي والاعدمات الميدانية للاطفال والشباب من الجنسين والشيوخ والاعتقالات وهدم البيوت وسن القوانين الاكثر عنصرية ونازية. الامر الذي يفرض على كل معني بخيار السلام مراجعة السياسة المتبعة، واتخاذ ما يلزم من الاجراءات لفرملة التوجهات الفاشية الاسرائيلية، وهذا لا يتم إلآ بفرض العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية والامنية على دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
كما ان موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لا يستطيع كائن من كان مسؤولا فلسطينيا او عربيا او امميا او غير ذلك، ان يتنازل عن حق عودة اللاجئين لديارهم، فهذا الحق له بعدين الاول شخصي وخاص بكل مواطن فلسطيني اي كان تاريخ ميلاده قبل او يعد النكبة، هو وحده من يقرر إن كان سيعود او لا. الاب لا يملك حق التنازل عن حقوق الابناء او الاحفاد لوطنهم الام، والعكس صحيح. والثاني الحق السياسي العام، الذي تمارسه فيادة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب. هي المخولة بالتعبير عن مصالح ابناء الشعب الفلسطيني. والعمل على تنظيم وتأمين عودتهم إلى ديارهم ومدنهم وفق المعايير الاممية، التي سيتفق عليها مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. واما موضوع التطبيع مع الدولة العبرية، فهذا الامر لا يوجد فيه اي تعقيد، تعترف اولا اسرائيل بالمبادرة العربية للسلام ثم تطبق حكومتها الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وتسمح باقامة دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 67، وبخط متواز العودة للاجئين، عندئذ يعترف العرب والمسلمون باسرائيل ويطبعون العلاقات معها.
لكن قلب المعايير والاولويات لن يساعد بتاتا في تحريك عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود 67. بل ستكون النتائج عكسية، تماما كما هو حاصل الان، سيتعمق خيار النازية والعنصرية في إسرائيل. وبالتالي على الحريصين على عملية السلام من الاشقاء والاصدقاء ان يعلموا جيدا، ان الفلسطينيين قدموا كل التسهيلات المطلوبة منهم لبلوغ السلام، ومازالوا مستعدون لمواصلة خيار السلام لتحقيق خيار حل الدولتين، ولكن دون التنازل عن حق العودة او الدولة المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 مع تبادلية ضئيلة ومحددة بالكم والكيف.