الحزم الخليجي العربي والأمن القومي

4455
حجم الخط

احمد سمير القدرة

الحزم الخليجي العربي والأمن القومي إذا أردنا أن نعطي تعريف للأمن القومي, فهو وفق ما جاء في الموسوعة السياسية: تأمين سلامة الدولة ضد أخطار خارجية وداخلية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي. وبحسب ميثاق جامعة الدول العربية: قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي. وإذا أردنا أن نحدد عناصر الأمن القومي فهي: الأمن السياسي, الأمن الاقتصادي, الأمن الاجتماعي, الأمن الديمغرافي, الأمن الجيوستراتيجي, الأمن الديني, الأمن الثقافي والحضاري, الأمن الطبيعي (المواد الطبيعية), أمن الحدود, أمن الطاقة, الأمن الصحي, الأمن العرقي, الأمن البيئي, الأمن الغذائي, أمن المعلومات, الأمن العسكري, الأمن الجغرافي, أمن المؤسسات (حكومية وغير حكومية).

هذه العناصر وغيرها بطبيعة الحال هي المكون الرئيسي للأمن القومي بصورته الشاملة, ولا يقتصر مفهومه على الشق السياسي والأمني والعسكري. تعتبر منطقة الخليج العربي منطقة استراتيجية ذات أهمية كبرى, لموقعها الجغرافي المميز المطل على الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب والبحر الأحمر, واشرافه عل مضيق هرمز وباب المندب وبالتالي الإشراف على طرق الملاحة, بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية الكبيرة جعلها دول غنية بالنفط وقدرتها على استثمار عائداتها النفطية وتوظيفها في التنمية والنهوض سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, ونظراً لهذا الموقع الاستراتيجي جعلها محط أطماع وتطلعات وتنافس القوى الإقليمية والدولية, وباتت منطقة الخليج عرضة للكثير من التهديدات والتحديات والمخاطر ومحاولات زعزعة أمنها واستقرارها من قبل الدول والقوى المتنافسة. في الآونة الأخيرة, ومنذ مطلع عام 2003 شهدت المنطقة العربية تحولات استراتيجية إثر سقوط النظام العراقي وضعف وغياب الدور الفاعل والمركزي للدول العربية المحورية الإقليمية, فاستغلت القوى الإقليمية الطامحة والمتطلعة في التمدد والنفوذ هذا الفراغ وبدأت في التمدد وفق أجنداتها ومصالحها الخاصة, فباتت تؤثر على استقرار وأمن المنطقة ككل, من خلال دعمها لحلفائها وأذرعها والتدخل في الشؤون الداخلية للدول, وأبرز تلك القوى وأخطرها الجمهورية الإيرانية.

وفي مطلع عام 2011 شهدت بعض الدول العربية (تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين), حركات احتجاجية مطالبة بالتغير والإصلاح والتحول الديمقراطي والعدالة والحرية والمساواة, أسفرت عن سقوط الأنظمة السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن, واندلاع حرب واقتتال في سوريا وتدخل قوى إقليمية ودولية في هذه الحرب كُل وفق مصالحه, والسيطرة الحكيمة على مجريات الأمور في البحرين. في هذه الأثناء ونتيجة لهذا التحول المفاجئ استغلت إيران الفرصة لكي تحقق ما ترنو إليه من تمدد ونفوذ ونشر المذهب الشيعي, فباتت تشكل خطر على أمن واستقرار المنطقة العربية بشكل عام وعلى منطقة الخليج العربي بشكل خاص, فدعمت الحركة الاحتجاجية في البحرين (الغالبية العظمى من الطائفة الشيعية) وبدأ القادة السياسيين والعسكرين بإطلاق التصريحات والبيانات الداعمة والمؤيدة للاحتجاجات والمعارضة للنظام البحريني, موظفة هذه التصريحات بما يخدم أطماعها في البحرين ضمن المنافسة الإقليمية ودعمها للطائفة الشيعية في منطقة الخليج العربي, وكل هذا وفق سياسة إيران القائمة على التمدد وتوسيع نفوذها.

وفي سوريا نجد أن إيران منذ اللحظة الأولى دعمت وساندت ووقفت بجانب النظام السوري في إجراءاته القمعية ضد شعبه, وأرسلت مقاتليها للمشاركة في التصدي وقمع الحركة الاحتجاجية إلى جانب قوات النظام السوري لمنع سقوطه, ومازالت تقف بجانبه. أما في اليمن فقد دعمت الحوثيين وأمدتهم بالمال والسلاح والتدريب, فاليمن بالنسبة لإيران يمثل العمق الديمغرافي الممثل بالشيعة. وفي فترة حكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي ظهرت مؤشرات لبوادر التطبيع وتحسن العلاقات بين حكم الإخوان المسلمين وإيران, بالإضافة إلى دعم إيران المستمر لحركات المقاومة في فلسطين (حماس والجهاد الإسلامي), وتعاظم تحالفها مع حزب الله اللبناني. هذا التمدد والنفوذ والتغلغل في المنطقة بدأ يؤثر على حالة الاستقرار والأمن في المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص. ومن خلال هذا التمدد والنفوذ الإيراني والشيعي ومحاولة تثبيت وجودها في العديد من دول المنطقة, بدأت السعودية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في التصدي لهذا التمدد من خلال بدء تشكيل تحالف سني لمواجهة هذا الخطر.

لقد شهدت اليمن كغيرها حركة احتجاجية تمخض عنها تنحي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن الحكم وفق المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية, وتم انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي, ولكن ما لبثت أن دخلت اليمن في حالة من عدم الاستقرار السياسي أسفرت عن تمرد الحوثيين على حكم هادي وتنفيذ انقلابها على الشرعية وعلى مخرجات الحوار الوطني واتفاقية السلم والمشاركة, وبدء الحوثيين في السيطرة على مفاصل الدولة والسيطرة على العاصمة صنعاء وغيرها من المدن, بتحالفها مع الرئيس السابق علي صالح. لقد شكل هذا الانقلاب مصدر تهديد خطير لدول الخليج العربي وتحديداً السعودية, كون أن الحوثيين مدعومين من قبل إيران مالياً وعسكرياً وإذا ما تمكن الحوثيين من احكام السيطرة الكاملة على اليمن فهو يوقعها تحت النفوذ الإيراني, بالتالي يعرض الأمن القومي السعودي للخطر بشكل خاص والأمن القومي الخليجي والعربي بشكل عام. تباحث قادة دول مجلس التعاون الخليجي التطورات الجارية في اليمن ونتيجة استشعارهم بخطورة الأوضاع والتهديدات التي تحيط باليمن وبدول الخليج صدر قرار بتنفيذ عملية عسكرية ضد الحوثيين بعد أن بذلوا كافة الجهود لوقف اعتداءات الحوثيين التي هددت أمن واستقرار وسلامة اليمن ودول الخليج ولكن دون نتيجة. ففي ساعات الفجر الأولى من صباح يوم الخميس الموافق 26 مارس 2015, بدأت القوات الجوية السعودية وبمشاركة عدد من الدول الخليجية والعربية عملية عسكرية أطلق عليها اسم عاصفة الحزم ضد الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في الجمهورية اليمنية, وذلك بعد أن تم توجيه طلب رسمي من قبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي, بضرورة تقديم المساندة والدعم لحماية اليمن واستقراره. إن عملية عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية وبمشاركة عشرة دول عربية (دول الخليج العربي باستثناء سلطنة عمان وبمشاركة كل من مصر والأردن والمغرب والسودان وباكستان), وبتأييد ومساندة كبير من قبل دول عربية وإقليمية ودولية, تأتي كتراكم طبيعي للمتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط النظام العراقي 2003.

وفي إيجاز يمكن تحديد أهم المتغيرات التي أسفر عنها سقوط النظام العراقي وأثرت على الأمن القومي العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص, أولاً: زيادة التواجد الأجنبي في المنطقة حماية لمصالحها وتأمين خطوط امداد النفط والمحافظة على أمن إسرائيل, ثانياً: انحسار وتراجع الدور العربي وحدوث فراغ سياسي, ثالثاً: بروز قوى إقليمية لسد الفراغ الناجم عن التراجع العربي في المنطقة ممثلاً بالجمهورية الإيرانية والتركية, واشتداد التنافس الإقليمي فيما بينهما للتمدد والنفوذ في المنطقة, رابعاً: تدهور الحالة الأمنية في المنطقة إثر تزايد أعمال العنف من قبل الجماعات الإرهابية, خامساً: تعاظم النزعة والروح والصراع الطائفي والعرقي في الدول العربية, سادساً: سقوط أنظمة سياسية عربية بعد الحركات الاحتجاجية التي سادت المنطقة مطلع عام 2011, سابعاً: ظهور مشاريع التفتيت والتقسيم للوطن العربي المدعومة من قبل أمريكا والدول الغربية, ثامناً: عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في دول ما سمي بالربيع العربي, تاسعاً: تنامي النفوذ الإيراني تجاه المنطقة وذلك من خلال أذرعها المتمثلة بحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والنظام السوري والطائفة الشيعية في العراق, ودعمها المستمر لحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين, ومساندتها للطائفة الشيعية في البحرين, وتنامي خطر برنامجها النووي والذي بات يشكل تهديد لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام, عاشراً: صعود وبروز حركة الإخوان المسلمين بعد ما سمي بالربيع العربي ومن ثم سقوط تجربتها وفشلها, الحادي عشر: تراجع ملحوظ في أسعار النفط, الثاني عشر: تنامي ظاهرة الجماعات الإرهابية والممثلة بتنظيم داعش والقاعدة, الثالث عشر: استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي وعدم التوصل إلى حل القضية الفلسطينية, وغيرها من النقاط. وفيما يتعلق ببدء عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد الحوثيين, فراجع للأسباب التالية وليست بمعزل عن النقاط السابقة, وهي:

أولاً: تنامي النفوذ الإيراني في اليمن والذي بات يشكل تهديد حقيقي لأمن واستقرار الدول الخليجية, فاليمن تعتبر ذات أهمية استراتيجية لتحكمها في مضيق باب المندب والذي يمثل شريان اقتصادي هام,

ثانياً: الخشية من تمكن الحوثيين وبالتالي إيران من السيطرة على مضيق باب المندب والذي يعني تهديد للعمق الاستراتيجي لدول الخليج العربي وتهديد للملاحة والتجارة,

ثالثاً: تعاظم وتنامي الجماعات الإرهابية في اليمن (القاعدة, الحوثيين), رابعاً: انقلاب الحوثيين على الشرعية السياسية في اليمن وعلى المبادرة الخليجية وسيطرتهم على كافة المؤسسات المدنية والعسكرية. لقد شكلت إيران ومنذ الثورة الإيرانية 1979 مصدر تهديد وخطر للدول العربية وأمنها القومي منذ أن أعلنت أنها ستصدر ثورتها للدول المجاورة, وباتت تستفيد من كل تعثر عربي للتغلغل والنفوذ في المنطقة لتحتل دور إقليمي متقدم, فاستغلت واستثمرت سقوط النظام العراقي واستفادت مما سمي بالربيع العربي وانشغال كل دولة بأوضاعها الداخلية.

وفي الحالة اليمنية تحديداً استغلت إيران نفوذها من خلال الحوثيين منذ الحركة الاحتجاجية عام 2011 ومساندتهم في انقلابهم على الرئيس اليمني, خدمة لمصالحها وأطماعها في اليمن الذي يشكل منطقة استراتيجية لها, من خلال محاولة السيطرة والتحكم في مضيق باب المندب وبالتالي التحكم في مضيق هرمز والنفوذ للبحر الأحمر والوصول للبحر الأبيض المتوسط, وهو ما يعرف بالهلال الشيعي الذي حذر منه الملك الأردني عبدالله الثاني, لتحقيق الهدف الاستراتيجي والأيدلوجي لإيران بنشر المذهب الشيعي لزعزعة استقرار الدول الخليجية التي يشكل الشيعة جزءاً من السكان فيه, ومن هنا كان القرار الحاسم في بدء عملية عاصفة الحزم. لقد استشعر القادة العرب خطورة ما يحيط بهم من تحديات وتهديدات يؤثر على الأمن القومي العربي, ويؤثر على أمن واستقرار واستقلال دولهم ووحدة أراضيها, فتم الاتفاق في القمة العربية الــ26 في جمهورية مصر العربية على تشكيل قوة عربية مشتركة لصيانة وحماية وتعزيز الأمن القومي العربي, في ظل المتغيرات الاستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والنظام الإقليمي العربي, لتكون القوة العربية المشتركة بمثابة صمام أمان للدول العربية, والتدخل المباشر في الدول التي تتعرض لتهديد سواء داخلياً أو خارجياً, في ظل تنامي الجماعات الإرهابية والمخططات الهادفة إلى تفتيت وتقسيم الوطن العربي, وتنامي أطماع بعض الدول الإقليمية وزيادة تدخلها السافر في شؤون الدول الأخرى. أحمد سمير القدرة باحث في شؤون الشرق الأوسط.