كثيراً ما نسمع أن الإنجيل هو كلام الله، ولكن ماذا إذا كان في الحقيقة من عمل الشيطان؟ أشارت العديد من جماعات المهرطقين عبر التاريخ إلى وجود أجزاء كاذبة في الإنجيل، ولكن هناك مخطوطة كبرى نجت من القرون الوسطى، يعتقد البعض أن الشيطان قد كتبها بنفسه.
تحمل تلك المخطوطة اسم مخطوطة غيغاكس (تعني الكتاب الضخم في اللاتينية)، كما تُعرف أيضاً باسم "كتاب الشيطان". توجد المخطوطة حالياً في المكتبة الوطنية السويدية في ستوكهولم، إلا أنها كُتِبت في القرن الثاني عشر في بوهيميا (جمهورية التشيك حالياً)، على الأغلب في دير بودلاجيتسي البندكتي، بحسب تقرير لصحيفة "دايلي بيست".
كتاب عملاق
نُقِلت المخطوطة إلى السويد كغنيمة من حرب الثلاثين عاماً في 1648. ربما تحتاج المخطوطة الكاملة لرجلين بالغين لسرقتها، حيث إن الكتاب يبلغ طوله ما يقارب متراً كاملاً، ويصل وزنه إلى 165 باونداً.
ليس حجم الكتاب فقط هو الشيء غير التقليدي بشأنه، بل محتوياته أيضاً، فبالإضافة للنسخة اللاتينية للإنجيل، يتضمن أيضاً نسخة من كتاب المؤرخ اليهودي يوسيفوس، وتحمل اسم عاديات يهودا، والإيتمولوجيات، وكتاب كتاب إسودورا سيفيل، ومخطوطات طبية قديمة، بالإضافة إلى تاريخ البوهيميين لكوسماس من براغ (عام 1050). هناك عشرة صفحات مفقودة من الكتاب، وعلى الرغم من ذلك، ونظراً لأن جميع الأعمال التي تتضمنها مخطوطة غيغاكس هي أعمال كاملة، يمكن التنبؤ بما تحمله تلك الصفحات العشر. يقول البعض إن تلك الصفحات كانت تحمل نسخة من الصلوات للشيطان، في حين يرى العلماء أنها كانت تحمل قواعد الجماعة الرهبانية التي خرج الكتاب من بينها.
تعرف تلك المخطوطة بإنجيل الشيطان لعدة أسباب. السبب الأول والظاهر لكل من يقرأه وهو مطوية الصفحة رقم 290 من الكتاب (الجهة الخلفية للصفحة رقم 290) وهو صفحة فارغة باستثناء رسم توضيحي بطول نصف متر للشيطان، حيث يظهر فيها بوجه أخضر، بالإضافة إلى مخالب وقرون، في حين يجلس القرفصاء كما لو كان متخذاً وضعية اليوغا.
السبب الثاني في هذه التسمية يعود إلى قصة كتابته. تشير الأسطورة إلى أن الكتاب الضخم هو نتاج عمل راهب واحد حُكِم عليه بالإعدام من خلال وضعه حياً في صندوق مغلق حتى الموت.
وفي محاولة لتأخير أو تعليق عملية إعدامه، تعهد الراهب بأن ينتج في ليلة واحدة مخطوطة من شأنها أن تجلب المجد للدير، وتشير الروايات أن المهمة كانت ضخمة وصعبة للغاية وأنه توجه للشيطان طلباً للمساعدة، فقام الشيطان بإكمال المخطوطة في مقابل روح الراهب، وبسبب امتنانه للشيطان، قام الراهب بالإشارة إلى أن الشيطان هو أمير الظلام.
نجا الراهب بالفعل، ولكنه ندم على ما فعل وتوجه للعذراء مريم طلباً للمساعدة، وقد وافقت على ذلك، إلا أنه مات بعدما كان على شفا التخلص من الاتفاق الشيطاني.
جنون وثراء
تقول الأساطير أيضاً إن أي شخص يملك تلك المخطوطة فسيصبح ثرياً. تشير أيضاً مجموعة من القصص التي تعود إلى القرن التاسع عشر إلى نسخة مروعة من فيلم Night at the Museum حدثت بالفعل في المكتبة الوطنية ومر بها أحد حمالي الكتب بعدما ظل محاصراً لليلة كاملة بعدما نام في الغرفة الرئيسية للمكتبة، وعندما استيقظ وجد أن الكتب تتحرك وترقص حوله، بالإضافة إلى أن ساعة كبيرة محطمة تجمعت وعادت للعمل من جديد.
في الصباح، وُجِد الرجل جالساً تحت إحدى الطاولات في حالة ذعر شديد، قبل أن يقضي ما تبقى من أيامه في أحد الملاجئ.
30 عاماً أو مساعدة شيطانية
الاختبار العلمي على الكتاب أشار إلى أنه يبدو وكأنه من كتابة مؤلف واحد، حيث إن الخط المستخدم ثابت ومنتظم طوال الكتاب. وكما نتوقع، فلم يكتب الكتاب بالتأكيد في ليلة واحدة، حيث أشارت دراسة أعدتها قناة National Geographic إلى أنه في حال قيام شخص واحد بالكتابة على مدار 24 ساعة يومياً (دون مساعدة شيطانية) فسيحتاج إلى خمس سنوات كاملة لكتابته، وبافتراض أن هذا الشخص كان يأكل وينام، فمن المتوقع أن يحتاج إلى 25-30 عاماً لإنجازه.
مصادر قصة الراهب الذي باع روحه للشيطان غير معروفة، إلا أنه تتشابه إلى حد بعيد مع قصة الراهب التائب ثيوفيلوس التي تعود للقرون الوسطى، وهو شماس عاش في القرن السادس، وبمساعدة من أحد محضري الأرواح، تمكن من عقد اتفاق مع الشيطان مكنه من أن يصبح أسقفاً، قبل أن يتوب في وقت لاحق عما فعله، ويطلب عون العذراء مريم، ثم صام لسبع وثلاثين يوماً، إلا أنه مات فرحاً بعدما أُحرِق عقده من الشيطان (ربما مات جوعاً أيضاً).
دكتور فاوست
اشتهرت القصة في فن القرن الوسطى وتحديداً من القرن الحادي عشر وما بعده، كما كانت مصدر إلهام لمسرحية دكتور فاوست الشهيرة. يبدو أيضاً أن ذلك ما حدث مع إنجيل الشيطان، فمقارنة تلك القصة مع مخطوطة غيغاكس هي علامة واضحة على التأثر بها، وهو ما جعل الكثير يقتنع أنها لا بد وأن تكون قد صنعت بمساعدة الشيطان.
لا يتوقف الوحي الشيطاني عند هذا الحد، حيث يشير عدد ضخم من القطع الفنية التي تقول بأن هذا ما حدث أيضاً مع النبي موسى، بالإضافة إلى شائعات أخرى تشير إلى تأثير شيطاني يحيط بالأعمال الفنية الاستثنائية.
على سبيل المثال، في عام 1713، أخبر العازف جيوسيبي تارتيني أحد أصدقائه أنه ألف مقطوعته "زغردة الشيطان Sonata in G minor " بعد حلم رأى فيه أنه يعقد ميثاقاً مع الشيطان.
في ذلك الحلم، رأى تارتيني أن يعطي آلة الكمان الخاصة به للشيطان بينما قام الشيطان بعزف لحن ما ظل عالقاً في ذهنه، ليستيقظ ويعزف هذا اللحن على آلته ويعطيها اسم "زغردة الشيطان"، وقد كانت المقطوعة المفضلة لتارتيني، وأكد أنها قريبة إلى حد كبير من اللحن الذي سمعه في منامه.
من هم حلفاؤه الجدد
ويظن البعض أيضاً أن الشيطان ما زال يلعب تلك اللعبة حتى الآن، وحيث إنه اتُهِم فنانون مثل ليدي غاغا ومادونا وبول مكارثي بوجود علاقة شيطانية. ومنذ سنوات قليلة ماضية ظهرت بعض نظريات المؤامرة التي تربط علاقة جاي زي وبيونسيه بالشيطان، حيث يعتقد أن اسم ابنتهم Blue Ivy يشير إلى اسم ابنة الشيطان باللاتينية إذا قرأ بشكل معكوس.