مبادرة السلام العربية، التي هي خطة سياسية للجامعة العربية لكل المنطقة من اجل انهاء الصراع العربي- الاسرائيلي، توجد في الهواء منذ سنوات. ولكنها عادت الى العناوين مؤخرا بشكل كثيف. وقد بدأ الامر بخطاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل أسبوعين، حيث قال: "توجد فرصة حقيقية من اجل التوصل الى اتفاق سلام على أساس مبادرة السلام العربية والمبادرة الفرنسية القادمة على الطريق". واستمر الامر بتصريح رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، هذا الاسبوع، في مراسم أداء اليمين القانونية لوزير الدفاع الجديد افيغدور ليبرمان. فقد قال نتنياهو إن "مبادرة السلام العربية توجد فيها عناصر ايجابية يمكنها أن تساعد على اصلاح المفاوضات البناءة مع الفلسطينيين. نحن على استعداد لاجراء المفاوضات مع العرب من اجل تعديل المبادرة بشكل يعكس التغيرات الدراماتيكية منذ سنة 2002 والحفاظ على الهدف المتفق عليه، دولتان لشعبين". تحولت المبادرة العربية على مدى السنين الى واحدة من مبادرات السلام الاساسية في المنطقة، حيث تمت المصادقة عليها في جميع القمم العربية تقريبا. وقد عملت المبادرة على تقسيم المنطقة مثلما فعل الصراع. فالفلسطينيون والولايات المتحدة واوروبا أعربوا عن تأييدهم للمبادرة. ولكن في اسرائيل لم يتحمسوا لها. فنتنياهو وليبرمان وارئيل شارون وايهود اولمرت عبروا عن خشيتهم من بعض بنود المبادرة التي تتعلق بمشكلة اللاجئين وتحويل شرقي القدس الى عاصمة للدولة الفلسطينية. هل توجد فرصة لهذه المبادرة في الوقت الحالي بعد طرحها مجدداً للنقاش؟ هل توجد لها فرصة في الوضع الراهن؟ وما هو مغزى تصريح نتنياهو الاخير في هذا الشأن؟ البروفيسور ايال زيسر من معهد تاريخ الشرق الاوسط وافريقيا في جامعة تل ابيب قال إن "المبادرة العربية هي اطار واسع جدا. واسرائيل في السابق لم تكن مستعدة للحديث عنها. والآن ايضا ستضطر الى اقتطاع أجزاء واسعة منها. وبشكل عملي فان هذه المبادرة هي نهاية الطريق. من الناحية المبدئية توجد لها فرصة. والسؤال هو هل إسرائيل ستوافق عليها". أوري سفير، مدير عام وزارة الخارجية سابقا، ومن مخططي اتفاق اوسلو قال: "هذه مبادرة جدية. ويجب على اسرائيل اجراء المفاوضات بناءً عليها عندما تنضم السعودية ومصر والفلسطينيون الى المفاوضات، رغم أنني أعتقد أن اسرائيل لن تسير نحو المبادرة في نهاية المطاف، وسيكون فقط لقاء بين بنيامين نتنياهو والرئيس المصري السيسي. في نهاية المطاف، نتنياهو يريد إجراء المفاوضات حول تعديل المبادرة في الوقت الذي يريد فيه العرب اجراء المفاوضات على المبادرة نفسها". الفلسطينيون تحمسوا مبادرة السلام العربية، التي تسمى ايضا المبادرة السعودية، خطط لها وأيدها الصحافي توماس فريدمان من "نيويورك تايمز" في 2002. وقد نشر فريدمان اقتراحا خيالياً للرئيس الأميركي، جورج بوش، على زعماء مصر والسعودية والاردن وسورية. وقد جاء في الاقتراح أن تقوم الدول العربية التابعة للجامعة العربية، والتي يبلغ عددها 22 دولة، بتقديم اقتراح بسيط وواضح على اسرائيل وهو أنه مقابل الانسحاب الاسرائيلي الى حدود 1967 واقامة الدولة الفلسطينية، تقوم الدول العربية الـ 22 بانشاء علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، اضافة الى العلاقات التجارية والضمانات الأمنية. بعد ذلك بأسبوعين أجرى فريدمان مقابلة في الرياض مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد السعودي) الذي أصبح فيما بعد ملكا للسعودية. سأل الامير السعودي الصحافي الأميركي ما اذا كان قد اقتحم مكتبه، لأنه تبين وكأن المقال تم اقتباسه من خطة قام الأمير بوضعها. "كنت أنوي القاء خطاب في مؤتمر الجامعة العربية في بيروت بعد شهر وتقديم المبادرة"، قال الامير السعودي، وقدم تفصيلا للخطة: انسحاب اسرائيل الكامل الى حدود 1967، بما في ذلك شرق القدس، واقامة الدولة الفلسطينية. وفي المقابل تطبيع كامل للعلاقات بين الدول العربية واسرائيل. "الخطاب جاهز ومغلق وموجود في درج مكتبي"، قال، "لكن بعد أن صعّد ارئيل شارون العنف الى مستوى غير مسبوق، فقد غيرت موقفي". في تلك الاثناء كانت قد مرت سنة على الانتفاضة الثانية التي اندلعت بعد زيارة شارون للحرم. ومع ذلك، أبقى ولي العهد السعودي مجالا للأمل. "أريد أن أوضح للاسرائيليين بأن العرب لا يحتقرونهم"، قال في حينه لفريدمان، "العرب فقط يعارضون ما يقوم به قادة اسرائيل ضد الفلسطينيين". كانت أقوال ولي العهد السعودي مفاجئة، لكنها ليست صدفية. فليس فقط أن السعودية أرادت منع التصعيد في الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني بعد مرور سنة على الانتفاضة، بل حاولت ايضا تحسين مكانتها في الغرب. فقد كان 15 "مخربا" من أصل 19 في عمليات "التوأمين" في الولايات المتحدة هم سعوديون. الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص اعتبروا السعودية دولة ارهابية. ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي تقترح فيها السعودية مبادرة للسلام. ففي العام 1981 اقترح الملك فهد بن عبد العزيز انسحاب اسرائيل الى حدود 1967 وتعويض اللاجئين الذين لا يريدون العودة الى بيوتهم واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. في 25 آذار 2002، بعد شهر ونصف على اجراء المقابلة مع الأمير عبد الله في "نيويورك تايمز"، اجتمع وزراء الخارجية العرب في اطار الجامعة العربية، وقاموا باعداد مسودة مبادرة حسب الخطة السعودية. وقد أضافوا اليها بندا مهما هو الموافقة على حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين حسب قرار الامم المتحدة رقم 194. هذا القرار تم اتخاذه في كانون الاول 1948 في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وجاء فيه أن الفلسطينيين الذين يريدون ذلك يمكنهم العودة الى منازلهم. ومن لا يعودون سيتم تعويضهم. ولم يذكر وزراء الخارجية الكلمات الحساسة "حق العودة". في 27 آذار 2002 ألقى ولي العهد السعودي خطابا في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بيروت. فقط 10 دول من اصل 22 أرسلت مبعوثيها للمؤتمر. ياسر عرفات، الرئيس المصري، حسني مبارك، والملك الاردني، عبد الله، لم يصلوا الى القمة. خطاب ولي العهد السعودي كان مقتضبا وقدم فيه خطته – انسحاب اسرائيل الكامل الى حدود 1967، اعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية وعاصمتها شرقي القدس وايجاد حل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين مقابل تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وتحدث ايضا عن السلام الذي يأتي من القلب والعقل، وليس من "تفجير الصواريخ". "حان الوقت لتعيش اسرائيل في سلام"، قال الامير السعودي، "نحن نؤمن بالدفاع الذاتي، ولكننا نؤمن ايضا بالسلام المبني على العدل والمساواة والذي يضع حدا للصراع. اذا كانت حكومة اسرائيل ستترك سياسة القوة وتتبنى السلام الحقيقي فنحن لن نتردد في الموافقة على حق الاسرائيليين في العيش بأمان في المنطقة". الحياة نفسها كانت أقل تفاؤلا. في ذلك المساء، عشية العيد، قتل 30 شخصا في عملية في فندق "بارك" في نتانيا وأصيب 160 شخصا. في اليوم التالي، رغم غليان الدماء، نشرت الجامعة العربية مبادرة السلام الخاصة بها التي استندت الى اقتراحات ولي العهد السعودي. وحسب الاقتراح، تنسحب اسرائيل انسحابا كاملا، بما في ذلك من الجولان وجنوب لبنان، ويتم التوصل الى حل متفق عليه وعادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، استنادا الى قرار 194 لمجلس الامن التابع للامم المتحدة، وأن توافق اسرائيل على اقامة الدولة الفلسطينية في المناطق المحتلة في 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وبذلك يضع العرب نهاية للصراع الاسرائيلي- العربي ويبدأون في اتفاق سلام تنشأ في اطاره علاقات طبيعية مع اسرائيل. مثل خطاب ولي العهد ومسودة الاتفاق لوزراء الخارجية، فان مبادرة السلام العربية كما تم التوقيع عليها في بيروت، لم تذكر كلمات "حق العودة". وحتى اللحظة الاخيرة دارت جدالات في مؤتمر القمة العربية حول بنود المبادرة. عارضت سورية كلمة "تطبيع" وصممت على حق الفلسطينيين في الاستمرار بالكفاح المسلح. وفي نهاية المطاف صوتت دول الجامعة العربية الـ 22 مع مبادرة السلام العربية. وتم اختيار الاردن ومصر من قبل الجامعة للاشراف على العملية والالتقاء مع قادة اسرائيليين واقناعهم بالانضمام الى المبادرة. وبعد ذلك بخمس سنوات في 2007، في مؤتمر القمة في الرياض، عادت الجامعة العربية وصادقت على المبادرة. وتمت المصادقة عليها مرة اخرى في 2012 في مؤتمر الجامعة العربية في بغداد وكذلك في معظم مؤتمرات القمة العربية قبل ذلك. تشجع الفلسطينيون لهذه المبادرة. رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، الذي شارك في مؤتمر الرياض قال إن هذه هي الفرصة الكبرى لحل الازمة في الشرق الاوسط، لكنه أشار الى أن الفلسطينيين يتمسكون بقرار 194 لمجلس الامن التابع للامم المتحدة. وقد طلب أبو مازن من الرئيس الأميركي، براك اوباما، أن يتبنى مبادرة السلام العربية. وفي العام 2008 نشرت السلطة الفلسطينية اعلانا في الصحف الاسرائيلية طالبت الاسرائيليين فيه بتبني المبادرة. ومنذ ذلك الحين يعود أبو مازن بين فينة واخرى ويعلن عن تأييده مبادرة السلام العربية. عارض "الاخوان المسلمون" المبادرة، وبالتحديد الاعتراف باسرائيل وتطبيع العلاقات معها. ترددت "حماس" بين الرفض والموافقة المتحفظة، وقالت إن حق العودة هو عامل اساسي في المبادرة. عبد الله بن عبد العزيز، صاحب المبادرة، أصبح ملكا للسعودية في 2005، وقد توفي قبل سنة. وقد تراجع اهتمامه بشؤون المملكة منذ خمس سنوات بسبب وضعه الصحي المتدهور. الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي توج ملكا بدلا عنه، يهتم بالعلاقة مع اسرائيل في اطار التحالف السني. أنور عشقي، وهو صاحب منصب رفيع المستوى في الجيش السعودي في السابق، ومقرب من العائلة المالكة، قال في مقابلة مع "الجزيرة" إن السعودية ستقوم بفتح سفارة لها في تل ابيب اذا تبنت اسرائيل مبادرة السلام العربية. عن "معاريف