في وداع أم وعد ... أيقونة النضال ربيحة ذياب

357882A
حجم الخط

الكاتب: المحامية فدوى البرغوثي

وقع خبر وفاة الأخت والصديقة ورفيقة الدرب المناضلة والقائدة الكبيرة ربيحة ذياب، أم وعد، كالصاعقة، ولم أصدق ذلك، وكذبت الخبر، واعتبرت ان هنالك التباس للوهلة الأولى، ولكن مع كل الحزن والأسف فان الخبر كان صحيحا،ً وان كنت غير مصدقة حتى اللحظة، فانا ما زلت أشعر ان أم وعد حاضرة في كل التفاصيل، أراها وأتحدث معها وأسمع صوتها العالي دائماً، وإحساسها بقضايا وهموم الناس وآلامهم، أسمعها تناقش وتدافع عن رأيها بكل قوة وعناد.

 

لقد عرفت الصديقة الغالية والمناضلة أم وعد قبل ما يزيد عن 35 عاماً، وكان أول نشاط لها بعد خروجها من السجن، وحضورها حفل زواجنا أنا والقائد الوطني مروان البرغوثي، حيث تعرفت عليها في هذا الحفل لأول مرة، وأصرت ان تغني في المهرجان الوطني، وان تشارك في الدبكة، حيث عقد حفل زواجنا في الشارع الرئيسي في بلدة كوبر بحضور مئات بل آلالاف من الناس، ومنذ ذلك التاريخ لم نفترق والأخت ربيحة ابداً، حيث جمعتنا فلسطين، وفتح، والشبيبة ولجان المرأة، ومقاومة الإحتلال، والعمل السري وشبه السري، والعلني وشبه العلني، وتشرفت بالمشاركة مع أخوات مناضلات في إطار العمل النسوي الفتحاوي الأول.

 

وعندما تحررت الأخت ربيحة من الأسر التحقت فوراً باللجنة القيادية واخترناها رئيساً لهذا الإطار السري، واستمرت علاقتنا وشراكتنا في مسيرة النضال الوطني والإجتماعي والكفاح من أجل حقوق المرأة وحرياتها حتى يومها الأخير، وظلت هذه الصداقة الأخوية مستمرة قوية ومتينة محكومة بالثقة المتبادلة والإيمان المشترك بحقنا المقدس الوطني والقومي والتاريخي والإنساني والديني والأخلاقي في أرض الأباء والأجداد، فلسطين، والإيمان بمقاومة الإستعمار الصهيوني، وبحركة فتح جسر للعبور نحو الحرية والعودة والإستقلال، وبالوحدة الوطنية ضرورة وشرط للإنتصار، وقد عملت معها ما يزيد عن ثلاثة عقود، وكنا نلتقي أكثر من مرة في الأسبوع الواحد، نجتمع ونناقش وننسق العمل وننتقل من مكان لآخر في ربوع فلسطين، نفتتح روضة للاطفال هنا، ومركز لمحو الأمية هناك.

 

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، قبل الإنتفاضة الأولى، حين تأسست الشبيبة بكل أطرها وفروعها، وشملت كل زاوية في البلاد، وأصبحت عشية الإنتفاضة الأولى أكثر منظمة شعبية مناضلة في تاريخ فلسطين، وانخرط في صفوفها عشرات الآلاف من الشابات والمناضلين والمناضلات، والتي لعبت دوراً مركزياً في الإنتفاضة الشعبية الأولى، التحقت الأخت ربيحة بالعمل الوطني وبحركة فتح وهي على مقاعد الدراسة الثانوية، وبرزت ككادر طلابي في جامعة بيت لحم أثناء دراستها، بل ترأست أهم الخلايا الفتحاوية في ظل عمل سري شديد التعقيد، وكانت في قيادة الحركة الطلابية، وتعرضت للإعتقال وقضت أربع سنوات في السجن، وبرزت كقائدة في الحركة الأسيرة، وسرعان ما عدت قائدة ملهمة للأسيرات وأشرفت على التعليم والتعبئة الثورية، وأصبحت لاحقاً رمزا للحركة النسوية في فلسطين مثل الأخت خولة الازرق وغيرها، وقادت ربيحة حتى وفاتها وعلى مدار 32 عاماً إتحاد لجان المرأة للعمل الإجتماعي.

 

ان المناضلة ربيحة ذياب هي نموذج فريد ومتميز من المناضلات الفتحاويات بل وفي الحركة النسوية والوطنية، ولم يقتصر دورها يوماً على النضال الإجتماعي فقط، بل كان في الأساس دوراً وطنياً وتنظيميا،ً فكانت القائدة الفتحاوية المتميزة وفي الصف الأول في قيادة فتح داخل الأراضي الفلسطينية في مطلع الثمانينيات، وعملت في الهيئات القيادية السرية والعلنية، كما ان دورها في الإنتفاضة الأولى يتعدى كل وصف، فقد شاركت في كل شيء تقريباً، وهي بحق وبجدارة واحدة من أبرز رموز الإنتفاضة الأولى بين النساء والرجال، وتقدمت الصفوف في ظروف صعبة، وحملت العتاد والمال والرسائل وتنقلت في الليالي وفي الشتاء والبرد القارس، وعبرت في مسيرتها عن تجربة نضالية سياسية وتنظيمية غنية وثرية.

 

وعندما تم تشكيل قيادة للحركة عام 1991 برئاسة أمير القدس الشهيد فيصل الحسيني من ثمانية عشر عضوا من قيادات فتح، كانت ربيحة المرأة الوحيدة في اللجنة، ليس ممثلاً للمرأة فقط، بل بصفتها القائد المتميز، وعندما قاد وترأس المناضل مروان البرغوثي اللجنة الحركية العليا في عام 1994، بعد عودته الى الوطن، كانت أم وعد واحدة من القيادات البارزة في هذا الإطار، وعملت مع أبو القسام لضم سبع مناضلات أخريات من زميلاتها، مما جعل اللجنة الحركية العليا إطاراً أكثر تمثيلاً للنساء في حركة فتح، بل في كل هيئات الحركة عبر تاريخها منذ عام 1965 حتى الآن.

 

وبعد أوسلو انتخبت أم وعد بأعلى الأصوات عضو لجنة اقليم رام الله، عندما عقد المؤتمر عام 1994 ، ثم أصبحت وكيل مساعد في وزارة الرياضة والشباب، ثم وزيرة للمرأة، ونائب في التشريعي، وعضو في المجلس الثوري وفي المركزي والوطني والإستشاري، وعضو الأمانة العامة للإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ورئيسة لإتحاد لجان المرأة للعمل الإجتماعي، إضافة إلى أنها كانت أم مثالية ورائعة لأبنائها الأربعة، وزوجة مثالية كذلك، رغم ظروفها الصعبة في العمل، خاصة ان زوجها هو رفيق دربها المناضل فائق حمدان، الذي دعمها ووقف الى جانبها في كل المراحل والظروف، وقدم مثالاً للزوج والشريك في العملية النضالية، واستطاعت بشكل يثير الإعجاب المزج بين دورها الوطني والفتحاوي والنسوي ودورها في التشريعي والحكومة، إضافة إلى أنها ترأست طاقم شؤون المرأة وكانت عضو في عدد من اللجان.

 

وتمكنت الاخت ام وعد من التوفيق بين كل هذه المسؤوليات إضافة إلى نشاطها الإجتماعي المنقطع النظير، فلا تفوتها مناسبة تحرير أسير أو تأبين أو جنازة شهيد أو فرح لصديق أو مناضل الا وهي في المقدمة، وكنت أتعجب من طاقتها وقدرتها المذهلة، الأمر الذي كان يذكرني دوماً بالنشاط الحيوي والمتميز للمناضل والزوج والصديق والحبيب مروان البرغوثي الذي ربطته علاقة نضالية وأخوية وصداقة متميزة مع المناضلة أم وعد، التي احترمها دوماً واعتبرها واحدة من أبرز وأهم أصدقاءه الأوفياء، ووقف دائماً إلى جانبها، وهي رفيقة دربه على مدار ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، وعملوا معاً في محطات نضالية صعبة وهامة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.

 

ان المناضلة القائدة الوطنية الكبيرة ربيحة ذياب تنظم إلى قافلة من القادة ومن أعضاء اللجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة التي قادها بجدارة وتميز القائد الوطني مروان البرغوثي، و تنظم إلى هؤلاء القادة الذين قادوا التنظيم في سنوات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، واكتووا بسياط الجلادين، والذين أتعبتهم سنين الإعتقال والقهر والمقاومة والمواجهة، وجميعهم مناضلون سقطوا مبكراً، مثل توفيق البرغوثي (أبو المخلص)، وعماد يعيش (أبو النجيب)، وذياب الشرباتي (أبو خالد)، ومسلم الدودة (أبو كفاح)، وأحمد هزاع (أبو هزاع)، وقدورة موسى ( أبو موسى)، وفائق كنعان (أبو فاروق)، ود. ثابت ثابت، وزياد أبو عين، وحسنية داوود، ونهى عبد الله، وعناية الكايد، وقبلهم الشهداء والقادة وغيرهم الكثيرون.

 

ان الغياب الجسدي لأم وعد هو خسارة فادحة لأسرتها وصديقاتها ولحركة فتح وللحركة النسوية وللقضية الفلسطينية، وأنا شخصياً أشعر أنني فقدت والدتي مرة أخرى، وفقدت صديقة ورفيقة درب وأخت، وهي من اهم ما رافقت في حياتي ومن أحب الناس، لكن الحبيبة أم وعد ستظل خالدة فينا بأرثها النضالي، وانتمائها الصادق لفلسطين، وكفاحها العنيد من أجل إنصاف المرأة ومساواتها التامة مع الرجل، ونحن أخوات ربيحة سنواصل النضال وسنحمل الراية وسنحافظ على هذا الأرث العظيم لواحدة من أهم رموز فلسطين الخالدات، وستبقى ربيحة حاضرة في عقولنا وقلوبنا والأهم في سلوكنا، حاضرة بفكرها ومبادئها وتضحياتها وشجاعتها النادرة، وقد تضاعفت الخسارة ومشاعر الألم والحزن بوفاة الأخت والصديقة المناضلة نهى عبد الله القائدة النسوية والمؤسسة في إتحاد لجان المراة للعمل الإجتماعي، والتي فضلت في معظم محظات حياتها العمل في الظل إلى جانب أم وعد، وأنا على ثقة ان أخوات وصديقات ربيحة ونهى وحسنية داود وعناية الكايد سيواصلن المشوار في الحفاظ على الإطار النسوي وهو إتحاد لجان المرأة للعمل الإجتماعي، وسيحافظن على هذا الأرث النضالي الكبير، الذي قام بدور وطني متميز في كل المحطات طوال العقود الماضية، وسيواصل هذا الإطار دوره الوطني والنسوي على هدى المناضلة الوطنية الكبيرة ربيحة ذياب.