سأعتذر للقارئ عن استخدام بعض التوصيفات الطائفية، ليس اقتناعا بها؛ بل لضرورات التوضيح..
في الشهر الماضي، في قرية «الكرمة» شرقي الفلوجة، نحرت عصائب أهل الحق (الشيعية) 17عراقياً (سنياً) بتهمة الانتماء لداعش. وفي نفس الشهر في قرية «الكرم» في محافطة المنيا بصعيد مصر، هاجم مئات المسلحين بيوتا لمواطنين (أقباط) فأحرقوا سبعة منها، بعد سلبها وتحطيم محتوياتها، ثم اعتدوا على مواطنة مسنة (قبطية) تدعى «سعاد ثابت» (70 عامًا)، وقاموا بتعريتها كليا من ملابسها، وخرجوا بها إلى الشارع، وهزئوا بها هاتفين ومشهّرين بها أمام الأهالي، بيد أن بعض الجيران المسلمين قاموا بالدفاع عنها، وخلّصوها من أيدي المعتدين الذين همّوا بقتلها، فأدخلوها منزلهم، وستروها ببعض الملابس، إلا أن المهاجمين حاولوا إخراجها أكثر من مرة. وسبب المشكلة شائعة عن علاقة عاطفية بين شاب مسيحي (هو ابن السيدة المسنة) وفتاة مسلمة.
وفي مصر أيضا، وقبل نحو خمس سنوات برزت فتنة طائفية عرفت حينها بقضية «كاميليا وأخواتها»؛ وهما فتاتان قيل أنهما دخلتا الإسلام، وأن الكنيسة تحتجزهما، فهددت جماعات سلفية حينها بقتل الأقباط كافة، ما لم يتم تسليمهم السيدتين، وقد خرجت مظاهرة حاشدة ضد الكنيسة أمام مسجد النور بالعباسية، وأخرى أمام مسجد الفتح بميدان رمسيس، وثالثة في الإسكندرية بمسجد القائد إبراهيم، ورابعة أمام مسجد بن العاص بالقاهرة شارك فيها أكثر من 30 ألف شخص، إلى جانب عشرات المظاهرات الحاشدة في محافظات المنيا والصعيد، وفي المقابل ألّب رجال الدين المسيحي جماهيرهم ونظموا مظاهرات حاشدة أكدوا فيها أن السيدتين أُجبرتا على الدخول في الدين الإسلامي.
ولم يقتصر الأمر على المظاهرات والتهديدات؛ فقد اندلعت أعمال عنف داخلية في مناطق الاحتكاك بين المسلمين والمسيحيين في عدد من الأحياء المصرية، ثم خرجت دائرة العنف حتى وصلت العراق؛ حيث قام تنظيم «القاعدة» باقتحام إحدى كنائس بغداد وقتل أكثر من 50 مصلياً، كما توعد هذا التنظيم بهجمات أخرى ما لم تقم الكنيسة القبطية بإطلاق سراحهما. ثم قامت داعش في وقت لاحق في ليبيا باختطاف 21 عاملا مصريا وجميعهم من الأقباط، ثم ذبحتهم بدم بارد، وقالت «إن هذا ثأر المسلمين لكاميليا وأخواتها».
وفي مصر أيضا، في عهد الرئيس «مرسي» حاصر مئات المواطنين الغاضبين بقرية «أبو مسلم» في محافظة الجيزة، منزلا مملوكا لشخص يدعى «حسن شحاتة»، واعتدوا عليه وقتلوه مع أربعة أشخاص، وأصابوا خمسة آخرين بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي.
ومثل هذه المشاهد المريعة لا تنحصر فقط في مصر والعراق؛ بل في أغلب البلدان العربية تقريبا، ويمكن لأي مهتم أن يتصفح قناة اليوتيوب، ليشاهد مئات الأفلام المرعبة منها؛ مثلا، في فيلم قصير تظهر قوات الحشد الشعبي تعدم طفلا في الرمادي، وهي تصيح «يا زينب»، وفي فيلم آخر جنود عراقيون يجبرون معتقلين من الفلوجة على سبّ الخليفة «عمر بن الخطاب»، أثناء تعذيبهم بطريقة وحشية، وفي فيلم آخر مسلحين من داعش يعذبون جنودا عراقيين ثم يقتلوهم وهم يهتفون «هذا ثأر للسيدة عائشة»، وفي فيلم آخر جنود سوريون يعذبون مواطنين ويسمعونهم شتائم نابية بحق رموز إسلامية (سنية)، ومسلحون من جبهة النصرة يعدمون مواطنين سوريين بتهمة الانتماء للطائفة الدرزية.. وهذه مجرد أمثلة من بين آلاف القصص الشبيهة، الرابط بينها هو التحريض الطائفي، والتحريض على كراهية الآخر، وشيطنته، وتجريده من إنسانيته.
وهذه الكراهية تتفاقم وتفعل أفاعيلها عندما تكون كراهية جماعية، وتكتسب قوتها أكثر عندما تصبح «كراهية مقدسة»؛ أي الكراهية المدعَّمة بالنصوص المقدسة وبتحريض رجال الدين. فعندما تكون العاطفة جماعية تكتسب الطاقة الجماعية (سواء كانت سلبية أم إيجابية)؛ أي تلك الطاقة المضاعفة التي يكتسبها الفرد من خلال تواجده في إطار الجماعة، والتي ستصبح مثل العدوى. وعندما تكون كراهية مقدسة لن يسأل أي فرد نفسه عمّا اقترفت يداه، ولن يؤنبه ضميره على أي فعل، بل ربما يدعوه المحرض لمزيد من العنف والكراهية، وسيجد نفسه طائعا له، وبدون تفكير. وهذا ما يُعرف بثقافة القطيع.
هذه الكراهية للآخرين هي الوجه الثاني لتمجيد الذات وتفخيمها والادعاء باحتكار الصواب، واحتكار العلاقة مع الله، وهي التي تفسر لنا كيف يُقدم أناسٌ طيبون فقراء على مهاجمة أناسٍ أشدَّ منهم فقراً.. ولماذا يقترف القتلة جرائمهم بدم بارد، ويقطعون رؤوس خصومهم وهم يهلّلون ويكبّرون.. إنها الكراهية المقدسة التي طغت على الإنسانية وألغتها، وأطلقت بدلا منها الأحقاد الدفينة.
في حادثة المسنّة القبطية، وصل التحريض الطائفي حداً فاق التوحش، وخلا من كل إنسانية، حيث تجرد المعتدون من أي أخلاق، وأرتدّوا إلى ما قبل الجاهلية؛ فحتى «أبو جهل» كانت لديه أخلاق، وحين اقترح أحد الشبان أن يتسوروا البيت ليقتلوا النبي ليلة الهجرة، رد عليه بقوة: خسئت وخاب رأيك، أتريد لنا أن نكشف عورات بناتنا ونسائنا؟.
وبالتأكيد؛ حوادث القتل والإعدامات والتفجيرات العشوائية لا تقل خِسّـةً وإجراما؛ فالعنف وانتهاك آدمية الإنسام مدانة مهما كان مبررها ودافعها.. والفاعل مجرم وطائفي مهما كانت شعاراته جميلة وبراقة.. لأن الطائفية بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية..
التحريض الطائفي ينطلق أساسا من اعتقاد بأنه لا يمكن أن نكون أعزاء إلا إذا أذلينا الآخرين؛ أي أن كل طائفة ستسعى للقضاء على الطائفة الأخرى.. والمؤسف والخطير أن المواطن العادي الذي يعتقد أنه محصن ضد الطائفية، يتأثر بتلك الأحداث من منطلق طائفي دون أن ينتبه؛ فبدلا من أن يحزن على الضحايا بوصفهم أناسا ومواطنين، سيحزن عليهم إذا كانوا من أتباع طائفته فقط.. أما إذا كانوا من طوائف أخرى فلا بأس!!
بمعنى أن الكل يتبرأ من الطائفية ويلعنها، ويتهم بها خصومه، في الوقت الذي هو غارق بها حتى أذنيه، في البداية يمارسها بطريقة غير مباشرة وعن غير قصد، ثم بطريقة واضحة.. حتى في البلدان التي لا تشهد أحداثا طائفية، تجد المواطنين يتابعون الأخبار بعقلية طائفية، وفقا للمسطرة الطائفية؛ فينفعلون ويحرضون كما لو أنهم يستدرجون الطائفية إلى بلدانهم، ويستحضرون نارها وشرورها بكل غباء.
في الشهر الماضي، في قرية «الكرمة» شرقي الفلوجة، نحرت عصائب أهل الحق (الشيعية) 17عراقياً (سنياً) بتهمة الانتماء لداعش. وفي نفس الشهر في قرية «الكرم» في محافطة المنيا بصعيد مصر، هاجم مئات المسلحين بيوتا لمواطنين (أقباط) فأحرقوا سبعة منها، بعد سلبها وتحطيم محتوياتها، ثم اعتدوا على مواطنة مسنة (قبطية) تدعى «سعاد ثابت» (70 عامًا)، وقاموا بتعريتها كليا من ملابسها، وخرجوا بها إلى الشارع، وهزئوا بها هاتفين ومشهّرين بها أمام الأهالي، بيد أن بعض الجيران المسلمين قاموا بالدفاع عنها، وخلّصوها من أيدي المعتدين الذين همّوا بقتلها، فأدخلوها منزلهم، وستروها ببعض الملابس، إلا أن المهاجمين حاولوا إخراجها أكثر من مرة. وسبب المشكلة شائعة عن علاقة عاطفية بين شاب مسيحي (هو ابن السيدة المسنة) وفتاة مسلمة.
وفي مصر أيضا، وقبل نحو خمس سنوات برزت فتنة طائفية عرفت حينها بقضية «كاميليا وأخواتها»؛ وهما فتاتان قيل أنهما دخلتا الإسلام، وأن الكنيسة تحتجزهما، فهددت جماعات سلفية حينها بقتل الأقباط كافة، ما لم يتم تسليمهم السيدتين، وقد خرجت مظاهرة حاشدة ضد الكنيسة أمام مسجد النور بالعباسية، وأخرى أمام مسجد الفتح بميدان رمسيس، وثالثة في الإسكندرية بمسجد القائد إبراهيم، ورابعة أمام مسجد بن العاص بالقاهرة شارك فيها أكثر من 30 ألف شخص، إلى جانب عشرات المظاهرات الحاشدة في محافظات المنيا والصعيد، وفي المقابل ألّب رجال الدين المسيحي جماهيرهم ونظموا مظاهرات حاشدة أكدوا فيها أن السيدتين أُجبرتا على الدخول في الدين الإسلامي.
ولم يقتصر الأمر على المظاهرات والتهديدات؛ فقد اندلعت أعمال عنف داخلية في مناطق الاحتكاك بين المسلمين والمسيحيين في عدد من الأحياء المصرية، ثم خرجت دائرة العنف حتى وصلت العراق؛ حيث قام تنظيم «القاعدة» باقتحام إحدى كنائس بغداد وقتل أكثر من 50 مصلياً، كما توعد هذا التنظيم بهجمات أخرى ما لم تقم الكنيسة القبطية بإطلاق سراحهما. ثم قامت داعش في وقت لاحق في ليبيا باختطاف 21 عاملا مصريا وجميعهم من الأقباط، ثم ذبحتهم بدم بارد، وقالت «إن هذا ثأر المسلمين لكاميليا وأخواتها».
وفي مصر أيضا، في عهد الرئيس «مرسي» حاصر مئات المواطنين الغاضبين بقرية «أبو مسلم» في محافظة الجيزة، منزلا مملوكا لشخص يدعى «حسن شحاتة»، واعتدوا عليه وقتلوه مع أربعة أشخاص، وأصابوا خمسة آخرين بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي.
ومثل هذه المشاهد المريعة لا تنحصر فقط في مصر والعراق؛ بل في أغلب البلدان العربية تقريبا، ويمكن لأي مهتم أن يتصفح قناة اليوتيوب، ليشاهد مئات الأفلام المرعبة منها؛ مثلا، في فيلم قصير تظهر قوات الحشد الشعبي تعدم طفلا في الرمادي، وهي تصيح «يا زينب»، وفي فيلم آخر جنود عراقيون يجبرون معتقلين من الفلوجة على سبّ الخليفة «عمر بن الخطاب»، أثناء تعذيبهم بطريقة وحشية، وفي فيلم آخر مسلحين من داعش يعذبون جنودا عراقيين ثم يقتلوهم وهم يهتفون «هذا ثأر للسيدة عائشة»، وفي فيلم آخر جنود سوريون يعذبون مواطنين ويسمعونهم شتائم نابية بحق رموز إسلامية (سنية)، ومسلحون من جبهة النصرة يعدمون مواطنين سوريين بتهمة الانتماء للطائفة الدرزية.. وهذه مجرد أمثلة من بين آلاف القصص الشبيهة، الرابط بينها هو التحريض الطائفي، والتحريض على كراهية الآخر، وشيطنته، وتجريده من إنسانيته.
وهذه الكراهية تتفاقم وتفعل أفاعيلها عندما تكون كراهية جماعية، وتكتسب قوتها أكثر عندما تصبح «كراهية مقدسة»؛ أي الكراهية المدعَّمة بالنصوص المقدسة وبتحريض رجال الدين. فعندما تكون العاطفة جماعية تكتسب الطاقة الجماعية (سواء كانت سلبية أم إيجابية)؛ أي تلك الطاقة المضاعفة التي يكتسبها الفرد من خلال تواجده في إطار الجماعة، والتي ستصبح مثل العدوى. وعندما تكون كراهية مقدسة لن يسأل أي فرد نفسه عمّا اقترفت يداه، ولن يؤنبه ضميره على أي فعل، بل ربما يدعوه المحرض لمزيد من العنف والكراهية، وسيجد نفسه طائعا له، وبدون تفكير. وهذا ما يُعرف بثقافة القطيع.
هذه الكراهية للآخرين هي الوجه الثاني لتمجيد الذات وتفخيمها والادعاء باحتكار الصواب، واحتكار العلاقة مع الله، وهي التي تفسر لنا كيف يُقدم أناسٌ طيبون فقراء على مهاجمة أناسٍ أشدَّ منهم فقراً.. ولماذا يقترف القتلة جرائمهم بدم بارد، ويقطعون رؤوس خصومهم وهم يهلّلون ويكبّرون.. إنها الكراهية المقدسة التي طغت على الإنسانية وألغتها، وأطلقت بدلا منها الأحقاد الدفينة.
في حادثة المسنّة القبطية، وصل التحريض الطائفي حداً فاق التوحش، وخلا من كل إنسانية، حيث تجرد المعتدون من أي أخلاق، وأرتدّوا إلى ما قبل الجاهلية؛ فحتى «أبو جهل» كانت لديه أخلاق، وحين اقترح أحد الشبان أن يتسوروا البيت ليقتلوا النبي ليلة الهجرة، رد عليه بقوة: خسئت وخاب رأيك، أتريد لنا أن نكشف عورات بناتنا ونسائنا؟.
وبالتأكيد؛ حوادث القتل والإعدامات والتفجيرات العشوائية لا تقل خِسّـةً وإجراما؛ فالعنف وانتهاك آدمية الإنسام مدانة مهما كان مبررها ودافعها.. والفاعل مجرم وطائفي مهما كانت شعاراته جميلة وبراقة.. لأن الطائفية بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية..
التحريض الطائفي ينطلق أساسا من اعتقاد بأنه لا يمكن أن نكون أعزاء إلا إذا أذلينا الآخرين؛ أي أن كل طائفة ستسعى للقضاء على الطائفة الأخرى.. والمؤسف والخطير أن المواطن العادي الذي يعتقد أنه محصن ضد الطائفية، يتأثر بتلك الأحداث من منطلق طائفي دون أن ينتبه؛ فبدلا من أن يحزن على الضحايا بوصفهم أناسا ومواطنين، سيحزن عليهم إذا كانوا من أتباع طائفته فقط.. أما إذا كانوا من طوائف أخرى فلا بأس!!
بمعنى أن الكل يتبرأ من الطائفية ويلعنها، ويتهم بها خصومه، في الوقت الذي هو غارق بها حتى أذنيه، في البداية يمارسها بطريقة غير مباشرة وعن غير قصد، ثم بطريقة واضحة.. حتى في البلدان التي لا تشهد أحداثا طائفية، تجد المواطنين يتابعون الأخبار بعقلية طائفية، وفقا للمسطرة الطائفية؛ فينفعلون ويحرضون كما لو أنهم يستدرجون الطائفية إلى بلدانهم، ويستحضرون نارها وشرورها بكل غباء.