حضانة الأولاد : مأساة تصيب الثلاثة: الأم والأب والأولاد

1464697821.535026.inarticleLarge
حجم الخط

ما من خلاف يدبّ بين الزوج والزوجة إلا ويكون الأبناء ضحيته، سواء على الصعيد النفسي أو الجسدي، لأنهم يتأثرون بكل ما يدور حولهم من مشاكل، ليس هذا وحسب، بل يتحولون إلى حق يتنازع عليه كلا الطرفين في حال قرّرا الانفصال... الأم تريد حضانة أولادها وبقاءهم إلى جانبها أطول مدة ممكنة، والأب يحاول أيضاً وبشتى الوسائل أخذهم من حضن والدتهم قبل أن يسمح له القانون والشرع بذلك.


الحضانة قضية شائكة تؤذي أيضاً الأبوين وهي قابلة للجدل رغم وجود نصوص قانونية صريحة تنظمها، فالمحاكم القانونية والشرعية، على اختلافها، تعطي المرأة الحق في حضانة أولادها في صغرهم، وتمنح الأب حق الرؤية والمتابعة والرعاية. ورغم ذلك، يقع الخلاف بين الزوجين ويحاول كل منهما أخذ أولاده ومنع الطرف الآخر من المشاركة في تربيتهم أو حتى رؤيتهم، مستخدماً في ذلك وسائله الخاصة التي تجعل القانون في صفّه، وكأن هؤلاء الأطفال ملكية خاصة لا يحق لأحد الاقتراب منهم، متناسياً حق الأولاد في العيش في كنف عائلة يرعاها الأب والأم معاً.  تشهد المحاكم الشرعية والقانونية في لبنان خلافات كبيرة حول حضانة الأهل لأولادهم، ويؤدي بعضها إلى أخذ أو (قل خطف) أحد الطرفين للأولاد،  والنأي بهم الى مكان بعيد عن الطرف الآخر حتى لا يتم تنفيذ الحكم الشرعي أو القضائي في حقهم. هذه الحالات تكثر بين الأزواج والزوجات ذوي الجنسيات المختلطة، وأيضاً بين اللبنانيين واللبنانيات الحاملين جنسيات أخرى. لكن، لماذا يختلف الاهل على حضانة أبنائهم؟ وما الذي يدفع أحد الطرفين للجوء إلى وسائل الخطف؟ وكيف يعيش الطرف الآخر تلك اللحظات المأسوية بعيداً عن أولاده؟ «لها» التقت علي الأمين الذي تعرض طفلاه منذ أسابيع لعملية خطف من زوجته الاسترالية الجنسية، كما التقت محاميَي الطرفين، الأستاذين حسين برجاوي وغسان مغبغب، وقابلت أيضاً السيد ميلاد سلوم الذي يعيش منذ سنوات عدّة مأساة فراق ابنه عنه...

فريق أجنبي يخطف طفلَيّ علي الأمين
فوجئ اللبنانيون منذ أسابيع عدة بخبر خطف طفلين من آل الأمين من أمام منزلهما الكائن في منطقة الحدث، وعلى مرأى ومسمع السكان والمارة، إذ أقدم مجهولون بقوة السلاح على انتزاع الطفلين، نوح وشقيقته لاهايا علي الأمين، من بين يدي جدّتهما أثناء توجههم الى المدرسة صباحاً، وقد تعرّضت الجدّة وعاملة المنزل التي كانت برفقتها للضرب من جانب الخاطفين، ليتبيّن لاحقاً أن أسباب الخطف عائلية، وأن أم الطفلين الأوسترالية تقف وراء العملية.
عملية الخطف هذه أثارت حالة من القلق والارباك لدى أهل الطفلين، وخصوصاً الجدّة التي تعرضت للضرب خلال تنفيذ العملية، والأب الذي ظن في البداية أن طرفاً ثالثاً غير زوجته قد نفذ العملية بهدف الحصول على فدية مالية أو ما شابه... يقول علي الأمين: «عندما بُلّغت بحادثة الخطف، خفت وقلقت كثيراً، خصوصاً أنني كنت بعيداً عن مكان الحادث، فقد تم استدراجي وخداعي عبر سيناريو مفبرك من جانب الجهة الخاطفة، فليلة الخطف تم إرسال «إيميل» عمل يخبرونني فيه بأن أشخاصاً يريدون تعلّم ركوب الأمواج، ويحتاجون الى شخص يتحدث الإنكليزية، وطلبوني شخصياً، فذهبت صباحاً من دون أن أعير الأمر أي اهتمام. لم أشكك بزوجتي أبداً، وظننت للوهلة الأولى أن طرفاً ثالثاً قد دخل على الخط وخطف ولديّ بهدف الحصول على فدية مالية. ارتبكت حينها ولم أعد أعرف في أي اتجاه أسير... حاولت الاتصال بزوجتي لكنها لم تُجب، واتصلت من ثم بالسفارة الاسترالية فأكدوا لي عدم تمكّنهم من اعطائي أي جواب، عندها بدأت أشكك في الأمر وأمسكت بطرف الخيط وشعرت ببعض الطمأنينة، فأن تكون الأم هي الخاطفة أفضل بكثير من وجود عصابة إرهابية. وبعد ساعة من عملية الخطف، اتصلت بي زوجتي من هاتفها البريطاني وأخبرتني بأن الطفلين معها، لتتكشف بعدها الحقيقة، خصوصاً أن القوى الامنية كانت متجاوبة معنا، واستطاعت في غضون ساعات تحديد مكان الخاطفين وإلقاء القبض عليهم وإعادة الولدين إلي».

أسباب الخطف
وفي الاستفسار عن أسباب الخطف والدوافع المؤدية اليه، يروي لنا الأمين قصته مع زوجته الأسترالية سالي آن مولكز قائلاً: «تعرفت إلى سالي في دبي حيث كنت أعمل، وأحببنا بعضنا وتزوجنا، هي استرالية الأصل وأنا لبناني أحمل الجنسية الأميركية. لم أتزوج سالي لغايات شخصية، ولم أكن أطمع في جنسيتها أو مالها كما تردد في بعض وسائل الإعلام، بل تزوجتها لأنني أحببتها. كوّنت معها عائلة جميلة ورُزقنا بطفلة في دبي وعدنا إلى لبنان، وأسّست شركة تُعنى ببيع القطع البحرية، وبعدها رُزقنا بنوح، ولما كانت زوجتي تحب أن تُنجب في بلدها ووسط أهلها، كنت أدعها تسافر إلى استراليا لتضع مولودها هناك ثم تعود. لكن في عام 2013، وبعدما ساءت الأحوال الأمنية في لبنان، وبدأت سلسلة التفجيرات، قررنا السفر إلى استراليا لتمضية فترة نهاية السنة هناك، على أن تسبقني هي وألحق بها بعد ثلاثة أشهر ونعود بعدها معاً إلى لبنان. كنت أنوي إبعادهم عن الأجواء الأمنية المتوترة في البلد، وبالفعل سافرت الى استراليا مع مطلع السنة الجديدة، لكنني كنت قد تأخرت على سالي قليلاً بسبب ظروف عملي. ولدى وصولي، بدأت المشاكل والخلافات بيننا، ولاحظت أن طباعها قد تغيرت، وطلبت مني أن تبقى هي والولدين في أستراليا، وأنني عندما أريد رؤيتهما، عليّ المجيء اليهما. وافقت على طلبها، ولكي أحافظ على عائلتي، تركت لبنان وحاولت البحث عن عمل في استراليا لأبقى إلى جانبهم، ولكنني واجهت صعوبات كثيرة، أبرزها شروط الاستحصال على إجازة عمل. أمضيت فترة هناك من دون أن أوفّق في أي وظيفة». بدأ المال الذي في حوزة علي بالنفاد، ولم يكن أمامه سوى العودة إلى لبنان، حيث مستقبل عمله أفضل بكثير، وخصوصاً في موسم الصيف. لكن وبعد عودته إلى لبنان، تفاقمت المشاكل بينه وبين زوجته وبدأت تطالبه بالانفصال. يوضح علي: «لم أكن أفهم ما يحدث بيننا، فقد كنا متحّابين ومتفقين، ولكن فجأة انقلبت الأمور وغزَت المشاكل حياتنا، وكانت والدتها تنصحني بالطلاق وتقول لي «لا توجّع راسك»، وأنا أتمسك بالعائلة من أجل الطفلين. وعندما عدت إلى استراليا للمرة الثانية، وكنت أنوي الاستقرار هناك، لاحظت أموراً غريبة، واكتشفت وجود شخص آخر في حياة زوجتي. عندها شعرت بأن هيكل العائلة قد تهدّم... كانت حاملاً منه وأجبرتها على الإجهاض، لم أكن أريد خسارة عائلتي، وحاولت تدارك الأمر من دون أن أصل إلى نتيجة. كانت سالي تصر على الطلاق وتريد المباشرة بمعاملاته... فوافقت على طلبها وحاولت إيجاد حل، ولكنها اتصلت بي وقالت «نوح يريد البقاء معي»، فأجبتها بأنه صغير ولا يستطيع اتخاذ قرار بمفرده، ولا بد من أن يعيش الشقيقان معاً، إما معي أو معها، فلا يجوز الفصل بينهما. عندها طلبت مني أن آخذهما معي إلى لبنان لقضاء فترة الصيف فيه، وقالت دعنا نجرّب... وتلك كانت أمنيتي، بعدما رأيت تصرفاتها المزعجة وغير المسؤولة، ولم أعد أقوى على التحمّل».

من رعاية الأب الى رعاية الجدَّين
عاد الأمين مع ولديه إلى لبنان، وأبقاهما معه، فيما بقيت الأم في استراليا وأنجبت ولداً ثالثاً من رجل آخر وهي لا تزال على ذمة علي الأمين، وهذا ما دفع الأخير إلى تسجيل زواجه في لبنان، ورفع دعوى حضانة لدى المحكمة الجعفرية، كسب على أثرها الدعوى بحضانة ولديه بسبب عدم أهلية والدتهما لتربيتهما للأسباب الآنفة الذكر، فيما استحصلت هي بعد خمسة أشهر على حكم من المحكمة الاسترالية بحضانتهما أيضاً. يؤكد الأمين أن الطلاق لم يقع بينهما بعد، وأن سالي لا تزال على ذمته، وهي من افتعلت قضية الطلاق لغاية في نفسها... وأنه كان يشعر منذ فترة بأنها تنسّق مع أشخاص من أجل خطف الولدين وإرجاعهما إلى استراليا، ولهذه الأسباب منع الطفلين من التحدث معها، لأنها كانت ترصد تحركاتهما عبر استنطاقهما يومياً حول الأماكن التي يترددان عليها، والوقت الذي يكونان فيه في المنزل، وعرف من خلال بريدها الالكتروني انها تخطط لخطف الولدين، «كنت أراقب بريدها الالكتروني الموجود على «آي باد» ولديّ، وكشفت مخططها... هي تعرف موقع البيت وكيف نعيش، لم أكن أتصور انها ستُقدم على هذه الخطوة، إلا انها نفذتها بدرجة جيد جداً».
يرى الأمين أن زوجته كانت تحرّض ولديه ضده، ولذلك منعها من الكلام معهما، لكنه لم يمانع أن تحضر إلى لبنان لرؤيتهما، وقد أبلغها بموقفه هذا عبر أحد أصدقائهما المشتركين، وكان مستعداً أن يدفع لها ثمن تذكرة السفر الى لبنان... إلا انها كانت تصر على رؤيتهما في استراليا حيث القانون يناصر المرأة في مجمل الاحوال، والمحكمة العائلية تعطيها حق حضانة أولادها مهما كانت ظروفها.
طفلا الأمين يعيشان منذ عودتهما مع جدّيهما من أجل ان يشعرا بالعطف والحنان في جو عائلي، وهما وفق القانون اللبناني يجب أن يبقيا تحت رعاية والدهما. أما في القانون الاسترالي فحضانتهما من حق والدتهما، وهذا الحق كانت قد استحصلت عليه زوجة الأمين، وتحركت بموجبه لاستعادة الطفلين بشتى الوسائل. يقول الأمين: «لقد خالفت سالي القانون الدولي عندما استعانت بشركة خاصة لاستعادة ولديها عبر خطفهما. بالنسبة إليّ، لقد أسقطتُ حقي وتنازلت عن الدعوى الشخصية وأخرجت زوجتي والاستراليين من السجن بكفالة، ولكن القضية لا تزال في يد القضاء لتنفيذ الحق العام».

حسين برجاوي محامي علي الأمين
يشرح الأستاذ حسين برجاوي محامي السيد علي الأمين ملابسات حادثة الخطف وما حصل بعدها بالقول: «لقد تم إلقاء القبض على الفريق الخاطف ووالدة الطفلين، وأُحيلت القضية إلى النيابة العامة، وكان الفريق الخاطف مؤلفاً من شخصين لبنانيين، وخمسة استراليين واثنين بريطانيين، وقد تم التحقيق في القضية، وقبل أن يصدر القرار الظني بهؤلاء الاشخاص، قدّم لهم الأمين طلبات إخلاء سبيل ولم نعارض على الطلب وتنازل السيد علي الأمين عن حقه الشخصي تجاه زوجته والأشخاص الاستراليين في اعتبار أنهم لم يشاركوا مباشرةً في عملية الخطف، وأُخلي سبيل الزوجة والأستراليين بكفالات على أن يحضروا كل المحاكمات. وبالنسبة الى الحضانة، أفادنا برجاوي بأنه لا يحق للزوجة حضانة ولديها وفق قانون الاحوال الشخصية اللبناني، وبناء على قرار المحكمة الجعفرية، بسبب ظروف خاصة ألمّت بها، وخصوصاً أنها أنجبت طفلاً غير شرعي وهي لا تزال على ذمة زوجها. أما القانون الأسترالي فقد أعطاها حق الحضانة رغم كل شيء، لأن عادات مجتمعهم مختلفة عن عادات مجتمعنا... لكن وبما أن السيد علي الامين لبناني الجنسية فسينفذ الحكم اللبناني على ولديه اللبنانيين. ويضيف برجاوي أن هذا التعارض بين الحكمين، أو بين المجتمعين خلّف هذه المأساة ودفعها للجوء الى جهات معينة وشركة خاصة تعمل على إعادة الاولاد الاستراليين إلى أحضان أمهاتهم، وهي نسقت واتفقت وحضرت في السر إلى لبنان لتنفذ عملية الخطف، ولم تأتِ عن حسن نية، وكان من الممكن ان تحصل مشاكل عدة أثناء عملية الخطف، ويتم تبادل لإطلاق النار ويُصاب الولدان، لأن عملية الخطف تمت في منطقة أمنية». وعن الاتفاق النهائي الذي تم بين الزوجين ومصير الولدين بينهما، يقول برجاوي: «علي الامين رجل طيب، وقد اتفق مع زوجته على الطلاق، وسمح لها بالحضور إلى لبنان لرؤية ولديها ساعة تشاء، شرط أن تبلغة مسبقاً بذلك لكي يؤمن لها مكاناً مناسباً لذلك».

دراما تلفزيونية
وقد علمنا من المحامي برجاوي ومن مصادر عدة، أن الزوجة الأسترالية بدأت تسوّق قضيتها أمام الجمعيات التي تُعنى بحقوق المرأة المحرومة من أطفالها، إلى أن تمكنت عبر إحدى الجمعيات من الوصول إلى محطة تلفزيون أسترالية تهتم بمثل هذه القضايا، وشرحت معاناتها بحرمانها من ولديها».
ووفق المصادر، فإن المحطة التلفزيونية «وعدت الأم بالمساعدة لتحقيق غايتها، فاتصلت (المحطة) بالبريطاني آدم وينتغتون الذي كان ضابطاً في شرطة أسكوتلنديارد، وعرضت عليه القضية، فأبدى استعداده لإعادة الطفلين إلى كنف أمهما عبر عملية أمنية معقّدة، لكنه طلب مبلغ 120 ألف دولار أسترالي مقابل إنجاز هذه المهمة. وهنا لم توافق الأم على العرض، لكونها لا تملك المبلغ لتسديده، فما كان من المحطة التلفزيونية إلا أن تعهدت بدفعه، شرط أن ترسل فريقاً إعلامياً يصور عملية خطف الطفلين، فتحقق بذلك سبقاً صحافياً تعرضه على شاشتها بعد إنجاز العملية بنجاح ووصول الفريق مع الأم والطفلين إلى أستراليا».
وبالفعل جرى تحويل المال إلى آدم الذي «طلب من الأم والفريق التلفزيوني السفر إلى لبنان جواً، بينما اصطحب رفيقه ومواطنه البريطاني كريغ مايكل، وانتقلا إلى رومانيا، وهناك استأجرا يختاً بقيادة الروماني سكوزتو بوغدان وقصدا بيروت بحراً، حيث أوقفا اليخت في مرسى لليخوت عائد الى أحد فنادق العاصمة اللبنانية. ومن ثم انتقلوا إلى بلدة الحدث، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث استعانت سالي باللبنانيين محمد حمزة وخالد بربور، اللذين رافقا البريطانيين إلى النقطة التي ينتظر فيها الطفلان حافلة المدرسة، وما إن وصلا مع جدّتهما إلى المكان المقصود، ترجّل آدم وكريغ وخالد بربور من السيارة وسحبوا الطفلين وأقدموا على ضرب الجدّة، بينما كان أعضاء الفريق التلفزيوني والوالدة يصورون الواقعة من مكان قريب، وبعدها انطلقوا جميعاً من الحدث إلى منطقة صبرا في بيروت».
إلا أن قوة من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي رصدت حركة اتصالات الخاطفين، وتمكنت من الإطباق عليهم وتحرير الطفلين، بينما أوقفت المجموعة بكامل أفرادها، وحققت معهم، واعترفوا بكل صراحة بفصول العملية.

غسان مغبغب محامي الدفاع عن الزوجة سالي آن مولكز
بعد لقائنا بمحامي الأمين، كان لا بد لنا من ان نلتقي محامي الزوجة أيضاً للوقوف على مجريات الحادثة والظروف التي أوصلتها إلى التفكير بالخطف، بعدما حصلت على حق حضانة طفليها في بلدها.
لم يرغب الأستاذ غسان مغبغب بدايةً في وصف الحادثة بأنها عملية خطف، لأن الأم في نظره لا تخطف أولادها... ويقول: «ما حدث أن الأم حصلت على حكم بحضانة ولديها صادر عن محكمة أسترالية، والحكم ينص في المادة 16 منه على أنه يمكنها استعادة طفليها بأي وسيلة تراها مناسبة، كما يمكنها الاستعانة بأشخاص عاديين لتحقيق ذلك، ونص الحكم في المادة 15 على حق الأم بالحضانة وضرورة إعادة الولدين إليها فوراً، وإذا لم يتم ذلك، يمكنها استعادتهما عبر الشرطة أو بواسطة أشخاص عاديين. وما حصل أنها استعانت بشركة متخصصة، مهمتها إعادة الأولاد الى أمهاتهم». ويضيف مغبغب: «النيابة العامة اللبنانية، واستناداً الى ما حصل، اعتبرت أن سيادة البلد قد انتُهكت، وأن هؤلاء الاشخاص مجموعة أشرار دخلوا إلى لبنان بهدف خطف الولدين، ومن هذا المبدأ تم إلقاء القبض عليهم وعلى الزوجة المتفقة معهم، وقد أحدثت عملية الخطف ضجة إعلامية، لأنها المرة الأولى التي نشهد فيها عملية استرداد من هذا النوع، علماً أن هذه الشركة التي تسمى «كاري» معترف بها عالمياً ومتعارف على وظيفتها وأهدافها».
ويرى مغبغب أن ما حصل هو نتيجة شبه طبيعية لما حصل مع موكلته سالي بعدما تم حرمانها من ولديها وأخذهما منها بطريقة مدبّرة. فقد أخبرته بأن الامين، والد الطفلين، قد أخذهما منها بعدما اتفق معها على أنه سيبقيهما معه شهراً واحداً في لبنان ومن ثم يعيدهما اليها، ولكنه لم يفِ بوعده وأبقاهما معه، والأنكى أنه منعها من الاتصال بهما، وكانت هي تطالبه، لا بل ترجوه أن يعيدهما إليها أو يدعها تراهما، ولكنه لم يلبِّ طلبها، وهناك حوالى 150 «ايميل» موثقاً منها لم يرد الامين عليها إلا مرة أو اثنتين. ويؤكد مغبغب: «عندما أصبح الولدان في حوزته، أملى شروطه عليها بعدما كان هناك اتفاق خطّي بينهما يفيد بوجوب أن يبقى الولدان مع والدتهما، ويتكفل الوالد بكامل مصاريفهما ولا يأخذهما إلى اي مكان من دون موافقتها... ولكنه أخلّ بالاتفاق وتصرف بشكل مخالف».
يعترف مغبغب بأن موكلته أخطأت عندما استعانت بشركة لاستعادة ولديها، ولكنها في الوقت نفسه مظلومة وحقوقها مهدورة ومحرومة من رؤية ولديها، وأن زوجها هو من أوصلها إلى هذه الحالة. واليوم موقفها ضعيف، خصوصاً بعدما أُدخلت السجن ولم يتم إخراجها منه إلا بعد وضع شروط قاسية عليها، وقد رضخت للأمر الواقع ووقّعت على أمور عدة، فلم يكن في مقدورنا تركها في السجن ريثما تعود الأمور الى مجراها الطبيعي. ويعلّق مغبغب: «لم يتنازل الأمين عن الدعوى من دون مقابل، بل وضع شروطه، وكان اهمها التراجع عن الحكم الصادر في استراليا، والتنازل عن حضانة ولديها مقابل السماح لها برؤيتهما. كما أُبرم اتفاق آخر مع المحطة التلفزيونية، ولم يتم تسهيل الاتفاق الأول إلا بعدما تمت الموافقه على الاتفاق الثاني، وعلى الارجح تم دفع مال كي تسير الأمور جيداً»... موضحاً: «لقد أُخلي سبيل الأم والاشخاص الاستراليين، بعد تنازل الامين عن حقه، ولكن بقي الحق العام وبقي الاشخاص الآخرون في السجن والذين اعتُبروا منفذين فاعلين في القضية».
وعن الحضانة وحق الأم بها، يقول مغبغب إن الأمين استغّل الوضع الذي آلت اليه الأم لكي يحرمها من حضانة طفليها، بعدما سجّل زواجه في لبنان وقدم إلى المحكمة الجعفرية إثباتات ضدها، أهمها انجاب طفل غير شرعي، علماً انه كان قد تركها في استراليا ما يقارب السنة ونصف السنة بمفردها، مما دفعها إلى معاشرة غيره بحكم مجتمع تبيح عاداته ذلك». ويختتم مغبغب حديثة بالقول: «ما من شخص معصوم عن الخطأ، وكل إنسان يتصرف وفق عاداته وتقاليده، وهما اليوم يجريان معاملات الطلاق وستبقى الحضانة من حق علي، على ان تستطيع سالي رؤية ولديها من وقت الى آخر».

ميلاد سلوم وحلم اللقاء بابنه
ميلاد سلوم رجل في العقد الخامس من عمره، تزوج وأنجب وأسّس عائلة، لكن فجأة وعندما فكر بمستقبل هذه العائلة، اختفت من حياته وتركته وحيداً يصارع الشوق والحزن والألم على فراقها.
يروي سلوم قصته مع عائلته وحرمانه منها بالقول: «كنت معاوناً أوّل في قوى الأمن الداخلي ومرتاحاً في عملي، وفي أحد الأيام تعرفت إلى مغتربة لبنانية تعيش في استراليا مع عائلتها خلال زيارة لها إلى لبنان، وهي قريبة والدتي، أحببنا بعضنا وقررنا الزواج. ولما كانت أحوالي المادية ضيقة، اقترحت عليّ عائلتها السكن مع ابنتهم في منزلهم،
أنهم قلّما يأتون إلى لبنان، وقالوا لي يومها «اسكن بقدر ما تشاء». وعندما تزوجنا وأنجبنا طفلاً، بدأوا يتذمرون ويتضايقون من وجودي في منزلهم. كان وضعي المادي مزرياً، ولم أتمكن من استئجار منزل يليق بعائلتي، ولم يكن أمامي سوى حلّين، إما البقاء في لبنان وتحمل المشاكل وتفكك العائلة، أو ترك عملي في قوى الأمن والسفر إلى استراليا مع عائلتي بحثاً عن العيش الكريم، خصوصاً أن زوجتي كانت تحمل الجنسية الاسترالية، ويمكنها تسهيل معاملات سفري وسفر ابني. في البداية، لم توافق زوجتي، وقالت لي إنها ستُقنع عائلتها بإبقائنا في منزلهم... نجحت في مسعاها وبقينا في منزل  اهلها مدة 12 عاماً، وكانت زوجتي خلال هذه الأعوام عصبية المزاج رغم طيبة قلبها، ومع الوقت ازداد توترها وراحت تطالب بالسفر إلى استراليا بتحريض من أهلها، لأن أوضاعنا هنا لا تطاق. وكنت حينها قد اقتربت من سن التقاعد، وفكرت بترك العمل وأخذ تعويضي وشراء منزل نعيش فيه بعيداً من تذمّر أهلها. ولما كانت هي مصرّة على السفر، وافقتها الرأي، وقلت لها نذهب ونعيش جميعاً هناك، فاقترحت عليّ أن تسافر قبلي مع ابننا بهدف تأمين مكان خاص بنا بعيداً عن منزل أهلها، لاستحالة العيش معهم تحت سقف واحد، وقالت لي بالحرف الواحد «دعني أسافر قبلك لكي استأجر منزلاً خاصاً، فهناك من السهل إيجاد منزل، وعندما يصبح كل شيء جاهزاً، تتبعني». لم يكن ميلاد يعلم أن مكيدة تُدبّر له، وأن زوجته تريد التهرب منه وإبعاد ابنه عنه، فوفق قوله لم يكن هناك خلاف جذري بينهما، ورغم عصبيتها كانت طيبة القلب وتحبه.
يقول ميلاد والحسرة تحرق قلبه: «لقد استدرجتني وأدخلتني جحيماً لا أعرف كيف أخرج منه، فقد تركت عملي من أجلها، وصدّقتها وأعطيتها الحرية والأمان، وهي أخذت ابني منذ أربع سنوات واختفت. لقد استغنوا عني جميعاً، واكتشفت أخيراً أنها اتفقت مع اهلها عليّ... وبعدما أصبحت في استراليا، أقامت دعوى ضدي حتى تمنعني من السفر إليها، تفيد فيها بأنني مجرم وأريد قتلها وابنها وأن حياتها معرّضة للخطر... وبناء على هذه الدعوى، مُنعت من السفر اليها او حتى الاتصال بها. علماً أنني كنت شرطياً وتاريخي يشهد لي، فلدي ميداليات من قوى الامن تشيد بعملي ومناقبيتي، وكنت أحمي الناس عندما كنت في الخدمة، فكيف أهدد اليوم عائلتي بالقتل او أعرّضها للخطر؟».
ويسأل ميلاد: لو كنت حقاً مجرماً، لمَ لم أقتلهم عندما كانوا معي؟ «لقد اتصلت بالسفارة الاسترالية ولم تتجاوب معي، وأرى أنها تعمد إلى تفكيك الاسرة بأسلوبها هذا، لأنها تمنعني من السفر إلى عائلتي. كما لجأت إلى السفارة اللبنانية في استراليا، لكنها لم تفعل شيئاً».
لم يشأ ميلاد رفع دعوى بخطف ابنه ضد زوجته لأنه يريد الحفاظ على رابط الود بينهما، كما يريدها ألا تخاف وتفكر بعدم العودة إلى لبنان، فهو يود استدراجها واستعطافها وجعلها تعود بمفردها لتجمعه بابنه، علماً ان أهلها يقولون لابنه ان والدك مجرم ويريد قتلك ووالدتك. يوضح ميلاد: «من المؤسف أن أظهر بصورة المجرم أمام ابني البالغ من العمر 12 عاماً، وأنا الأب العطوف والحنون والمشتاق الى ابنه وعائلته. لقد لجأت إلى المطرانية لأرفع دعوى حضانة، لكنني فوجئت بأنها أصدرت حكماً بالطلاق بيني وبين زوجتي وتم تنفيذه من دون علمي أو حتى موافقتي. ولما طالبت بابني، كان جوابهم أن من الأفضل له أن يبقى مع والدته في استراليا»... يستغرب ميلاد موقف المحكمة الروحية منه، ويعلل السبب في بعض التدخلات السياسية في القضية. خصوصاً بعدما صدر الحكم المتعلق بحضانة الولد، والذي ينص على أن من الأفضل أن يبقى مع والدته طالما أنها تربيه على الديانة المسيحية، وفي حال حضوره إلى لبنان، يمكن والده رؤيته بواسطة المطرانية.
يعيش ميلاد حالياً وحيداً، وينتظر لقاء ابنه الذي حُرم منه منذ أربع سنوات ويحلم بسماع صوته بعدما منعته عائلة زوجته من الاتصال به والتواصل معه ولو عبر الهاتف. هو يحلم باليوم الذي سيبلغ فيه ابنه سن الرشد ويعود اليه لأنه يحبه ومتعلق به، ويتمنى ان تنتهي مأساته قبل هذا التاريخ بسنوات لأنه لم يعد يطيق الصبر والانتظار.

الحضانة في الشرع
الحضانة هي حق شرعي للحاضنة والمحضون. أما حق الحاضنة فهو واجب تجاه الصغير القاصر كي تحضنه وترعاه وتتابع شؤونه الجسدية والنفسية والاجتماعية. وأما حق المحضون فهو بأن يعيش باطمئنان وبراحة جسد، وأن يتمكن في النمو جسدياً وعقلياً بشكل سليم، وأن يحصل على حاجاته من دون تكبد العناء والمشقات. وأحياناً قد يتنازل الحاضن وهو الأب أو الأم عن حق الحضانة... وله حق الرجوع عن هذا التنازل، والقضاء يوافقه على هذا الرجوع، لأن حق المحضون غير القابل للتنازل متعلق به.

تعديل في السن
إن سن الحضانة المعمول به في المحاكم الشرعية السنّية في لبنان كان  تسع سنوات للبنت وسبع سنوات للولد، وهذا الأمر عدّل بحيث أصبح تسع سنوات للولد و12 عاماً للبنت.

للأمّ حق الحضانة حتى السنتين فقط وفق الطوائف المسيحية
بحسب مطران أبرشية صيدا ودير القمر وقاضي المحكمة الروحية لطائفة الروم الكاثوليك إيلي بشارة حداد، فقد تبيَّن أن الحضانة في القانون تُعطى للأم لغاية السنتين، وبعد هذه الفترة يجوز إعطاؤها للأب وتسمى (حراسة)، لكن الفقرة الأخيرة من القانون 125 للأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية تجيز للقاضي أن يخالف هذا البند بإعطائه (الحراسة) للوالدة في حال اقتضت المصلحة التربوية للطفل وجوده مع الأم. وأيضاً أن انتقال الطفل مفتوح بين سلطة الأب والأم وفق المستجدات، فإذا تزوج أحد الوالدين تُعطى (الحراسة) للشخص العازب، سواء أكانت الأم أم الأب، وكذلك الأمر في حال حصول أي جرم أو تعدٍ على الأولاد، فيحرم من السلطة الوالدية وتنتقل إلى الطرف الآخر.

 المعطيات والأسباب الموجبة التي أدت الى رفع سن الحضانة
من المستحب ألا يقع الطلاق بين الزوجين، ولكن في حال وقوعه تحاول المحاكم التوصل الى أقل الخسائر عبر ضمان حقوق الأطفال. وما تلمسه أن المرأة اصبحت أنضج بكثير وقادرة على إعالة أبنائها، ومن هنا كانت المطالبة برفع سن الحضانة للولد وللبنت معاً (7 سنوات للصبي و9 سنوات للبنت). وعندما وصل المشروع الى لجنة الإدارة والعدل، وجد الوزير السابق النقيب سمير الجسر أن هذا القانون يجب أن ينظر فيه المجلس الشرعي الأعلى وفقاً لقانون تنظيم القضاء الشرعي السنّي والجعفري، والذي ينص على أن القاضي السنّي يصدر حكمه طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة إلا في الأحوال التي نص عليها قانون حقوق العائلة الصادر في 25 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1917، وكذلك نص المرسوم الاشتراعي الرقم 18 في مادته الأولى على أن المسلمين السنّة مستقلون استقلالاً تاماً في شؤونهم الدينية وأوقافهم الخيرية، فهم يتولون أنظمتها وإدارتها بأنفسهم طبقاً لأحكام الشريعة الغرّاء وللقوانين والأنظمة المستمدة منها بواسطة ممثلين من ذوي الكفاءة وأهل الرأي بالطرق المبينة في المواد التالية. وهم الذين يتولون إصدار القرارات المتعلقة بتنظيم الشؤون الدينية. والطائفة الوحيدة التي يحق لها وضع أنظمتها الشرعية هي الطائفة السنّية، وقد عملنا على استصدار قانون رُفع الى مجلس القضاء الشرعي الأعلى بعد إقراره بصيغته المعدّلة، وقد كان للوزير سمير الجسر دور كبير في هذا الموضوع، حيث عارض من خلاله أن تقره لجنة الإدارة والعدل خلافاً للقانون، بل يجب إقراره أمام المجلس الشرعي.
وأجريت تعديلات عدة بإشرافه، وكان لسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ورئيس المحكمة السنّية الشرعية العليا الشيخ عبداللطيف دريان والعديد من قضاة الشرع دور أساسي في إقرار المشروع.
وكان المشروع قد طالب برفع سن الحضانة بالنسبة الى الفتاة والولد حتى انتهاء مرحلة التعليم الابتدائية، أي في عمر 12 أو 13 سنة استناداً الى نص ديني يقول «الى حين استغنائه عن خدمة النساء». ولكن المجلس الشرعي الأعلى أقره على عمر الـ12 سنة، باعتبار أن سن الـ12 لحضانة الصغير والصغيرة تكون قد استوفت غرض الاستغناء عن خدمة النساء، وأعطى حق المبيت يوماً في الأسبوع للوالد أثناء هذه الفترة. ولكنه لم يرفع سن حضانة الفتاة والولد في الحالة التي تتزوج فيها الوالدة، وتنتقل الحضانة الى الجدّة والدة الأم.
وقد بُني هذا المشروع على ضوء معطيات موضوعية اجتماعية وفق دراسات معمقة، ويمكن تجديد هذه المدة حتى سن الـ15 وفقاً لما يراه القاضي من ضرورات، ولكن لا تُفرض النفقة على الوالد أثناء هذه المدة، وما نلمسه أن العديد من الآباء يطالبون بحضانة الأطفال تهرباً من النفقة، وليس من أجل رعايتهم.

ومن الشروط الأساسية أن يكون الحاضن بالغاً عاقلاً مأموناً، وأن يكون قادراً على تنشئة المحضون والمحافظة عليه، أما إذا كانت الحاضنة امرأة فيجب أن تتوافر عندها الشروط التالية:
*أن تكون ذات رحم محرَّم للمحضون إن كان ذكراً.
*أن تكون خالية من زوج غير محرّم للمحضون، إلا إذا قدّر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون.
*أن تمكّن الولي من القيام بموجبات ولايته لجهة الإشراف على تعليم المحضون ورعايته الصحية وتوفير العلاج اللازم له.
أما إذا كان الحاضن رجلاً فيشترط أن يكون ذا رحم محرّم للمحضون إن كان أنثى، وأن يكون قادراً على تربية المحضون والمحافظة عليه بنفسه أو بواسطة غيره.
وتقدم الوزير الجسر باقتراح قانون بتعديل المادة 242 أصول محاكمات شرعية ومذهبية لإضافة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الى مصادر التشريع.