ربيحة ذياب ؛ اسمٌ من شمس البلاد وجبالها ، ووجهٌ من قمح البراري وطين البيارات . نَحَتَ السجن ُ قامتها فجاءت سنبلةً من أغاني المستحيل . جفّفتْ مشيمتَها على صخرة الوادي ، ونشرتها على حِبال الليل في الزنازين الموحشة
فَطَمتْ جنينَها قبل البكاء والحليب ، ورقصت مع دالية القرية المطوّقة.
لم تخلع عروق الجنّة والنار الأنيسة عن ثوبها ، ولم يسمعوا لِذِهَبِ أرْدانها رنينَ الساحرات.
هي سيفٌ من لحم ، وعاصفةٌ كامنةٌ في خطوات الصعود إلى الغيمة ، وهي توزّع البرق على الحقول.
ربيحة ذياب إمرأةالتراب المرنّق بالكرز.. فتنفرط الأبجديّاتُ على لسانها. شرارةُ النار من صناديقها، والماء يَنْدَعُ من حَجَرها، والريح عطر قمصانها. إذا مشت تنهض الغابات من ورائها لأنها روحٌ تّتسع وتنبض ببذورالشغف والأحلام، وتمضي، لتعودَ إلى رَحْمٍ ورديّ آخر، لتكون شاهدةً على الربيع والأعراس الآتية ، بمشيئةِ العائدين إلى أرضهم الأولى.
تجاوزتُ مقولات الانقسام المشبوه، ومفردات البحث عن الذات ، وكل ما اجترحه المتوهّمون للخلاف والاختلاف. هي العائدة من حياة إلى حياة،
لأنّ فلسطين تلتصق مثل النار الريّانة بوجدانها، أو مثل نرجسة الشتاء في فؤادها.
لأنّ فلسطين تلتصق مثل النار الريّانة بوجدانها، أو مثل نرجسة الشتاء في فؤادها.
تورّطت في عشق الجبال ، وانغمستْ في مدن الساحل ، وحملتْ قلبها راكعةً للجليل وهي تستقبل القدس، لتحملالصحراء البريئة مثل الشال الملوّن على عنقها.
لحقها ظُلمٌ فادح، فانفتحتْ كوّةًللشمس والأمل، وكسرتْ الظلمة الغاشمة والويل المحيط عن شقيقاتها.
سنرى ربيحة ذيابتتوالدُ في العصور، كأنهاتدرج على سلالم الزمن، وستكون أكْبرَ في فضاءات الحقب المتوالية .. لأنها قاتلت على غير جبهةٍ ظالمة ، بدءاً من جبهة الاحتلال وصولاً إلى جبهة التمييز في الجنْدر والتباين الاجتماعي.
هي الطاهرة المعافاة الصادقة، التي لم تبلغها لعنةُ الطائشات المتشاوفات، ولم تشملها الأشباح بعباءاتها السوداء الموّارة في هُوّ الغموض.
تبدو امرأة عاديّة إلى حدّ الانكسار.. لكنّ خيول السهوب ترعد في ضلوعها ، وتُخْرِج أفراسَها من مبللّة بالضوء والعسل.
راقصتْ الياسمينة ليلة أخْذ القمرُ ابنها إلى شفق الشروق، ذلك الذي ولدته على درج المعتقل ! وضحكت حتى أبرق الرمّان في رئتيها، يوم زفاف ابنتها وكانت على وسادة الرضا والاكتمال، تلك التي وضعتها في الإقامة الجبرية !!
ربيحة ذياب الفلسطينية ، منذ عناة ، وعلى مدار القرون ، صورةً بهيجة ، تحمل سلالها وصغارها ومنجلها، وتوقد نارها، وتغسل على الضفاف غلالات الستْر، وتنفرد ناضحةً بالزهور لقرن الغزال، وتصحو لتبعث بخار الصباح الفوّاح للماضين إلى الحقول والأبجديات.
لم تتبدّل، بقدر ما أكرهتها الدنيا على ممرّات إجبارية، أو قادتها إلى مسارب أكثر رحابة وإنسانية،وظلّتْ الرؤومَ التي يرمي الصغير والكبير رأسه على صدرها ناشداً الراحة، فتُمسِّد جدائلهم المُتعبة، وهي المُستَنْفَدَة المهلوكة، وتبقى تُحيطهم بظلال الرجوع إلى الرحم الأصل، حنيناً إلى الصورة الأولى.
هي الصموتة التي لم تعترف للقتلة عن الشهداء الذين لا يموتون ، وهي العالية، التي حطّوها ليصلوا إلى ذروة الصفصاف، فتشرب ما نزّ من وجع أو فرح، وتبقى الراسخة التي تحيل الماء المكدّر إلى هتاف يعلو في الشواشي الخافقة.
وهي صحن العسل المالح، والحامض الحلو، المرغوبة المتروكة، المُطْفَأة المشتعلة، واجبة الوجود في كل العصور، التي وأدوها، فقامت كالنبيّ الشاب من موته، والتي ظلموها، ولم ينتبهوا إلى فرادتها وفذاذتها.
لقد رموا السمَّ في بئرها ومياههافأحالته إلى زمزمٍ وسلسبيل.
وعندما نلتقي ربيحة ، الأخت والصديقة ، ندرك أن الجَمالَ هو العقل.. لأنه الأبقى ، أما تلك الشحوم الساطعة فهي كنز الغواني الساذجات . وأنّى لامرأةٍ
واثقة برأتْ من الكراهية، وأشفتْ أخواتها من إبرهنّ المسمومة، المنقوعة بِسمّ الغيرة الجرسيّة .. أن تبلغ كعب أم وعد المتسامحة؟
واثقة برأتْ من الكراهية، وأشفتْ أخواتها من إبرهنّ المسمومة، المنقوعة بِسمّ الغيرة الجرسيّة .. أن تبلغ كعب أم وعد المتسامحة؟
هي شهرزاد فلسطين، وقد عجز الاحتلال عن قتلها.. بل أضاءتْ بدمها ودموعها المشهد من كل جوانبه، و"النصر حليف المتحضّرين".
وربيحة ذياب قطرة الماء السوّاحة بين الوهاد وأهداب الغزالة الناغرة، فتأخذها أحزمة الشمس، لتصعد في لحاء لوزة أو شقيقة من وهج، وتتحوّل وتدور من مكان إلى زمان.. ولا تفنى.
كثيراً ما رأت الجبالَ عويلاً يكدّر انبساط الطبيعة، والأنهارَ ذوْبَ فرح راسخ، والشجرَ حكايات تتبادلها السنوات بين حريق وربيع .. لأنها ابنةُ الطين المُشرّب بالناي والنداء، وصلصالها جَرَسُ الأيل، الذي شربتُ أنفاسَه، فاكتسبتُ حَذَرَهُ وسِعة عينيه وفتوّته، وجسدها نارٌ أبديّة تحوّلت إلى لحمٍ بلون طمي الأنهار، وجسدها برقٌ مسّ الرّعد فأحاله إلى قوام عاصفة! هي ربيحةالتي نفتقدها كما نفتقد الأمهات في الحروب .
وربيحة ذياب قطرة الماء السوّاحة بين الوهاد وأهداب الغزالة الناغرة، فتأخذها أحزمة الشمس، لتصعد في لحاء لوزة أو شقيقة من وهج، وتتحوّل وتدور من مكان إلى زمان.. ولا تفنى.
كثيراً ما رأت الجبالَ عويلاً يكدّر انبساط الطبيعة، والأنهارَ ذوْبَ فرح راسخ، والشجرَ حكايات تتبادلها السنوات بين حريق وربيع .. لأنها ابنةُ الطين المُشرّب بالناي والنداء، وصلصالها جَرَسُ الأيل، الذي شربتُ أنفاسَه، فاكتسبتُ حَذَرَهُ وسِعة عينيه وفتوّته، وجسدها نارٌ أبديّة تحوّلت إلى لحمٍ بلون طمي الأنهار، وجسدها برقٌ مسّ الرّعد فأحاله إلى قوام عاصفة! هي ربيحةالتي نفتقدها كما نفتقد الأمهات في الحروب .
أتوقّف أمام ذكريات لطيفة وسريعة معها ، وأُجلي أيام سيرتها الصعبة ، فأدركأن لها صفحات بيضاء في كتاب عائلتها الفلسطينية الطيبة.
أُحبّ ربيحة أختاً ومناضلةً لأنها أمّ الحريّة، التي لا شرط عليها سوى المزيد منها! ولأنها ابنةُ الشّرف، وملكة أشقائها الشرفاء، والقلعة التي لم يغزُها أحد.
ولا أقول وداعاً يا أمّ وعد .. لأنك لم تموتي تماماً .. فما فتئ حضورك طاغياً ، ومواقفك البطولية تتراءى أمامنا ، ونتعلّمها.. لكني أقول شكرا لأنك كنت وما زلت بيننا ، وشكراً لهذه الأرض التي نقف عليها، أو نجلس معكَ على بساطها.
ولا أقول وداعاً يا أمّ وعد .. لأنك لم تموتي تماماً .. فما فتئ حضورك طاغياً ، ومواقفك البطولية تتراءى أمامنا ، ونتعلّمها.. لكني أقول شكرا لأنك كنت وما زلت بيننا ، وشكراً لهذه الأرض التي نقف عليها، أو نجلس معكَ على بساطها.
وهنيئاً لك الفردوس يا شقيقتي.