الحلف الجديد: لقاء نتنياهو - بوتين هل يؤسس لمسيرة سياسية بوساطة روسيّة؟

20160806085732
حجم الخط
تحدث رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في الأسابيع الاخيرة عدة مرات في موضوع المبادرة العربية وتقدم مسيرة سياسية مع الدول العربية، ما أدى بمحافل في الساحة السياسية الى التفكير بان اقواله الغامضة تستهدف ايضا أذني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يلتقي الرجلان في موسكو، اليوم (أمس)، للمرة الثالثة في السنة الاخيرة، في مناسبة 25 سنة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين اسرائيل وروسيا. وخلافا لزيارتي نتنياهو السابقتين، اللتين كانتا عاجلتين، من المتوقع لنتنياهو هذه المرة ان يبقى في الدولة يومين ونصفاً. وفي البيان الرسمي عن اللقاء كتب أن "نتنياهو سيبحث مع بوتين في تطبيق التفاهمات التي تحققت اثناء زيارة نتنياهو الى موسكو في نيسان الماضي. كما ستبحث مسائل اقليمية، ضمن امور اخرى، في سياق مكافحة الارهاب العالمي الوضع في سورية ومحيطها وافق المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين.
تصريحات نتنياهو، التي سبقت هذا اللقاء، وقعت في محيط خطاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وتوسيع الائتلاف. فبعد الخطاب الاستثنائي للسيسي في ايار الماضي، والذي دعا فيه اسرائيل لاستغلال فرصة المبادرة الفرنسية واقامة سلام مع الفلسطينيين، قال نتنياهو ان "اسرائيل مستعدة للتعاون مع مصر ومع الدول العربية الاخرى في تقدم المسيرة السياسية والاستقرار في المنطقة". وبعد تولي افيغدور ليبرمان منصب وزير الدفاع، الاسبوع الماضي، قال نتنياهو ان "مبادرة السلام العربية تتضمن عناصر ايجابية، يمكنها أن تساعد في ترميم مفاوضات بناءة مع الفلسطينيين. نحن مستعدون لنجري مفاوضات مع الدول العربية على تعديل المبادرة، بشكل يعكس التغييرات الدراماتيكية منذ 2002، والحفاظ على الهدف المتفق عليه في دولتين للشعبين".
ونشرنا يوم الجمعة الماضي في "معاريف" تصريحاً لمحفل سياسي رفيع المستوى قال ان "امكانية أن يحاول نتنياهو ربط الرئيس الروسي بوتين في صالح مسيرة سياسية توجد على جدول الاعمال". فهل مثل هذا السيناريو ممكن حقا؟
تسفي مغين، سفير اسرائيل في موسكو سابقا، وباحث كبير في معهد بحوث الامن القومي اليوم، يعتقد بأن ثمة سيناريو معقولاً يكون فيه بوتين الوسيط في مؤتمر قمة اقليمية تكون بديلا عن مبادرة السلام الفرنسية. ويقول مغين: "لن أتفاجأ إذا ما طرح اقتراح كهذا في اللقاء. فلا يدور الحديث هنا عن قصة حب بين نتنياهو وبوتين، بل عن مصالح مشتركة. كما توجد تلميحات عديدة عن ذلك فضلا عن رسائل نتنياهو. كما توجد أيضا حقيقة بأنه قبل بضعة ايام من لقاء نتنياهو وبوتين في نيسان، وصل ابو مازن الى روسيا. بوتين لم يبعث مندوباً له الى مؤتمر باريس، وهذا ايضا يقول الكثير. روسيا تريد ان تكون لاعبا اقليميا مؤثرا".

"يملأون الفراغ"
في السنة الاخيرة، وعلى خلفية التدخل الروسي في القتال في سورية، تحسنت العلاقات بين إسرائيل وروسيا. وقد تمثلت هذه بتزايد اللقاءات بين الزعيمين، مثلما ايضا في حقيقة انه في شباط الماضي ألغى الرئيس، فلاديمير بوتين، زيارة الى استراليا كي يلتقي بوتين في روسيا.
بعد دخول القوات الروسية الى سورية لمساعدة جيش الأسد ضد الثوار، بدأ تعاون وثيق بين إسرائيل وروسيا. في البداية ادعت اوساط الحكومة بان هذا مجرد تنسيق امني بين الطرفين، ولكن في نيسان الماضي أكد نتنياهو بان قوات الجيش الاسرائيلي تهاجم خلف الحدود "لمنع السلاح عن حزب الله". وقال نتنياهو اثناء مناورة للواء المظليين في الاحتياط في هضبة الجولان ان "داعش وحزب الله خلف الجدران، ونحن نعمل". وفي اثناء الجولة تناول نتنياهو التهديدات في الجبهة واعترف بان اسرائيل تحبط نقل "السلاح محطم التوازن" لـ "حزب الله". وقال في حينه "هذه دولتنا، علينا أن ندافع عنها وأحد لن يدافع عنها غيرنا".
"توجد روسيا في رأس تحالف الاعداء المريرين لإسرائيل، والذي يضم ايران، حزب الله، ميليشيات شيعية وغيرها"، يشرح مغين. "هذا ارتباط غير لطيف، وفي هذا الاطار اسرائيل ملزمة بان تتعاطى مع ذلك. وبالتوازي، هناك اتصالات مع روسيا وتعاون متبادل مع اسرائيل. منظومة العلاقات بين الدولتين بدأت بالمصلحة المشتركة في عدم دوس أي من الجانبين على طرف الاخر. واتفق بين الجانبين على تنسيق العمل وحرية العمل للهجمات الاسرائيلية، والروس يحترمون هذا. روسيا معنية بان تكون اسرائيل حيادية، الا تتدخل في سورية والا تدخل في مواجهات، وهي مستعدة لتدفع لقاء ذلك".
*لماذا ترغب روسيا في التدخل كوسيط في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني؟
"توجد روسيا في ملعب مكتظ وخطير. فهي تقاتل ضد داعش، ولكنها تقاتل ضد الغرب ايضا. تحاول أن تحقق انجازات في المنطقة كي تجري في مرحلة لاحقة "استبدالات" وحل مشاكلها مع الغرب في موضوع اوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وهي تريد فضائل في منطقتنا كي تتقدم في قطاعات اخرى. وعليه فان الوساطة في موضوع النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يمكن ان تناسبها".
*كيف سترد الولايات المتحدة على مثل هذا التدخل؟
"لا تتنازل الولايات المتحدة للروس ولا تلغي العقوبات الاقتصادية بسبب تدخلهم في موضوع اوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وفي سورية ايضا تعاون الولايات المتحدة هو في الحد الادنى من اجل اعطاء انجازات للروس. اما اسرائيل فعالقة في الوسط بين روسيا والولايات المتحدة. هي في مستوى العينين مع روسيا في الاعمال على الارض، في الوقت الذي لا توجد فيه الولايات المتحدة. الوجه الاخر هو ان الروس يغمزون نحو اهداف اخرى مثل التسوية السلمية الاسرائيلية – الفلسطينية، ويرغبون في سرقة العرض من الاوروبيين".
*هل يحتمل وضع تحقق فيه روسيا السلام في المنطقة؟
"الروس يريدون عرض مبادرة. النتيجة ليست مهمة لهم، لا في سورية ولا في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. ويريدون فقط ان يصنفوا أنفسهم كوسطاء وكلاعبين اقليميين مهمين. يريدون دحر الولايات المتحدة الى الخارج كي تشرع معهم في مفاوضات على امور اخرى مثل العقوبات.
النائب مايكل اورن (من "كلنا")، سفير اسرائيل في الولايات المتحدة سابقا، يدعي بان روسيا تملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. ويقول النائب اورن ان "هذه حقائق على الارض لا يمكن التنكر لها. فقد وقع انسحاب أميركي استراتيجي دبلوماسي من المنطقة، بينما يجري ارتفاع واضح لتدخل روسيا دبلوماسيا وعسكريا في المنطقة. فليس رئيس الوزراء نتنياهو وحده يزور بوتين عدة مرات في السنة. الرئيس المصري وزعماء شرق اوسطيون آخرون يزورونه ايضا. اشك في أن نرى تغييرا في هذه السياسة حتى بعد الانتخابات في الولايات المتحدة. لقد اجتاز الأميركيون حروبا منهكة في منطقتنا، وملوا الشرق الاوسط. استثمروا تريليون دولار في العراق ولم يروا سنتا واحدا بالمقابل. اعتقد أن الحديث يدور عن مزاج أكثر منه عن استراتيجية متبلورة. الشعب الأميركي لا يريد التدخل في الشرق الاوسط، وعليه فقد نشأ فراغ دخلت اليه جهات اخرى. المؤتمر الفرنسي هو ايضا جزء من المحاولة لملء هذا الفراغ. بوتين ينجح في ملء الفراغ لانه يضع المال على الطاولة، بمعنى انه يستخدم قدرته العسكرية، بينما يرفض اوباما حاليا أن يستخدم قدراته في سورية".
* هل يمكن القول إن روسيا هي اللاعب الاقليمي الرائد في هذه اللحظة؟
"لقد فقد اوباما ثقة العالم العربي. المصريون لن ينسوا ما فعله لمبارك والقذافي. يوجد هناك صفر ثقة. بالنسبة للمبادرة الاقليمية، لست واثقا مما ينبغي ان يكون عليه دور بوتين، إذ ان لنا علاقات مركبة معه. من المحظور أن ننسى بانه يدعم الاسد، حليف ايران. والسير مع بوتين الى خطوة سياسية هو اعتبار. العالم السني يميل الى النظر في اتجاه موسكو أكثر مما في اتجاه واشنطن".
*في مثل هذه الحالة هل من المتوقع عقوبات من واشنطن؟
"في واشنطن لن يروا هذا بعين الرضى. وسيدعون باننا نتدخل في الانتخابات الأميركية، وهذا سيصبح مسألة هناك. اذا سرنا مع روسيا سيدعي الجمهوريون بان الديمقراطيين فشلوا، واوباما فقد الثقة في الشرق الاوسط، وسنتهم بالتدخل الفظ في السياسة الأميركية. يبدو انه توجد في هذه اللحظة فرصة لخطوة سياسية، والمبادرة الفرنسية لا تساعدنا لا نحن ولا الفلسطينيين، ولنا حق بل واجب العمل حيال هذه المبادرة. ولكن يجب أن نأخذ بالحسبان كل منظومة الاعتبارات المركبة هذه".

"مصالح أم قيم"
"يريد بوتين أن يعيد روسيا الى مكانة الاتحاد السوفييتي ذات مرة، مكانة من ينبغي مراعاته في كل شيء"، يضيف رام بن باراك، نائب رئيس "الموساد" سابقا. "وهو يفعل هذا من اعتبارين: الاول، الروس يريدون أن يكونوا عظماء واقوياء، والثاني، بوتين يريد ان يكون متدخلا في الكثير من الاماكن كي يتاجر بها حيال اماكن اخرى. هذه لعبة عالمية. مثلا، سورية مقابل اوكرانيا. هذا يعطيه قوة.
"في كل مكان يغيب عنه الأميركيون او يتلعثمون، سيكون الروس مكانهم، ويمكن أن نرى هذا بالطبع في سورية وفي افريقيا"، يقول بن باراك. "روسيا تبيع الكثير من السلاح، وعندما يباع السلاح لدول معينة تكون سيطرة على قدرات القتال فيها. فاذا مثلا فرض الأميركيون حظراً على مصر، سيكون هناك سلاح روسي. ولكن من المحظور علينا أن نتشوش. روسيا مهمة لنا لان هذا سوق اقتصادي كبير ومهم، ولكنهم ليسوا الأميركيين. اذا كان الأميركيون يعملون حسب المصالح والقيم معا، فلدى الروس هذا مصالح فقط. نحن القينا بخيارنا على الولايات المتحدة من اليوم الاول كاختيار قيمي".
* برأيك، السير الى خطوة سياسية مع الروس هو خطأ؟
"هذا ليس خطأ بالضرورة، إذا بارك الأميركيون خطوة سياسية باسناد روسي، فيمكن التقدم. يمكن الاعتماد على فيتو أميركي وليس روسياً في مجلس الامن. ولكن من المحظور عمل أي شيء دون مباركة الأميركيين".
مصدر دبلوماسي كبير ايضا يبرد الحماسة بالنسبة لقدرة روسيا على الحلول محل الولايات المتحدة، ويقول : "العلاقات مع روسيا لا تستبدل  الولايات المتحدة. نحن لسنا هناك. حدود الملعب في الموضوع الروسي واضحة لنا. الولايات المتحدة هي في المكان الاول من حيث مراسينا، التي هي المساعدة الامنية والعلاقات الاقتصادية".
*كيف تفسر كثرة اللقاءات مع بوتين؟
"العلاقات بشكل عام تتحسن بالتدريج، ونحن نحيي 25 سنة. ينبغي أن نتذكر انه حتى قبل سورية كانت زيارات مرة أو مرتين في السنة، من عهد ارئيل شارون. هذه ليست ظاهرة جديدة. التراكم الجديد هو بسبب سورية – كانت هناك حاجات ينبغي التأكد من أنها تحصل على الارض. الاحساس هو ان بوتين سيركز على المواضيع الامنية، ولكنه لن يرغب في الدخول الى معمعان النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. لديه مشاكل اخرى في رأسه.