أثارت عملية تل أبيب اهتمامًا خاصًا بسبب توقيتها، حيث نفّذت بعد انحسار الموجة الانتفاضية، ما يعطيها دفعة تثبت أن النار لا تزال تحت الرماد، وأن موجة انتفاضية تأتي إثر أخرى فورًا أو بعد حين، لأن العوامل التي تفجّرها لا تزال قائمة، بل تزايدت. كما أثارت الاهتمام بسبب المكان الذي نفذت فيه في قلب تل أبيب على مقربة من وزارة الحرب، المكان الأكثر أمنًا في إسرائيل.
ونفذت العملية بعد أيام على تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرًا للحرب، وهو المعروف بتطرفه وتهديداته التي جعلت الجميع بانتظار رده على العملية، لأنه لطالما انتقد الحكومات ووزراء الحرب لتقصيرهم في الردود الناجعة القادرة على منع عمليات المقاومة.
وسط الجدل الفلسطيني الدائر، بين الرفض الرسمي ومن بعض النخبة للعملية وبين تأييد الأغلبية الشعبية، والفصائل لها لتغطية عجزها، نلاحظ أن هناك من يتعامل مع الوضع الحالي وكأننا ما زلنا في أيام الانتفاضة الأولى حين جاءت وليدة ظروفها، وخاصة كرد مناسب على تراجع دور الخارج وتقدم دور الداخل، وما أدى إليه من تراجع الكفاح المسلح، وأثبتت أنها رد شعبي حقق إنجازات كبيرة، من أنها كانت في بدايتها «انتفاضة سكاكين»، من أهمها إيصال رسالة مدوية للعالم بأن الشعب «بقضه وقضيضه» ضد الاحتلال، وأنّ الاحتلال لا يمكن أن يبقى هادئًا ومربحًا ومريحًا.
ويتناسى هؤلاء أن سياسة القيادة الفلسطينية وأداءها، وما أديا إليه من توقيع «اتفاق أوسلو» الذي أضاع جلّ هذه الإنجازات رغم ما تضمنه من اعتراف عالمي وإسرائيلي بالشعب الفلسطيني وإقامة كيان فلسطيني (ولو من خلال سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال)، ولكنه في المحصلة أوصل الوضع الفلسطيني إلى الكارثة التي نعيشها حاليًا.
في المقابل، يتعامل هذا البعض وكأنّ الانتفاضة الثانية كانت كلها شرًا، ويركز خلافًا لتعامله مع الانتفاضة الأولى على الخسائر والدمار والموت، وينسى الأداء السياسي الذي أوصل الفلسطينيين إلى «خارطة الطريق»، وتنفيذ الالتزامات من جانب واحد، والتركيز على «إثبات الجدارة وبناء مؤسسات الدولة» تحت الاحتلال كطريق لإنهاء الاحتلال، حيث بُنيت «المؤسسات» بينما تعمّق الاحتلال وتجذّر وأصبح مربحًا.
وينسى هؤلاء أن الانتفاضة الثانية رغم كل ما عليها أدت إلى اعتراف العالم، بما في ذلك اللجنة الرباعية الدولية»، بحق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وأدت إلى «انسحاب» القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
ما وددت قوله مما سبق إن الخلل أساسًا في السياسة والقيادة والأداء، وليس في أشكال النضال التي تخضع للسياسة. فالانتفاضة الأولى حققت إنجازات كبرى، وانتهت بإخفاقات كبرى جرّاء السياسة والأداء الفلسطيني، وليس بسبب استخدام هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال، فالسياسة المتبعة تستدعي أشكال النضال التي تناسبها، والأمر نفسه ينطبق على الانتفاضة الثانية. فالمهم مناقشة السياسة وأداء القيادة قبل مناقشة أشكال العمل والنضال.
ملاحظات على هامش عملية تل أبيب
أولًا: لا بد من التفريق بين العمل المقاوم المنظّم الذي ينفذه تنظيم، وبين الأعمال الفردية، فلا يصح إطلاق نفس الأحكام بغض النظر عن كون عمليات المقاومة منظمة أو فردية. ويجب أن يخضع العمل المنظّم لإستراتيجية وحسابات الجدوى التي هي أكبر بكثير من تناسب الخسائر والأرباح التي ستكون غير مناسبة دائمًا بسبب تفوق العدو، بل تتعلق بما تحقق أو يمكن تحقيقه بأقل الخسائر، بينما لا يخضع العمل الفردي لهذه المعايير.
عندما تتكاثر الأعمال الفردية، كما لاحظنا في الموجة الانتفاضية الأخيرة وما أطلق عليها «انتفاضة السكاكين»، فهذا يستدعي البحث في الأسباب والدوافع التي أدت إليها، وليس المسارعة إلى رفضها أو إدانتها أو تأييدها، وسبب العملية هو الاحتلال كما قال رئيس بلدية تل أبيب، وعندما لا تكون هناك قيادة ولا مؤسسة وطنية جامعة ولا قوى فاعلة ولا رؤية ولا إستراتيجية؛ فهذا يجعل القانون الطبيعي «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه» يأخذ مجراه، وهذا ليس تقديسًا للعفوية وإنما محاولة لفهمها في السياق الفلسطيني الحالي..
ولا تعني العفوية دائمًا الانفصال عن السياق السياسي أو الكفاحي، ليس بالمعنى التكتيكي أو الإستراتيجي، بل قد تكون ردًا بليغًا. فعندما تفعل إسرائيل كل ما تفعله ضد الفلسطينيين في ظل غياب القيادة وعجز الفصائل تكون العمليات الفردية ردًا متناسبًا مع خصائص الوضع الفلسطيني، إذ يصعب على أجهزة الأمن الإسرائيلية منعها مثلما تقدر لو كانت منظمة، وهذا الأمر يشكل ردًا فاعلا ورادعًا يدفع الإسرائيلي للتساؤل عن جدوى استخدام القوة والحل الأمني والعسكري، وسيجعله يفكر آجلًا – إن لم يكن عاجلًا – في تغيير موقفه، والبحث عن حل سياسي يقبل به الطرف الفلسطيني.
ثانيًا: إذا كان أسلوب العمل الرئيسي مناسبًا في مرحلة ما، فلا يجب استبعاد أو رفض أو إدانة الأشكال الأخرى، بل أثبتت تجارب النضال على امتداد التاريخ، بما فيها التجربة الفلسطينية وتجربة الهند وجنوب أفريقيا وغيرها، أنه يمكن الجمع بين أشكال النضال السلمية والمسلحة، سواء إذا كان شكل النضال في هذه المرحلة أو تلك سلميًا أو مسلحًا، ولا يستطيع طرف وحده تحديد شكل النضال المناسب، بل إن طبيعة الصراع وخصائصه والظروف والعوامل التي تؤثر فيه وسلوك الطرف الآخر تساهم مساهمة فاعلة في تحديد أي شكل يُتّبع.
وعندما يكون العدو مثل الاحتلال الإسرائيلي الذي يجسد مشروعًا استعماريًا استيطانيًا لا يقبل التسوية وله أهداف جذرية وإمكانية التأثير عليه من الداخل محدودة، إن لم تكن معدومة، ويلجأ إلى القوة وإلى المزيد من القوة لتحقيق أهدافه؛ فلا ينفع في هذه الحالة استبعاد المقاومة المسلحة كليًا، حتى لو لم تكن هي الشكل الرئيسي المناسب في هذه المرحلة أو تلك.
يجب أن تكون المقاومة المسلحة دائمًا حاضرة باعتبارها حقًا مكفولًا ويمارس حسب الظروف، ولا يقلع عنه كليًا ولا يجرّم بأي حال من الأحوال. ويمكن في هذه المرحلة استخدام المقاومة المسلحة بشكل أساسي في مجال الدفاع عن النفس في وجه اعتداءات جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين المدججين بالسلاح، وللوقوف في وجه العدوان العسكري المتكرر على قطاع غزة والاعتداءات اليومية للمستوطنين في الضفة الغربية.
ثالثًا: لا يعني كون الفصائل تقادمت وترهلت أن كل ما تقوله أو تفعله خطأ أو خطأ كليًا، فهذه ليست نظرة تحليلية موضوعية. فالفصائل على علاتها ومع ضرورة تجديدها وتغييرها وبناء أو تشكيل فصائل جديدة، لا تزال أحد الجدران التي لا يجب هدمها قبل تبلور البديل الأفضل منها، فليس كل جديد أفضل من القديم، بل هناك من الجديد ما هو أسوأ وأكثر قِدَمًا من القديم نفسه. هذا مع أن قواعد وأنصار الفصائل القائمة هي مادّة النضالات التي أطلقنا عليه مصطلح «الفضاء الثالث» أو «الفضاء الجديد».
رابعًا: لا بد من التوقف عند مسألة استهداف المدنيين في إسرائيل، لأنها كيان استعماري استيطاني عنصري إحلالي، الكل فيها مجند، بدليل أن السلاح منتشر في مختلف الأماكن، ويحمله المدنيون بمئات الآلاف في الشوارع، فالكل باستثناء المتدينين يخدم في الجيش. والمتدينون في غالبيتهم الساحقة متطرفون يحرضون على قتل الأغيار؛ لذا يجب أن يكون العمل المقاوم مدروسًا وليس عشوائيًا، ولا يستهدف الأطفال والأماكن العامة، ويتناسب مع عدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، ويأخذ بالحسبان أنّ هناك حوالى مليوني فلسطيني يحملون «الجنسية الإسرائيلية»، وأن هناك يهودًا يرفضون المشروع الصهيوني، أو مناضلين دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية أو ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في ظل غياب البديل، لا يمكن أن يكون الحل أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار الخلاص الذي يمكن أن يهبط من السماء أو يخرج من باطن الأرض أو من المجهول، فلا بد من العمل على بناء البديل خطوة خطوة ومدماكًا وراء مدماك، وعندما يغيب البديل يكون هناك فراغ سيملأ بأعمال بطولية مقاومة فردية أو بغيرها، فالعفوية هي جنين الوعي والتنظيم، وتساهم في إبقاء القضية الفلسطينية حية، وهي خير من عدم وجود أي شيء، أو من أن تملأ الفراغ مجموعات إرهابية أو عميلة أو متخاذلة، أو إحياء الفردية والعائلية والعشائرية والجهوية وغيرها من الظواهر الضارة على حساب المصلحة الوطنية، الأمر الذي يمضي بالانقسام بعيدًا نحو المزيد من التشظي والتفرقة.
ونفذت العملية بعد أيام على تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرًا للحرب، وهو المعروف بتطرفه وتهديداته التي جعلت الجميع بانتظار رده على العملية، لأنه لطالما انتقد الحكومات ووزراء الحرب لتقصيرهم في الردود الناجعة القادرة على منع عمليات المقاومة.
وسط الجدل الفلسطيني الدائر، بين الرفض الرسمي ومن بعض النخبة للعملية وبين تأييد الأغلبية الشعبية، والفصائل لها لتغطية عجزها، نلاحظ أن هناك من يتعامل مع الوضع الحالي وكأننا ما زلنا في أيام الانتفاضة الأولى حين جاءت وليدة ظروفها، وخاصة كرد مناسب على تراجع دور الخارج وتقدم دور الداخل، وما أدى إليه من تراجع الكفاح المسلح، وأثبتت أنها رد شعبي حقق إنجازات كبيرة، من أنها كانت في بدايتها «انتفاضة سكاكين»، من أهمها إيصال رسالة مدوية للعالم بأن الشعب «بقضه وقضيضه» ضد الاحتلال، وأنّ الاحتلال لا يمكن أن يبقى هادئًا ومربحًا ومريحًا.
ويتناسى هؤلاء أن سياسة القيادة الفلسطينية وأداءها، وما أديا إليه من توقيع «اتفاق أوسلو» الذي أضاع جلّ هذه الإنجازات رغم ما تضمنه من اعتراف عالمي وإسرائيلي بالشعب الفلسطيني وإقامة كيان فلسطيني (ولو من خلال سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال)، ولكنه في المحصلة أوصل الوضع الفلسطيني إلى الكارثة التي نعيشها حاليًا.
في المقابل، يتعامل هذا البعض وكأنّ الانتفاضة الثانية كانت كلها شرًا، ويركز خلافًا لتعامله مع الانتفاضة الأولى على الخسائر والدمار والموت، وينسى الأداء السياسي الذي أوصل الفلسطينيين إلى «خارطة الطريق»، وتنفيذ الالتزامات من جانب واحد، والتركيز على «إثبات الجدارة وبناء مؤسسات الدولة» تحت الاحتلال كطريق لإنهاء الاحتلال، حيث بُنيت «المؤسسات» بينما تعمّق الاحتلال وتجذّر وأصبح مربحًا.
وينسى هؤلاء أن الانتفاضة الثانية رغم كل ما عليها أدت إلى اعتراف العالم، بما في ذلك اللجنة الرباعية الدولية»، بحق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وأدت إلى «انسحاب» القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
ما وددت قوله مما سبق إن الخلل أساسًا في السياسة والقيادة والأداء، وليس في أشكال النضال التي تخضع للسياسة. فالانتفاضة الأولى حققت إنجازات كبرى، وانتهت بإخفاقات كبرى جرّاء السياسة والأداء الفلسطيني، وليس بسبب استخدام هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال، فالسياسة المتبعة تستدعي أشكال النضال التي تناسبها، والأمر نفسه ينطبق على الانتفاضة الثانية. فالمهم مناقشة السياسة وأداء القيادة قبل مناقشة أشكال العمل والنضال.
ملاحظات على هامش عملية تل أبيب
أولًا: لا بد من التفريق بين العمل المقاوم المنظّم الذي ينفذه تنظيم، وبين الأعمال الفردية، فلا يصح إطلاق نفس الأحكام بغض النظر عن كون عمليات المقاومة منظمة أو فردية. ويجب أن يخضع العمل المنظّم لإستراتيجية وحسابات الجدوى التي هي أكبر بكثير من تناسب الخسائر والأرباح التي ستكون غير مناسبة دائمًا بسبب تفوق العدو، بل تتعلق بما تحقق أو يمكن تحقيقه بأقل الخسائر، بينما لا يخضع العمل الفردي لهذه المعايير.
عندما تتكاثر الأعمال الفردية، كما لاحظنا في الموجة الانتفاضية الأخيرة وما أطلق عليها «انتفاضة السكاكين»، فهذا يستدعي البحث في الأسباب والدوافع التي أدت إليها، وليس المسارعة إلى رفضها أو إدانتها أو تأييدها، وسبب العملية هو الاحتلال كما قال رئيس بلدية تل أبيب، وعندما لا تكون هناك قيادة ولا مؤسسة وطنية جامعة ولا قوى فاعلة ولا رؤية ولا إستراتيجية؛ فهذا يجعل القانون الطبيعي «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه» يأخذ مجراه، وهذا ليس تقديسًا للعفوية وإنما محاولة لفهمها في السياق الفلسطيني الحالي..
ولا تعني العفوية دائمًا الانفصال عن السياق السياسي أو الكفاحي، ليس بالمعنى التكتيكي أو الإستراتيجي، بل قد تكون ردًا بليغًا. فعندما تفعل إسرائيل كل ما تفعله ضد الفلسطينيين في ظل غياب القيادة وعجز الفصائل تكون العمليات الفردية ردًا متناسبًا مع خصائص الوضع الفلسطيني، إذ يصعب على أجهزة الأمن الإسرائيلية منعها مثلما تقدر لو كانت منظمة، وهذا الأمر يشكل ردًا فاعلا ورادعًا يدفع الإسرائيلي للتساؤل عن جدوى استخدام القوة والحل الأمني والعسكري، وسيجعله يفكر آجلًا – إن لم يكن عاجلًا – في تغيير موقفه، والبحث عن حل سياسي يقبل به الطرف الفلسطيني.
ثانيًا: إذا كان أسلوب العمل الرئيسي مناسبًا في مرحلة ما، فلا يجب استبعاد أو رفض أو إدانة الأشكال الأخرى، بل أثبتت تجارب النضال على امتداد التاريخ، بما فيها التجربة الفلسطينية وتجربة الهند وجنوب أفريقيا وغيرها، أنه يمكن الجمع بين أشكال النضال السلمية والمسلحة، سواء إذا كان شكل النضال في هذه المرحلة أو تلك سلميًا أو مسلحًا، ولا يستطيع طرف وحده تحديد شكل النضال المناسب، بل إن طبيعة الصراع وخصائصه والظروف والعوامل التي تؤثر فيه وسلوك الطرف الآخر تساهم مساهمة فاعلة في تحديد أي شكل يُتّبع.
وعندما يكون العدو مثل الاحتلال الإسرائيلي الذي يجسد مشروعًا استعماريًا استيطانيًا لا يقبل التسوية وله أهداف جذرية وإمكانية التأثير عليه من الداخل محدودة، إن لم تكن معدومة، ويلجأ إلى القوة وإلى المزيد من القوة لتحقيق أهدافه؛ فلا ينفع في هذه الحالة استبعاد المقاومة المسلحة كليًا، حتى لو لم تكن هي الشكل الرئيسي المناسب في هذه المرحلة أو تلك.
يجب أن تكون المقاومة المسلحة دائمًا حاضرة باعتبارها حقًا مكفولًا ويمارس حسب الظروف، ولا يقلع عنه كليًا ولا يجرّم بأي حال من الأحوال. ويمكن في هذه المرحلة استخدام المقاومة المسلحة بشكل أساسي في مجال الدفاع عن النفس في وجه اعتداءات جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين المدججين بالسلاح، وللوقوف في وجه العدوان العسكري المتكرر على قطاع غزة والاعتداءات اليومية للمستوطنين في الضفة الغربية.
ثالثًا: لا يعني كون الفصائل تقادمت وترهلت أن كل ما تقوله أو تفعله خطأ أو خطأ كليًا، فهذه ليست نظرة تحليلية موضوعية. فالفصائل على علاتها ومع ضرورة تجديدها وتغييرها وبناء أو تشكيل فصائل جديدة، لا تزال أحد الجدران التي لا يجب هدمها قبل تبلور البديل الأفضل منها، فليس كل جديد أفضل من القديم، بل هناك من الجديد ما هو أسوأ وأكثر قِدَمًا من القديم نفسه. هذا مع أن قواعد وأنصار الفصائل القائمة هي مادّة النضالات التي أطلقنا عليه مصطلح «الفضاء الثالث» أو «الفضاء الجديد».
رابعًا: لا بد من التوقف عند مسألة استهداف المدنيين في إسرائيل، لأنها كيان استعماري استيطاني عنصري إحلالي، الكل فيها مجند، بدليل أن السلاح منتشر في مختلف الأماكن، ويحمله المدنيون بمئات الآلاف في الشوارع، فالكل باستثناء المتدينين يخدم في الجيش. والمتدينون في غالبيتهم الساحقة متطرفون يحرضون على قتل الأغيار؛ لذا يجب أن يكون العمل المقاوم مدروسًا وليس عشوائيًا، ولا يستهدف الأطفال والأماكن العامة، ويتناسب مع عدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، ويأخذ بالحسبان أنّ هناك حوالى مليوني فلسطيني يحملون «الجنسية الإسرائيلية»، وأن هناك يهودًا يرفضون المشروع الصهيوني، أو مناضلين دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية أو ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في ظل غياب البديل، لا يمكن أن يكون الحل أن نقف مكتوفي الأيدي بانتظار الخلاص الذي يمكن أن يهبط من السماء أو يخرج من باطن الأرض أو من المجهول، فلا بد من العمل على بناء البديل خطوة خطوة ومدماكًا وراء مدماك، وعندما يغيب البديل يكون هناك فراغ سيملأ بأعمال بطولية مقاومة فردية أو بغيرها، فالعفوية هي جنين الوعي والتنظيم، وتساهم في إبقاء القضية الفلسطينية حية، وهي خير من عدم وجود أي شيء، أو من أن تملأ الفراغ مجموعات إرهابية أو عميلة أو متخاذلة، أو إحياء الفردية والعائلية والعشائرية والجهوية وغيرها من الظواهر الضارة على حساب المصلحة الوطنية، الأمر الذي يمضي بالانقسام بعيدًا نحو المزيد من التشظي والتفرقة.