نتنياهو: المبادرة العربية للتطبيع فقط

أشرف العجرمي
حجم الخط
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يترك مجالاً لأحد ليشك في نواياه تجاه العملية السياسية وتسوية الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي. فكما أعلن في السابق في خطاب بارايلان الشهير (2009) أنه يؤيد حل الدولتين ولكن بصيغة غامضة ولا تمت للحل الممكن والمستند إلى المرجعيات الدولية،عاد وتراجع عن هذا الموقف قبيل الانتخابات العامة السنة الماضية، كرر نفس الموقف من المبادرة العربية للسلام. فبعد أن قبل مبدأ التفاوض على أساس المبادرة العربية رجع عن هذا الموقف ونفى في اجتماع مركز «الليكود» أول من أمس أن يكون قد وافق على القيام بالتفاوض مع الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية. وفي الحديث الذي نقلته صحيفة «هآرتس»(الاثنين 13/6) عن اجتماع قيادة «الليكود» قال نتنياهو أنه لم يوافق مطلقاً على ما جاء في المبادرة  واشترط قبولها باجراء تعديل عليها حيث أنه لا يقبل العودة إلى حدود العام 1967 ولا مسألة عودة اللاجئين، علماً بأن المبادرة في موضوع اللاجئين منحت إسرائيل الحق على القبول أو الرفض لأي صيغة حل لهذه القضية. وقطع نتنياهو الشك باليقين باعتباره أن النقطة الإيجابية الوحيدة في مبادرة السلام العربية تكمن في استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
لا يوجد أكثر من هكذا وضوح لتحديد أهداف نتنياهو من طرح مسألة التفاوض على أساس المبادرة العربية. فهو لا قبل الإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، ولا التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بل هو يحاول جر الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل تحت هذه اليافطة دون أية إمكانية لتحقيق تقدم في العملية السياسية. ومن الطبيعي أن يرفض نتنياهو المبادرة الفرنسية التي تذهب باتجاه الإستجابة لطلبات نتنياهو نفسه، لأنه لا يقبل تحديد المبادرة العربية كأساس للمفاوضات. هذا عدا عن رفض إسرائيل الدائم للاحتكام للقرارات والمرجعيات والأطر الدولية التي كلها بدون شك ترفض إستمرار الإحتلال وتصر على إنهائه كشرط لتحقيق السلام.
 بعد هذه الأقوال والمواقف القاطعة أية محاولة عربية، وخاصة من الدول التي لا توجد بينها وبين إسرائيل اتفاقيات وعلاقات رسمية، تعتبر مساعدة لنتنياهو على استمرار الاحتلال وقمع الشعب الفلسطيني، وستكون بلا شك ضربة موجهة لنضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال. فإذا كان الإسرائيليون يتحدثون عن علاقات سرية مع بعض الدول العربية وخاصة من دول الخليج، فهم لم يعودوا يكتفون بها لأنها لا تساعدهم دولياً في تخفيف الضغوط عليهم.ويطمحون في علاقات أكثر انفتاحاً وشبه علنية إن لم تكن علنية، حتى يقولوا للعالم ماذا تريدون منا ها نحن نتفاوض مع العرب وفي علاقة جيدة معهم. خاصة وأن دولاً مثل فرنسا مستمرة في سعيها لإيجاد تسوية سلمية على الرغم من معارضة إسرائيل لجهودها. فوزير خارجية فرنسا جان مارك إيرو قال في محادثة له مع نتنياهو («هآرتس» الاثنين 13/6) أن فرنسا مصممة على مواصلة جهودها لدفع مبادرتها السلمية برغم معارضة إسرائيل، بل وأبلغه أن «القطار خرج من المحطة». وحسب «هآرتس» فإن الفرنسيين أبلغوا إسرائيل أنهم يعتزمون تشكيل فرق عمل تواصل تحريك المبادرة الفرنسية من الدول التي شاركت في اجتماع باريس، وتركز على بلورة رزمة خطوات لبناء الثقة بين الجانبين من بينها محفزات اقتصادية وترتيبات أمنية إقليمية.
ومع أن إسرائيل ترفض الفكرة ، يبدو أنها تستهوي أصدقاء إسرائيل في أوروبا مثل المانيا والتشيك اللتين سارعتا إلى التطوع في هذه الفرق. وهذا من وجهة نظر الحومة الإسرائيلية تطور سلبي فهي لا تريد ادخال العامل الدولي على خط التسوية حتى لو كان الحديث يدور عن خطوات جزئية ولا ترق إلى مستوى الإختراق السياسي. وهذا ينطبق على التقارير الدولية التي تصدر عن مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية التي تتحدث عن الواقع في الأراضي المحتلة على غرار   تقرير مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم  المتحدة  الذي اعتبر أن اسرائيل هي السبب الرئيس لمعاناة الفلسطينيين وتحدث عن الخسائر وعن الواقع المأساوي في الضفة وغزة جراء استمرار الإحتلال والاستيطان وعنف المستوطنين وتعدياتهم على الفلسطينيين.
حكومة نتنياهو تعتبر المجتمع الدولي منحاز للفلسطينيين ومعاد لإسرائيل لأنه يقول كلمة حق ويرفض الرواية الإسرائيلية لتفسير الواقع وتبرير استمرار احتلال شعب آخر وأراض تعود لهذا الشعب.
  هناك أفكار تناقش لدى بعض الشخصيات من رجالات الأمن الاسرائيليين السابقين الذين يبلورون في هذه الأيام خطة تتضمن القيام بخطوة أحادية الجانب تشمل إخلاء بعض المستوطنات المعزولة واستكمال الجدار وربما تعديله ليكون حدودا مؤقتة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى تتوفر الشروط للتفاوض والاتفاق. وهذه الأفكار تعبر عن اليأس من امكانية إحداث أي تغيير في الواقع القائم كنتيجة لمفاوضات بين الجانبين أو لتدخل دولي فاعل ومؤثر. وهي بمثابة محاولة لتخفيف حجم المخاطر المترتبة على المشروع الإستيطاتي الذي يهدد فكرة الدولة اليهودية التي  يطالب بها غالبية اليهود في إسرائيل. ولكن هناك شكوك كبيرة في قدرة أو رغبة نتنياهو في القيام بأي خطوة يحجم فيها الاستيطان أو يفكك في إطارها بؤر أو تجمعات استيطانية ، بل العكس هو الذي يجري على الأرض، فالمشروع الاستيطاني يكتسب زخماً وتتسارع وتيرته باطراد يوماً بعد يوم.
      الشيء الوحيد الذي لا يضمنه الإسرائيليون في ظل هذه السياسة هو الأمن، فاستمرار الوضع الراهن من احتلال وقمع واستيطان وجمود سياسي سيصعد وتيرة العنف والمقاومة الفلسطينية، وربما تشكل عملية تل أبيب الأخيرة مؤشراً لما يمكن أن يتطور على الأرض وعندها لا ينفع نتنياهو ووزير أمنه ليبرمان كل ما يفعلون لتفادي التدهور عن مواجهات عنيفة مكلفة للطرفين.