وأخيراً قرر الجناح الثالث لحركة الإخوان المسلمين، وهو الجناح الأهم والأقوى الذي يقوده الثنائي: المراقب العام همام سعيد ونائبه زكي بني إرشيد، المشاركة في انتخابات مجلس النواب الثامن العشر يوم 20 أيلول المقبل، مقابل الجناح الأول الذي يقوده المراقب العام عبد المجيد الذنيبات الذي سبق ودعا إلى المشاركة ويجنح إلى المشاركة الإيجابية بالفعل السياسي على المستوى الوطني، بعيداً عن التصادم والمناكفة، إضافة إلى الجناح الثاني الذي يقوده المراقب العام سالم الفلاحات ومعه فريق من القيادات التقليدية التاريخية المعتبرة، ويصف نفسه بأنه فريق الشراكة والإنقاذ، ويقف بين الفريقين متردداً، فلا هو مع الفريق الأول الذي يصفه بالاستعجال في اتخاذ إجراءات التكيف والخروج عن الإجماع، ولا مع الفريق الثالث الذي يطلق عليه معايير التهور وعدم التكيف مع المستجدات، ويحمله مسؤولية ما آلت إليه الحركة من انقسام وتمزق.
قرار جناح المراقب العام همام سعيد المشاركة في الانتخابات، عبر عنه حزبهم جبهة العمل الإسلامي، الذي لا يملك الإرادة لاتخاذ قرار سياسي مهم بهذا المستوى من الإقدام، ولو لم يكن مأخوذاً من قبل مرجعيته الخلفية السياسية والفكرية والحزبية همام سعيد وزكي بني إرشيد، فكافة القرارات المماثلة لحزب جبهة العمل الإسلامي في المشاركة في الانتخابات 1989، 1993، 2007، أو في مقاطعتها كما حصل في دورات 1997، 2003، 2010، 2013، لم تكن لتتم لولا صدور القرار – التعليمات المسبقة من قبل المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين، وتتحول توجهاته إلى الحزب، فيعلن المشاركة أو المقاطعة، والقرار الحالي للحزب في المشاركة لم يكن استثناء عن سوابقه ولن يكون، دون قرار مسبق من قبل المرجعية، وهذا ما سلم به الأمين العام للحزب محمد عواد الزيود.
قرار مشاركة جناح الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد قرار حكيم، يسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة الإخوان المسلمين ومكانتهم سواء في مواجهة السياسات الرسمية الكامنة، أو في محاولة التكيف العقلاني مع قواعد عموم حركة الإخوان المسلمين التي صوتت بأغلبيتها مع قرار المشاركة انعكاساً للرغبة القيادية وتفهمها لظروف الانقسام الداخلي والتراجعات السياسية التي يواجهها ويعاني منها ليس فقط تنظيمهم الأردني بل مجمل فصائل حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي، وترى الأحوال المذهلة التي تواجه الأشقاء في البلدان العربية، من سحل ودمار وانفلات عقائدي لا مثيل له من قبل، فالقتل الجماعي، وتصفية الآخر، والحروب البينية بين أبناء الشعب الواحد، في اليمن والعراق وسورية ومصر وليبيا ومن قبلهم في الجزائر، تفوق التخيل الإنساني لحجم الجرائم والانفجار والعمليات «الاستشهادية» التي تستهدف المدنيين والأبرياء في المساجد والأسواق والتجمعات، ما يدفع الإنسان للشعور بالخذلان والخجل لأنه ينتمي لمثل هؤلاء الناس بالقومية أو الدين أو حتى الأسرة البشرية، ما يجعل البعض يترحم على أنظمة الديكتاتورية، والحزب الواحد، واللون الواحد، والقومية الواحدة، والطائفة الواحدة، والقائد الملهم الواحد، الذي يتحكم بهذا البلد العربي أو ذاك قبل ثورة الربيع العربي.
قرار المشاركة «الإخوانية» في الانتخابات النيابية، ليس استجابة للمكرمة الحكومية ونداءاتها، فالقرار الحكومي حق دستوري للمواطنين في اختيار ممثليهم للسلطة التشريعية وهي محاولات ستتواصل للتخفيف من هول السلطة التنفيذية وتغولها لعشرات السنين، وتغيير معطياته يحتاج إلى سنوات حتى تتحول موازين القوى الشعبية وتوجهاتها نحو الوعي، والالتزام الحزبي والخيار الديمقراطي، ويكون للتيارات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية وأحزابها، موقعها اللائق وسط شعبها وفي قلب ضميره بمفاهيم مدنية ديمقراطية عصرية تستجيب لقيم التعددية، واحترام الآخر، والالتزام بتداول السلطة، والانصياع الرسمي والشعبي لنتائج صناديق الاقتراع وإفرازاته.
قرار المشاركة الإخوانية، لا يتسم بالتضحية المبدئية بل هو قرار سياسي بامتياز، يحمي رؤوسهم من المس والتراجع والانحسار، وليس له دوافع دينية، ولم تكن له كذلك في حالات المشاركة ولا في حالات المقاطعة السابقة، مثلما لم تكن خلافات الأجنحة الثلاثة فيما بينهم، وبين بعضهم البعض خلافات عقائدية، فهي اجتهادات سياسية، صائبة أو خائبة، دوافعها سياسية وأملتها قراءة سياسية من كل فريق من التيارات الثلاثة، وجميعهم لم يسجل على أحدهم أنه تارك للصلاة ولم يتهم فريق منهم، فريقاً آخر بالتخلي عن العقيدة، بل هي رؤية سياسية سجل راشد الغنوشي شجاعة الأقدام عليها على المستوى القومي إخوانياً في الفصل بين السياسي والدعوي، واختار السياسي لأنه مؤسس وقائد حزب سياسي ولم يقبل على نفسه لأن يكون أو يبقى داعية إسلامية ملهم، فاختار الأصعب، وهو الفعل السياسي، برؤية إسلامية تستجيب للعصر، ولأننا لا نجيد تقدير أنفسنا ونظلم حالنا، فالمبادرة على المستوى الوطني والقومي لم تُسجل للصديقين إرحيل الغرايبة ورفاقه في زمزم، وعبد المجيد الذنيبات وصحبه في الجمعية المتكيفة، وتطاولت عليهما التهم والافتراءات لأننا نجيد المس بالآخر، ولا نجيد النظر نحو الآخر، بالتفهم والاستيعاب وسعة الصدر، وهو حالهم أيضاً في التعامل معي كسياسي وكاتب بشتى التهم والأوصاف التطبيعية الظالمة.
قرار المشاركة قرار «حكيم» بامتياز للحفاظ على الذات، وإرساء أدوات ووسائل مدنية تتوسل الانحياز للخيار الديمقراطي والاحتكام لرأي الناس، وهو خيار سعى الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد للتعبير عنه عبر ما أعلنه قادة الحزب بقولهم: «جماعة الإخوان المسلمين هي مكون سياسي في المجتمع، ولم يكن قرارها بعيداً عن الحديث مع كل شركائنا السياسيين». وما قاله عبد المحسن العزام رئيس مجلس الشورى: إن القرار يعكس فشل الرهان على عزوفنا عن الحياة السياسية، مثلما يعكس الرغبة في تجاوز الأزمة التي تمر بها الجماعة».
وحصيلة ذلك أنه قرار حزبي سياسي بامتياز، يعكس رغبة «الجماعة» في فهم المعطيات السائدة والتكيف معها ومحاولة التخلص من تبعاتها عليهم، وعليهم وحدهم.