سنعيش دهرنا فقط ولن نعيش دهر آخر .. فلنتخذ من حياتنا ملاذاً للفرح .. ونحاول أن نتغاضى عن بعض الأمور التي ربما قد تكون من الأساسيات في حياتنا .. لأنه باختصار .. الواقع يفرض نفسه علينا وبقوة .. وﻻ أحد يستطيع التدخل لحل أبسط مشكلة قد تواجهنا .. ربما هو الخوف .. ربما ﻻ يمكن التصفيق بيد واحدة فقط .. وﻻ ننكر أن هنالك فئات مستفيدة من هذه الأوضاع التي نعاني منها وجميعنا يرى ويعلم ذلك لكننا نحاول التناسي لكي ﻻ نقع في بحيرة من وحل .. شعب صامد جبار .. تحمل على مر هذه السنين ما لم يستطيع تحمله أى مخلوق على وطئة هذه الأرض .
نمشي على خطى أيوب ونستبجل بصبره .. لربما هو أمر مكتوب ومحتم علينا .. وربما هو اختبار من الله في أرض الرباط .. ونيقن أيضا بأن كل شيء بأجره , لكن .. هذا الوضع الذي نمر فيه هو بحد ذاته مختصر لكلمة (دمار) هذه الكلمة التي تحوي بين طياتها الكثير من المعاني الكئيبة وتعزف على الوتر القديم .. الذي يعود بنا الى عصر الجاهلية .. أي جاهلية هذه !!
ما الذي جد على حياتنا ومن الذي كان السبب في هذا الهلاك الذي دمر أمال وطموح اكثر من 90 % من أهل غزة .. فساد متنوع وغير مبرر .. ادمان بجميع أشكاله كسبيل للهروب من الواقع .. جرائم كثرت والسبب ماذا .. الوضع الاقتصادي العصيب الذي لم نشهده من قبل .. نسبة البطالة التي تعدت حدود الواقع .. أطفال مشردون في الشوارع نصفهم يعملون كباعة متجولين.. نسبة العنوسة فاقت مستواها .. قوانين تُشرع هنا ولا تتناسب هناك والعكس .. شباب حالم بات تفكيره يقبع ما بين بالانتحار او الهجرة .. ﻻ رواتب .. ﻻ كهرباء .. ﻻ مياه .. ﻻ مشاريع .. ﻻ بنيان .. أشياء كثيرة لن أنتهي من سردها هنا لأنها تحتاج عمراً من التخيل .. بل تحتاج معايشة سكان غزة فردآ فردً.. بل أيضاً يجب علي أن أسأل الجنين داخل رحم أمه .. مما تعاني .. وسأقدم له نصيحة بعدم الهبوط على هذا الكوكب السيء.
ﻻ أستطيع تخيل كل هذه المعاناة التي نمر بها .. وما الذي حدث لنا .. وما السبب وراء هذا كله .. هل هو صمود وعدم تنازل عن مبادئ قمنا بصناعتها بأنفسنا .. أم هو مجرد خطة صهيونية ماسونية ليست بالعبثية تستهدف تغييب غزة عما حولها و جعل أهلها يتمنون الموت خارجها وليس بهذه المسرحية الكبيرة .. ﻷن مهرجها عندما يضحك تكون ضحكته فقط لإشباع الغرائز العربية والاجنبية ويداري خيبته .. وعندما يموت لن يستطيع سداد قسط قبره الذي أصبح سعره 1000 شيكل في ظل انقطاع الاسمنت وغلاء سعره .. هل الموت أيضاً أصبح عبئ على البشر .. أم أنها من علامات القيامة .
لن نستطيع الموت أيضاً ولن نفكر بالانتحار مجدداً .. سنفكر ملياً بأننا صبرنا الكثير ونتأمل بتحسن الأوضاع ولو قليلاً ..ربما نعود للعيش مرة أخرى في مرحلة متأخرة من العمر وكأنها تشابه الشيخوخة المبكرة .
لو كنت صاحب قرار في هذه المدينة .. لتنازلت عن كل شيء أملكه .. عن حياتي أغلى ما أملك .. لكي لا أزيد الطين بللاً .. سأستقبل معاناة الجنين قبل أمه و أبحث عن الحلول .. سأكافح حتى أبيع ملابسي وأنا الرئيس .. سأفتح بابي لكل نازح لكل جريح لكل أسير محرر وكل عائلة شهيد ..
الكلام منطقي وهذا تصوري والكل مكبوت و الشعب يموت و أنا بذاتي حلمي اصطدم بجدار بؤس و خذلان وأمل مقطوع .. كراتب مستنكف ..وما عاد للحياة لون غير الأسود .. فلنغير من هذا الوضع لو كان باستطاعتنا ولو بالقليل .
على أمل أن تعود الحياة أدراجها ونعيش بإنسانية محافظين على كرامتنا ولقمة أطفالنا .. فالصيف أسوأ من الشتاء .