يبدو أن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، أفيغدور ليبرمان، معني بالإيحاء أن وجوده في منصبه الجديد لا بد أن يترك أثراً واضحاً على سياسة إسرائيل الأمنية قدر الإمكان. ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتمد في السنوات الأخيرة سياسةً تقوم على عدم الحسم، لا مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ولا مع «حماس» في غزة، فإن ليبرمان يدعو إلى التخلي عن هذه السياسة، وحسم الأمر مع الجهتين.
وكانت الأيام الأولى لتولي ليبرمان منصب وزير الدفاع قد اتسمت بتصرفه «حسب المعهود»، فأقرّ «التسهيلات» للفلسطينيين لمناسبة شهر رمضان، كما تصرف بعيداً عن التسرع في الرد على عملية تل أبيب. لكن هذه التصرفات تركت أثراً سيئاً لدى أنصار اليمين المتطرف، الذين كانوا يعتقدون أن وصول ليبرمان للمنصب سيُغّير تماماً من سياسة الوزارة تجاه الفلسطينيين. وربما لهذا السبب، بادر ليبرمان إلى الاجتماع مع عدد من المُعّلقين العسكريين، مطلقاً عبرهم عدداً من الرسائل ذات الطابع المغاير.
وبحسب ما نقل المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفق النظرة الجديدة لوزارة الدفاع، هو المشكلة المركزية التي تواجه اسرائيل، وأنه يمارس ضدها «الإرهاب السياسي». كما أن الحرب مع حركة «حماس» في القطاع، تبدو محتومة، وأن على إسرائيل حسم هذه الحرب حال وقوعها، لضمان أن تغدو الحرب الأخيرة بالتأكيد.
وخلافاً لسياسة وزير الدفاع السابق موشي يعلون، الذي لم يكن يستسيغ الرئيس الفلسطيني ولا يؤمن بجدوى المفاوضات السياسية معه، لكنه كان يؤيد استمرار التنسيق الأمني، يريد ليبرمان انتهاج سياسة مختلفة. ويرى وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد أن عباس يستغل ضعف إسرائيل في الحلبة الدولية ليشن عليها حملات سياسية، رغم أن أغلبية الجمهور الفلسطيني يعارض استمرار سلطته. وقال ليبرمان إن «مشروعية ولاية أبو مازن القانونية تثير تساؤلات كبيرة». كما أن ليبرمان لا يرى جدوى من التعامل مع رجل الاتصال بين السلطة وإسرائيل محمد المدني، ولذلك مَنَع دخوله إلى الأراضي المحتلة بدعوى التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي.
وعن تاريخ العلاقات مع السلطة الفلسطينية، قال ليبرمان «أيضاً مع الشركاء في الماضي لم يحصل تقدم في أي اتجاه. ويستحيل أن يعرض عليه (على محمود عباس) أكثر مما عرض إيهود أولمرت، تسيبي ليفني وإيهود باراك». وأوضح أن «لا شك أن التنسيق الأمني هامٌ لنا، وأبو مازن يفهم أنه من دون هذا التنسيق يعرض سلطته للخطر، لذلك فإنه لا يصنع جميلاً معنا، ولا يقدم لنا هدية. ينبغي الكف عن التعامل مع التنسيق، وكأنها مصلحة لنا. فإما التنسيق الأمني أو عنف الجهاد وحماس في الضفة». وشدد على أنه يؤيد استمرار التنسيق الأمني، لكن دون اعتباره هدية.
كما عمد ليبرمان في أول لقاء له مع هيئة الأركان العامة للجيش إلى تأكيد أنه لن يخرج إلى حرب غير اضطرارية، محذراً من منهج المغامرة، لكنه بالأمس قال إنه «لا يوجد مكانٌ لخداع الذات في ما يتعلق بحماس. لا يوجد سبب لمنحهم ميناء في غزة («كلام فارغ بالمطلق»)، وفرصة التوصل الى اتفاق سياسي مع هذه المنظمة هي صفر». وزعم أن المنظمة «لا تريد مصلحة سكان غزة، وهي لديها هدف واحد هو القضاء على اسرائيل، لهذا تقوم ببناء قوتها العسكرية. الاستنتاج من ذلك هو أن المواجهة العسكرية المستقبلية مع حماس محتومة، لكن لا يجب على اسرائيل أن تسارع اليها. وحينما تندلع، عليها العمل على إسقاط سلطة حماس في غزة. وبعد الحرب، سيكون هناك من يأخذ الحكم في القطاع، لكن المقصود ليس أبو مازن، لأن سيطرته هناك لن تكون في مصلحة اسرائيل». وقال «لا شأن لإسرائيل في السيطرة على غزة، ولكن طالما لا يوجد بديل سلطوي، فليس لدينا من نسلمه المفاتيح. ونحن لا يمكننا إدارة حروب استنزاف لا تتوقف».
وأشار ليبرمان إلى احتمالات نشوب حرب لبنان الثالثة، فقال إنه «ليس لدى حزب الله حافزٌ لمحاربة إسرائيل في الظروف الحالية، بسبب انغماسه حتى الرقبة في القتال في سوريا». ومع ذلك، قال إن هناك احتمالات للتصعيد، «فأحياناً الأمر يندلع من دون أن يكون أي من الطرفين راغباً في ذلك».
من جهة ثانية، أعلن ليبرمان عن نية إسرائيل إنشاء حاجز فولاذي تحت الأرض على طول الحدود مع قطاع غزة وبطول حوالي 60 كيلومتراً، لمنع أنفاق «حماس» الهجومية. وبحسب ما أعلن، فإن هذا الحاجز سيغرس بعمق عشرات الأمتار في الأرض وبضع أمتار فوقها، وهو يكلف حوالي 600 مليون دولار. ولاحظ معلقون أن الإعلان عن خطة إنشاء الحاجز تحت الأرض تتناقض مع التغيير الذي يريد ليبرمان إدخاله على السياسة المتبعة مع القطاع والرامية للحسم.
إلى ذلك، سيتوجه ليبرمان غداً الى الولايات المتحدة حيث يلتقي الاثنين نظيره الاميركي اشتون كارتر، بحسب ما اعلن مكتبه في بيان أمس. وستكون هذه اول زيارة يقوم بها الى الخارج منذ توليه حقيبة الدفاع في 30 من ايار الماضي، وتأتي فيما تخوض الحكومتان الاسرائيلية والاميركية مفاوضات منذ اشهر لتجديد اتفاق لعشر سنوات لمنح اسرائيل مساعدات عسكرية.
واندلع جدل في اسرائيل بعد اعلان البيت الابيض في رسالة وجهها الى الكونغرس الثلاثاء الماضي انه يعارض زيادة قدرها 455 مليون دولار كمساعدات عسكرية مضادة للصواريخ.