حول فشل جماعة الإخوان المسلمين

حمادة فراعنة
حجم الخط
لم يتطور موقف الفريق الثالث الذي يقوده الثنائي همام سعيد المراقب العام ونائبه زكي بني إرشيد، لدى حركة الإخوان المسلمين المثلثة الأضلاع في الأردن كما هي اليوم، من موقع التعالي السياسي إلى التراجع نحو سياسات التواضع والقرارات الواقعية الرخوة، لم يتطور موقفهم، ولم يتقدموا كحركة سياسية حزبية في اتخاذ قرارات جريئة بسبب الإحساس العالي بالمسؤولية نحو الوطن وظروفه الصعبة وانعكاسات المحيط التدميري الملاصق بنا، أو نزولاً في احترام المصالح العليا للدولة الأردنية، بل جاء ذلك لدوافع حزبية سياسية، أملتها عوامل التغيير في المعطيات السياسية المحلية والعربية، حصيلة الفشل والإخفاق في الرهان على سياسة تفوق قدراتهم الذاتية ولا تتفق مع السجل التاريخي لحركة سياسية كانت بمجمل مكوناتها وجميع أطرافها حليفة للسياسات الرسمية لأكثر من خمسين عاماً، وهذا هو سبب قوة الانتشار والتوسع والنفوذ الذي تمتعت به الحركة طوال مرحلتي الحرب الباردة دولياً والأحكام العرفية محلياً، حيث كانت المؤسسات الرسمية حاضنة لهم في التربية والأوقاف والمساجد والجامعات، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة متميزة.
لقد اتخذ فريق همام سعيد وزكي بني إرشيد قرارين في غاية الوضوح والأهمية:
الأول: المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أيلول 2016، رغم عدم قبولهم لقانون الانتخاب وعدم رضاهم عنه.
الثاني: تنصيب لجنة مؤقتة لإدارة الجماعة وتولي عبد الحميد الذنيبات رئاستها بما يوحي بعزل الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشد طوعاً عن قيادة الحركة.
وهذا لم يكن ليتم لولا ثقل الفشل ودوافع الحفاظ على الذات، بعد محاولات التقدم نحو اتخاذ سياسات معارضة للسياسة الرسمية، بل والتقدم نحو قفزات سياسية جذرية ثورية متطرفة تمثلت بموقفين:
أولهما: حينما أعلن عزام الهنيدي عن استعداد الجماعة لتولي السلطة السياسية في الأردن، على أثر نجاح حركة حماس الفلسطينية وحصولها على الأغلبية البرلمانية العام 2006 ما أهلها لتقود حكومة السلطة الوطنية منفردة بدون شراكة أي من القوى السياسية، وهو موقف محق أن يقوله وأن يعمل من أجله وأن يسعى عزام الهنيدي وتنظيمه للوصول إليه على أن يكون ذلك انعكاساً لعوامل محلية وطنية، وأن لا يستقوي بعوامل خارجية للوصول إلى سلطة اتخاذ القرار الأردني، وأن يتم ذلك على قاعدة تداول السلطة وفق إفرازات صناديق الاقتراع، لا أن تكون الانتخابات لمرة واحدة أسوة بما حصل في قطاع غزة حيث سلطة "حماس"، سلطة الحزب الواحد، ولا مجال لإجراء أي انتخابات تشريعية أو نقابية أو في البلديات أو مجالس طلبة الجامعات منذ مرور عشر سنوات على تسلمهم للسلطة المنفردة بلا أي شريك، بعد الانقلاب وقرار الحسم العسكري في حزيران 2007.
وثانيهما: ما أورده برنامجهم الإصلاحي في المطالبة بتعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور والتي تتعلق بصلاحيات رأس الدولة، والعمل على تغييرها كي تتقيد صلاحيات رأس الدولة، باتجاه ما سبق وعبر عنه زكي بني إرشيد غير مرة عن تطلعات الجماعة كي تكون "شريكاً في القرار وشريكاً في الحكم"، وهذا التوجه لم يحظ بموافقة كافة توجهات الجماعة، بل لقد فجرت هذه التوجهات الخلافات الداخلية، وحصيلتها هذا التمزق الثلاثي الذي عصف بها.
مشكلة الإخوان المسلمين ليست في غياب الترخيص القانوني الذي حصلت عليه العام 1946 وجددته العام 1952، وبقيت بلا ترخيص قانوني مستجد على الرغم من مرور عشرات السنين على وضعها بلا غطاء قانوني ولكنها ملكت غطاء ما هو أهم من الترخيص القانوني وأقوى وهو الترخيص السياسي والشرعية السياسية، وكان ذلك غطاء لها طوال فترة تحالفها مع السياسات الحكومية الرسمية، وفقدتها حينما فكت تحالفها مع الحكومات المتعاقبة واتخذت قرار المعارضة وأسلوب وسياسات المعارضة، فشاركت مع الأحزاب اليسارية والقومية، والنقابات المهنية، ومجموعة أحمد عبيدات، في تشكيل الجبهة الوطنية للإصلاح العام 2011، حيث أخفقت في الحفاظ على استمرارية الجبهة لأن سقف الإخوان المسلمين السياسي ومطالبتها بتعديل الدستور، وطرح شعار "الشراكة في الحكم" لم يرق للأحزاب القومية واليسارية فأدى ذلك إلى انفراط الجبهة وانسحاب الأحزاب اليسارية والقومية والنقابات المهنية من عضويتها وبقيت إلى اليوم لاسم بلا مضمون وبلا هيكل.
لقد تولى عبد المجيد الذنيبات موقع المراقب العام العام 1994 حتى العام 2006، بعد أن شغل موقع نائب المراقب العام، وتولى سالم الفلاحات موقع المراقب العام منذ 2006، أي أنهما توليا المراقب العام بعد استئناف الحياة البرلمانية، والترخيص للأحزاب السياسية، وإلغاء الأحكام العرفية العام 1990 –1991، وهذا يعني أن كليهما تولى موقع المراقب العام بنفس الترخيص القديم العام 1946 – 1952، ولم يحاولا تجديد الترخيص، وإن حاولا فقد أخفقا، مما يدلل أنهما أيضاً اعتمدا على الترخيص السياسي من قبل الحكومات المتعاقبة انعكاساً لمواقفهم المعلنة في التحالف مع السياسات الرسمية، ومع ذلك خرجا من رحم الجماعة التقليدية، ليكون الأول مراقباً لجمعية جديدة، ويكون الثاني شريكاً في الفريق القيادي الانتظاري الذي يتوسل ولادة تجربة سياسية ليست ذات صلة بالجماعتين التقليدية القديمة والجديدة المستحدثة.
قرارات جماعة الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد في المشاركة بالانتخابات بدون التوصل إلى صفقة متوازنة على غرار سنوات الدلال، وقبولهما الانطواء عن قيادة الجماعة وهما في قلب قيادتها تراجع وانحسار وتسليم علني بالفشل مهما تم تغليف القرارات بعناوين ومفردات وغطاءات مختلفة، ويدلل على أن التراجع شمل الأطراف الثلاثة وإن كان الفريق الأول بقيادة عبد المجيد الذنيبات تراجع بقناعاته، وفريق سالم الفلاحات الثاني بعدم رضاه، أما الفريق الثالث فقد تراجع مهزوماً حانياً رأسه أمام قوة التغيير بعد فشل أغلبية فصائل حركة الإخوان المسلمين في مصر وسورية واليمن وغزة، وعجزها عن تقديم نموذج أفضل من الأنظمة الديكتاتورية، وأنظمة الحزب الواحد، واللون الواحد والطائفة الواحدة، وفي الأردن وإن لم يحققوا أهدافهم ولكنهم فشلوا في اختيار البرنامج الواقعي العملي التدريجي ذات الطابع الديمقراطي التعددي وحاولوا القفز إلى الأمام فانكسرت طاقتهم وباتوا أسرى لمعطيات لن يستطيعوا تجاهلها أو انتكاسة يصعب تغييرها إلى مدى غير منظور.