مؤتمر هرتسليا ـ 16 : قراءة سريعة !!

هاني حبيب
حجم الخط
ككل عام، انطلقت قبل أيام أعمال مؤتمر «هرتسليا للمناعة القومية» السادس عشر، تحت شعار «أمل إسرائيلي.. رؤيا أم حلم» ورغم خطورة الهدف المعلن من قبل رئيس الدولة العبرية رؤوفين ريفلين، هو صياغة هوية إسرائيلية جديدة لإسرائيل اليهودية الديمقراطية، هوية جامعة للقبائل الأربع ـ حسب توصيف ريفلين: العلمانيين والصهيونية الدينية والحريديم والعرب» رغم خطورة هذا الهدف على مستقبل الوجود العربي في دولة الاحتلال، إلاّ ان هذا المؤتمر لم يحظَ باهتمام أصحاب الرأي ووسائل الإعلام، بالقدر الذي تنطوي أعمال هذا المؤتمر على مخاطر، واكتفى هؤلاء بالغوص في مسألة المشاركة الفلسطينية والعربية وإدانتها بشكل عام، وشخصياً أتفق مع هذه الإدانة ـ إلاّ أن الأمر يتطلب الغوص في المخاطر التي ناقشها هذا المؤتمر الذي انتهت أعماله بعد سلسلة من التقارير والمواقف والتهديدات والتصورات.
ولعلّ أخطر ما في الشعار ـ الرؤية ـ الهدف، الذي تحدث عنه ريفلين، هو مصطلح الدولة «اليهودية ـ الديمقراطية» كهوية لدولة الاحتلال، ذلك أن الدمج بين متناقضين، من الناحية النظرية والعملية، يصبح أمراً مُسوّغاً عندما يتعلق الأمر بالدولة العبرية، هذا الأمر ليس بالجديد، لكن إدماج العرب بهذه الهُوية تحت شعار تقاسم العبء مع المساواة، ما هو إلاّ الشكل الأحدث لمصادرة حقوق العرب، المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين في اطار ملتبس، إضافة إلى كونه اطارا محفوفا بالسياسات العنصرية على المستويات الرسمية و»الشعبية» على حد سواء.
إن مجمل ما تقدم به المشاركون في هذا المؤتمر، ينحصر بشكل أساسي حول توفير الأمن والمنعة للدولة العبرية في ظل المتغيرات المتسارعة، ومدى قدرة إسرائيل على توظيفها لصالح استقرارها الآمن وطموحاتها ومخططاتها، إثر مؤتمر فكري أمني بامتياز، باعتبار أن الهدف الرئيس ينحصر في تحديد المخاطر واستثمار الفرص المتجددة بتأثير التحولات في المنطقة، وهوية المشاركين ونقاشاتهم تعكس هذه المخاطر وهذه الفرص، وهو الأمر الذي يجب مناقشته على الصعيدين، الفلسطيني والعربي.
كيسنجر ضيف شرف أعمال المؤتمر ـ أعرب عن قلقه وخوفه، بل استخدم تعبير «مذعور» إزاء مستقبل إسرائيل على المستوى الأبعد، رغم أنها هي الأقوى وما متاح لها من فرص جديدة للتعاون مع بعض الدول العربية، إلاّ أن الدولة العبرية، ستواجه تحديات مصيرية في المستقبل، ولعلّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي هليفي فسر ما أشار إليه كيسنجر من تحديات مستقبلية، عندما أشار إلى أن إسرائيل قوية حقاً، لكنها لم تعد تواجه جيوشاً نظامية، بل «منظمات إرهابية» الأمر الذي يجعل الانتصار أمامها أمراً أكثر صعوبة.
وما زلنا نتحدث عن أقوال هليفي: «سورية لن تنعم بوحدة أراضيها تحت زعامة قائد واحد في السنوات القريبة القادمة، وان أسوأ نهاية ممكنة للصراع في سورية بالنسبة إلى إسرائيل هي اندحار الدولة الإسلامية ـ داعش وانحسار رقعة نفوذها وتأثيرها وبقاء المحور الراديكالي المتمثل بإيران وحزب الله».
يقول هليفي هذا الكلام في حضور ممثل عن المعارضة السورية، «الجيش الحر»، عصام زيتون الذي تعتبر مشاركته هي الأولى من نوعها، يعترف هليفي بخطورة القضاء على داعش على مستقبل الدولة العبرية، مبتهجاً بانقسام وتقسيم أرض الوطن السوري، بينما ينشغل ممثل المعارضة السورية، بتبرير مشاركته بضرورة أن «يثبت الجيش السوري الحر أنه ما زال موجودا»! ومع أنه كان من المقدّر أن تشكل هذه المشاركة صدمة للعديد من المراقبين، إلاّ أنها لم تكن كذلك، إذ إن التعاون بين بعض قوى المعارضة السورية وإسرائيل، بات مكشوفاً ومعلناً على أكثر من صعيد!
وفقاً كما جاء على لسان هليفي بما يخص الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لا يبدو أن هناك جديدا، لوم أبو مازن كونه ينشغل بتدويل القضية الفلسطينية بديلاً عن المفاوضات المباشرة، وان التعامل مع حركة حماس ينطلق من ثلاثة أسس: إبقاء حماس في حالة ردع وتقليص قدراتها القتالية، وتحسين أوضاع المواطنين في قطاع غزة، والقضاء على حركة حماس، لم يرد على لسان هليفي كما جرى الأمر في مؤتمرات هرتسليا السابقة!!
الخط الأساسي الذي تواجهه إسرائيل أمنياً، يأتي من لبنان وحزب الله تحديداً، وفي حرب قادمة، ستكون الأمور صعبة للغاية، لكن لبنان سيدمر وسيصبح دولة لاجئين، بينما إسرائيل قادرة على إعادة بناء نفسها من جديد.
لم نتمكن من مراجعة كافة مشاركة المشاركين في المؤتمر، لذلك فإن هذه المساحة اهتمت بما هو بمتناول اليد، على أمل مراجعة باقي المشاركات التي نتوقع أن يقوم مركز «مدار» بهذه المهمة الأكثر تخصُّصاً، إلاّ أننا في هذا السياق، نؤكد ضرورة أن تحظى أعمال المؤتمر بالأهمية التي تنطوي عليها خطورة الشعارات والأقوال والمواقف والتصريحات!!