باتت سياسة الاغتيالات التي تتبعها إسرائيل، أبرز سمات الدعاية الانتخابية والتنافس بين قادة الأحزاب الإسرائيلية، لاعتبارها جزءاً أساسياً من العدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني، ووسيلة يستعاض بها عن تنفيذ عمليات عسكرية واسعة.
فبعد عام 1948 أصبحت الاغتيالات سياسة راسخة عند قادة إسرائيل لا سيما أنهم شاركوا في عدد كبير من الاغتيالات المبرمجة، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء إسرائيل من قبيل إسحق شامير، وإسحق رابين وآرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا في إطار العصابات الصهيونية، الهاغانا، والشتيرن والأرغون وغيرها من العصابات الصهيونية.
وقد يكون من أهم أعمالهم قبل عام 1948 التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، وتوجت أعمالهم في اغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس في 17 أيلول (سبتمبر) من عام 1948 بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين فيه إسرائيل ويحملها تبعات النكبة الكبرى في المذكور.
ولم تتوقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية، حيث حفل تاريخ إسرائيل منذ نشأتها في أيار (مايو) 1948 بملاحقة بعض الشخصيات العربية والفلسطينية التي تعتبرها مناهضة لتلك السياسة واغتيالها حتى في بعض دول أوروبا وأميركا، وليس في العواصم العربية مثل تونس وبيروت فحسب، وأصبحت الاغتيالات نهجاً إسرائيلياً ثابتاً تبنته كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام المذكور.
ويعتقد أن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لم تكن مقوننة في إطار القانون الإسرائيلي المزيف، إلا أن الحقائق باتت راسخة بعد عمليات الاغتيال خلال العقدين المنصرمين، وإشراف المؤسسة التنفيذية عليها، لجهة قوننة تلك السياسة الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني ورموزه بغض النظر عن الخلفية السياسية لهذا الرمز أو ذاك.
وفي هذا السياق أكدت تانيا راينهات أستاذة اللسانيات في جامعة تل أبيب في كتابها المترجم في دار الفكر في دمشق قبل سنوات، أن سياسة الاغتيال السياسي ليست جديدة في إسرائيل، لقد استخدمتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، بما في ذلك أثناء السنوات التي تلت اتفاقات أوسلو الموقعة في عام 1993.
ويعتبر متابعون أن النمط الإسرائيلي من الاغتيالات منذ انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول (سبتمبر) من عام 2000 غير مسبوق، حيث بلغ ذروته باغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السابق.
وأشار المحلل السياسي الإسرائيلي عوزي بنزيمان أكثر من مرة إلى أن عمليات الاغتيال التي تمّ اتخاذها من أعلى الهرم السياسي، تفرض ظروفاً تحفز إسرائيل على استئناف عملياتها العسكرية وتسرع دائرة العنف بعد مرور فترة وجيزة من الهدوء مع الفلسطينيين.
واللافت أن أخطر قرار في مباركة وقوننة عمليات الاغتيال الإسرائيلية صدر عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 3 تموز (يوليو) 2001، حيث أشار إلى مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد النشطين الفلسطينيين، وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك حيث أكد في الأول من آب (اغسطس) من العام نفسه أنه قرر اتباع السياسة المذكورة، وليس هناك أحد من الفلسطينيين محصناً أمام الاغتيال. وقد نشهد عمليات اغتيال إسرائيلية مدروسة بعد فترة وجيزة لبعض النشطاء والسياسيين الفلسطينيين، بخاصة في ظل تفاقم العنصرية الإسرائيلية، وعودة ليبرمان إلى حكومة نتانياهو قبل أيام.
ثمة خطاب جامع بين السياسيين والقادة الإسرائيليين، يعتبرون من خلاله عمليات اغتيال الفلسطينيين ناجعة لتحقيق رزمة من الأهداف، وفي هذا السياق أعلن أفرايم سينيه نائب وزير الحرب الأسبق، أكثر من مرة أن الجيش الإسرائيلي سيواصل ضرب الفلسطينيين، وأن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين تعتبر وسيلة فاعلة وأكثر دقة من غيرها، في حين زعم الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف في مقابلات صحافية أن اغتيال إسرائيل لكوادر فلسطينية يندرج في إطار الدفاع عن النفس.
يلحظ المتابع للقضية الفلسطينية منذ عام 1948 أن إسرائيل أدارت ظهرها لكل قرارات الشرعية الدولية التي تدين وتحرم سياسات الاغتيال، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين اغتالت الشرعية الدولية نفسها باغتيالها الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت في القدس العام 1948، أي بعد إنشاء إسرائيل بأربعة أشهر فقط.
وتعتبر عملية اغتياله، اغتيالاً للحقيقة حيث سعى إلى إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة فيها توصيف دقيق للممارسات الصهيونية وعمليات الطرد التي طاولت آلاف العرب من قراهم ومدنهم في أنحاء فلسطين.
وتبعاً لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية المكملة للعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، باتت الضرورة تتطلب، تشكيل مكتب إعلامي عربي دائم في إطار مؤسسات الجامعة العربية، يضم خيرة الباحثين العرب في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع، وإعلاميين متمرسين وحقوقيين لفضح شخصية إسرائيل الحقيقية وممارستها اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، وهناك إمكانات متوافرة لكنها مشتتة ويمكن تجميعها.
ومن المفيد أيضاً أن تقوم الفضائيات العربية ببث برامج وأفلام وثائقية باللغات، الإنكليزية والفرنسية والألمانية لساعات خلال الأسبوع، لتوضيح ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وفي شكل خاص عمليات الاغتيال التي طاولت رموزاً وشخصيات فلسطينية وعربية ودولية، وقد يحد ذلك من الخلل الذي رسمته أدوات الإعلام الإسرائيلي في الغرب، والذي شوّه إلى حد كبير صورة العربي عند الكثير من تلك الدول وشعوبها.
عن الحياة اللندنية