العلاقة الجدلية بين "الانا" و "النحن" هي علاقة دائمة وازلية، ولا يمكن سلخ اي منهما عن الاخرى أو الفصل التعسفي بينهما. ف"الانا" لا يمكن أن تكتمل وتتطور دون "النحن" والعكس صحيح. هذا الترابط والتداخل العميق يعمق عملية التكامل والتعاضد بين الفرد والجماعة البشرية، التي يعيش بين ظهرانيها.
لكن ليس كل "انا" في هذا المجتمع او ذاك لها نفس السمات والخصال. فمن إنسان لآخر بغض النظر عن جنسه، هناك تباين، وهذا يعود لدور ومكانة هذا او ذاك في المجموعة البشرية الحاضنة له والمنتمي لها. ومن منطق الاشياء والتجارب البشرية، هناك إنسان، وهناك إنسان. ولكن اي كانت درجة التباين والتفاوت بين هذه "الانا" او تلك، لا يمكن إستصغار شأن اي إنسان او تبهيت دوره في نطاق المجتمع ككل. لان التمييز او إستصغار شأن الفرد في المجتمع، يعني خلق هوة تتجاوز البعد الطبقي الاجتماعي؛ أضف إلى ان مثل ذلك الانتقاص لقيمة العامة يمنح القائمون على البناء الفوقي الحق في إرتكاب جرائم وانتهاكات خطيرة، قد تمس بقيمة ومكانة الانسان عموما. فضلا عن انها يمكن ان تتجاوز حدود مجتمع بعينه لتطال مجتمعات متصارعة فيما بينها. وبالتالي تنمي النزعات الاستعلائية والعنصرية.
"الانا" المدركة طبيعة العلاقة التكاملية مع "النحن"، هي "الانا" القادرة على التفاعل والانتاج الايجابي في المجتمع المحدد. ولكن "الانا" المتضخمة، التي لا ترى إلآ نفسها دون "النحن"، وتتعامل بنرجسية عالية تخرب أكثر مما تعمر، وتهدم ركائز الجدل المبدع والخلاق، وتؤصل للنزعات الفردية والسياسات الديكتاتورية، وبالتي تنعكس على المجتمع برمته. كما ان "النحن" إذا ما إستسلموا ل"لانا"، ولم يحاولوا ضبط إيقاعها وسلوكياتها، فإنها بالضرورة ستمتهن "النحن جميعا" بغض النظر التركيبة العامة للمجتمع، وسيمنحونها "الانا" العالية الشروط الذاتية لإعلاء شأن "اناه" عليهم جميعا.
ولهذا وبغض النظر عن طبيعة "الانا" العليا في المجتمعات المختلفة، ولضبطها، ومحاصرة اية نزعات خاطئة وغير مبررة، فإن "النحن" في سياق عملية التطور الاجتماعية/ الاقتصادية والقانونية وانعكاساتها السياسية، بحاجة ماسة لان تفرض تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وصياغة عقد إجتماعي يرتقي لحاجات "النحن" ويحول دون تسلط وإفساد "الانا" من خلال إلزام "الانا" الفرد الانسان او الحزب بالتنظيم الدوري للانتخابات في كل مستويات الحياة؛ وتقليص دور الفرد لصالح المجتمع دون تفريغ "الانا" من محتواها الايجابي، وحقها في الادارة الصحيحة والناجحة؛ والاقرار بالتداول السلمي للسلطة؛ وتعميق وتعميد ثقافة "النحن" في اوساط المجتمع، ومنحها الكلمة الفصل في تقرير مستقبل الشعب وليس العكس؛ والالتزام بمعايير الديمقراطية في مستويات الحياة المختلفة.
إذا الضرورة تفترض تعميم وترسيخ ثقافة "النحن" دون هضم وحق "الانا". لان دور الفرد الانسان ليس محصورا في موقع الحاكم، انما هو موجود على إمتداد مساحة المجتمع بطبقاته وشرائحه وفئاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التربوية، وحتى يبدع هذا الانسان إمرأة ام رجل، فلا بد من منحه حرية الابداع والخلق في ميدان تخصصه، وعدم محاصرته.
لكن في حال غابت المعايير الناظمة للعلاقة بين "الانا" و "النحن"، وفقدت حالة التناغم والانسجام بينهما، وترك الحبل على الغارب امام "الانا" فإن النتيجة، ستكون غير إيجابية لا بل وخيمة، وسيكون المجتمع مفتوحا لكل المثالب والخطايا، التي تهدد وحدته وسلامتة وتطوره على الصعد المختلفة. وبالتالي لا خيار للمجتمعات البشرية من الربط العميق بين الفرد والجماعة، وإعطاء كل مستوى دوره وحقه في عملية البناء والتطور، لان إختلال التوازن الايجابي لا يخدم المجتمع باي حال من الاحوال. وفي كل مراحل التاريخ السابقة عندما حدث الاختلال الفاضح لصالح "الانا" على حساب "النحن" وقعت البشرية في كوارث داخلية وعالمية.