حكاية الأب "الانقسام" والابنة "المصالحة"

غسان زقطان
حجم الخط
ومع انقضاء السنة التاسعة لانقلاب حماس واستيلائها على قطاع غزة، أصبح «الانقسام» بندا اساسيا في حياة الفلسطينيين، مثل الاحتلال والفصائل واتفاق أوسلو وملاحقه واتفاقية المهد ومبعديها، واتفاقية باريس وارتجال البرامج وبلاغة الممانعة والناطقين باسمها، وفساد النخب، ورغبة الناس الخالدة بالخلاص.
«الانقسام» انتج «المصالحة».
 «المصالحة» أصبحت ابنة «الانقسام» المطيعة، التي تكبر الى جانبه، وترعاه وتعد طعامه وتسقيه وتغسل ثيابه وتكويها، وتروي له قصصا، عنّأ، ليضحك في القيلولة.
 «المصالحة» تطورت من رغبة طيبة الى مخلوق سياسي اضافي، نوع من « الفصائل « المتطورة التي تتصيد نزعات الشارع ورغباته وتحولها الى شعار.
 ستنمو حول الشعار كائنات على شكل وفود.
 وستتمدد الوفود على شكل جولات.
الكائن الذي اسمه «الانقسام» يتقدم من الظل ساحبا العتمة ويواصل التهامه لكل ما يحيط به، يأكل ولا يشبع، يأكل ولا يتوقف، يأكل ولا يغسل يديه و «المصالحة» تطعمه وتأكل أيضا، وتقدم له  أحلام الناس ورغباتهم، ضحك أولادهم، ما راكموه خلال عقود طويلة من التعب والجهد والخسارات، الانتصارات الصغيرة المحفوظة في خزائن القلوب، تلك التي تساعدهم على تحمل غياب الاخوة وتأمل الأماكن الخالية على العشاء، السور القصار المتروكة على شواهد القبور، العناد الذي يحاربون به اليأس، الايمان الذي يستخرجونه من مناجم غامضة في ارواحهم.
يواصل «الانقسام» كسر نوافذهم ومراياهم  واتلاف صورهم على الجدران، وحرق كتبهم التي احتفظوا بها على الرفوف القليلة، ويتسلل الى غرف بناتهم وأولادهم ويدخل في الأحلام التي تطوف في نومهم، ويعلق صورا لأشخاص يصلون من كوابيس مجاورة.
«المصالحة» تنقل الماء ل»لانقسام».
«المصالحة» تواصل تأليف القصص الساذجة وسردها على المارة والهاجعين.
الأب والابنة يواصلان التجول في الشوارع والأسواق ويمسكان الناس من ياقاتهم وأرواحهم دون رأفة، لم تعد الرأفة ضرورية بعد أن أنجز العمل.
الأب الذئب والابنة الشريرة يواصلان قضم ما تبقى من حياة الناس وسرقة ما بقي أحلامهم.