هل أوشكت مصر على الإفلاس؟

thumbgen (7)
حجم الخط
 

هل أوشكت مصر على الإفلاس؟!!سؤال يطرح بشدة على الساحة المصرية خلال هذه الآونة خاصة بعد أن أعلن البنك المركزى
المصرى أن حجم الدين الخارجى قد وصل إلى نحو 53 مليار دولارا وهو ما اعتبره البعض مبلغا كبيرا لن تستطيع البلاد سداده خاصة فى ظل الأزمة المالية الحالية وازدياد عجز الموارنة. ولاشك أن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب البحث فى الطاقة الافتراضية للدولة وهو ما سبق أن تناولناه فى المقال قبل السابق، والذى أوضحنا فيه أهم المؤشرات التى يمكن الاستناد إليها عند الحديث عن الدين الخارجى ومشكلاته مثل نسبته إلى الناتج المحلى، وكذلك نسبته إلى إجمالى قيمة الصادرات السلعية والخدمية، وكذلك أوضحنا أن قدرة الدولة على خدمة الديون الخارجية تتوقف على حصيلة الصادرات وهيكلها وطبيعتها وكذلك حركة الاستثمارات الأجنبية الداخلة للبلاد، وأيضا هيكل الواردات وطبيعتها، وأيضا الاحتياطيات الدولية. أما فى الاجلين المتوسط والطويل فإن المسألة ترتبط بمعدلات النمو والفجوة بين الادخار والاستثمار، فالادخار لا يعد أحد أهم مصادر تمويل الاستثمارات فحسب، بل هو المصدر الرئيسى لها، حتى فى ظل تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، بل إنه ضرورى لجذب هذه الأموال. فنجاح أى مشروع جاد، فى المديين المتوسط والطويل يتوقف على حسن أداء الاقتصاد فى مجموعه. وزيادة المدخرات المحلية وتعبئتها فى استثمارات رشيدة ومنتجة.
فإذا كان تحقيق مستوى مرتفع للنمو الاقتصادى يتطلب إحداث زيادات منتظمة فى رأس المال وكذلك فى فاعلية استخدامه، فإن ازدياد حجم الاستثمارات لن يكون قابلا للاستمرار إلا إذا تحقق بشكل ينسجم مع وجود وضع اقتصادى سليم وبيئة استثمارية مناسبة. وهو ما يتطلب أيضا، وبنفس القدر، الاهتمام بتعبئة المدخرات المحلية.وهنا نلحظ أن معدل الادخار المحلى فى تراجع مستمر خلال الفترة الماضية، إذ هبط من 14.3 % عام 2009/2010 إلى 5.2% عام 2014/2015. وهو معدل منخفض للغاية لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع معدلات الاستثمار المطلوبة لرفع معدل النمو بما يحقق الأهداف التنموية للبلاد، وامتصاص البطالة المرتفعة. وأدى ذلك إلى اتساع فجوة الموارد المحلية، ومن ثم البحث عن موارد خارجية، من خارج الاقتصاد القومي.وتأخذ هذه الموارد عدة أشكال، لكنها تنقسم كلها إلى مجموعتين، موارد أو تدفقات غير مولدة للمديونية، مثل المنح والهبات والتحويلات الخاصة. والاستثمار المباشر وتحويلات مولدة للمديونية كالقروض والسلفيات والسندات الوطنية فى الأسواق الدولية وغيرها من أدوات الاستدانة. ويلاحظ أنه عند تصنيف هذه التدفقات، لا نجرى أى تفرقة بين العام والخاص، فكلاهما يمثل إضافة للاقتصاد القومى، وكلاهما (فى حالة الديون) يمثل التزاما على الاقتصاد القومي.وبالتالى يجب أن توضع معايير ومحاذير محددة حول الاقتراض من الخارج حتى لا تفوق أعباء القروض قدرة الاقتصاد القومى على خدمتها.
من هذا المنطلق يمكننا الاستمرار فى النقاش عن طريق تحليل هيكل وتركيبة الدين العام ككل (الداخلى والخارجي) وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من الزيادة فى القيمة المطلقة للدين الخارجى فإن نسبته إلى الناتج المحلى قد تراجعت من 16.4 % بنهاية يونيو 2013 الى نحو 15% فى الآونة الحالية. ويعد العام المالى 2012/2013 هو عام الزيادة الكبيرة فى حجم الدين حيث ارتفعت نسبته من 12.5% خلال العام 2011/2012 إلى 16.4% خلال العام المشار إليه.حيث زاد الدين الخارجى آنذاك بنحو 26% إذ ارتفع من 34 مليار دولار إلى 43 مليارا خلال العامين المذكورين، وهو ما يرجع بالأساس إلى الزيادة الكبيرة فى عجز الموازنة العامة للدولة خلال العام المشار إليه والتى وصلت إلى 13.7%.
وعلى الجانب الآخر فان الديون القصيرة الأجل قد انخفضت نسبتها من إجمالى الدين الخارجى من 16.3 % عام 2012/2013 الى 5.4% عام 2014/2015 وكذلك انخفضت نسبتها إلى صافى الاحتياطيات الدولية من 47% إلى نحو 13% وهو مؤشر إيجابى بلا شك.
ولا ينبغى ان يفهم من ذلك ان الأمور على ما يرام، بل العكس صحيح فهناك مشكلة حقيقية تواجه الاقتصاد المصرى فى هذه المسألة تكمن فى أعباء هذه المديونية إذ إن نسبة خدمة الدين الخارجى الى الصادرات من السلع والخدمات قد ارتفعت من 7.3% عام 2013/2014 إلى 12.8% عام 2014/2015، وكذلك ارتفعت خدمة الدين كنسبة من المتحصلات الجارية من 4.3% الى 8.5% خلال نفس الفترة. وبالتالى فإن المسألة تتطلب عدم التهويل وكذلك عدم التهوين ولكن رؤية موضوعية وعلمية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحد الأمور المهمة التى جاءت فى المراجعات الفكرية لصندوق النقد الدولى قد تناولت هذه المسألة حيث أشارت إلى ان الليبرالية الجديدة قد أخطأت حين ركزت على وضع حدود معينة لعجز الموازنة ليمكن الحكومة من معالجة الدين العام، ورأت أن وضع سياسات تقشفية لتحقيق هذه المسألة قد أدى فى بعض التجارب الى نتائج عكسية فالبطء الشديد فى النمو أفقد الأسواق الثقة والقدرة على تحقيق هذه الأهداف كما ادى إلى زيادة البطالة واتساع دائرة الفقر، مع عدم إنكار الأثر السيئ لارتفاع حجم الدين ويصبح الامل معقودا على السماح بانخفاض نسبة الدين بطريقة طبيعية من خلال النمو وهو ما يتوقف بطبيعة الحال على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد. من هذا المنطلق جاءت العبارة الشهيرة التى أصبحت تتردد بشدة فى أدبيات صندوق النقد الدولى أن كل بلدان العالم عليها أن تتكيف مع الواقع الجديد ولكن ليس هناك حل واحد يناسب الجميع.
فى هذا السياق بدأ البعض يرجع إلى الدراسات القديمة التى أجراها البعض، وخاصة دانى رودريك التى أشار فيها إلى أن نهضة البلدان لتحقيق نمو سريع لا تتطلب الكثير ولا إعداد قائمة طويلة من الإجراءات والسياسات ولكنها تتطلب بالأساس تحديد القيود المعوقة للنمو والتغلب عليها من خلال عمليات تدخل مصممة جيدا ولكنها صغيرة نسبيا، وهو ما يتطلب حلولا انتقائية تجمع بين أدوار السوق والحكومة وتحديد الإصلاحات الجوهرية والأساسية المطلوبة، خاصة أن هناك العديد من الطرق التى يمكن أن تحدث النمو وعليها فقط اختيار الأنسب والأفضل فى مرحلة التطور. وبالتالى فان إدارة الدين العام يجب أن تضع نصب أعينها عدة أمور منها تدبير التمويل من القطاع غير الحكومى لتغطية احتياجات اقتراض الحكومة. مع العمل على تخفيض تكلفة الاقتراض إلى أدنى حد، أخذا بالحسبان التنسيق مع السياسة النقدية. وهو ما يتطلب حسن إدارة التدفقات النقدية واستبدال الدين العالى التكلفة بديون منخفضة التكاليف بالوسائل العالمية المالية المعروفة. 
عن الاهرام