الدور العربي إزاء المبادرة الفرنسية

طلال عوكل
حجم الخط
من المبكر الحكم على المبادرة التي بدأت فرنسية، وتحولت إلى مبادرة دولية بامتياز، دون أن تفقد محركها الأساسي وهو فرنسا.
المبادرة بعد الاجتماع الوزاري الموسع الذي انعقد في الثالث من هذا الشهر، حصلت على دفعة قوية أخرى إثر الاجتماع الذي انعقد في بروكسل لوزراء خارجية ثمان وعشرين دولة هي كل دول الاتحاد الأوروبي.
وزراء الاتحاد الأوروبي أصدروا في ختام اجتماعهم بياناً يشير إلى جدية التوجه الأوروبي الجماعي نحو إحياء عملية السلام، وإنقاذ رؤية الدولتين.
البيان الوزاري، استخدم العصا والجزرة، في مخاطبة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لم يكن ثمة حاجة للمجلس الوزاري الأوروبي لأن يلوح بالعصا للفلسطينيين الذين رحبوا بسرعة ومراراً بالمبادرة الفرنسية منذ أن كانت مجرد أفكار يجري تداولها دون التأكد من أنها ستتحول إلى مبادرة جدية فالمشكلة محصورة بالموقف الإسرائيلي الذي رفض المبادرة منذ أن تداولتها وسائل الإعلام.
كان لا بد إذاً من أن يربط الاتحاد الأوروبي بين موافقة إسرائيل على المبادرة، وإقدام الاتحاد على رفع مستوى العلاقة والشراكة مع إسرائيل إلى مستوى الأولوية.
أما فيما يتعلق بالجزرة فقد أشار البيان إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم اقتصادي ومكافآت غير مسبوقة لإغراء الطرفين بالانخراط الإيجابي في المبادرة.
لو أننا سألنا عن نوع وكم الدعم الذي وعد الاتحاد الأوروبي بتقديمه للطرفين، فإن علينا أن لا نتوقع أي قدر من التوازن، فإذا كانت السلطة ستستفيد من دعم مالي إضافي لخزينتها، وتنشيط الاستثمارات الاقتصادية في أراضي السلطة، فإن كل ما يمكن أن تحصل عليه السلطة، لن يكون أكثر من «فكة» بالنسبة لما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل.
أوروبا مستعدة للتعامل مع عقلية الابتزاز الإسرائيلي التي نجحت حتى الآن في ابتزاز المانيا، لعقود طويلة حصلت خلالها إسرائيل على مئات المليارات، بالإضافة إلى دعم عسكري وأمني ضخم.
في هذا الإطار من الطبيعي أن نتوقع دعماً أميركياً صامتاً للتوجه الأوروبي، إذ لا يمكن أن نتصور بأن فرنسا، وبعد ذلك أوروبا، مستعدة لأن تتجاوز الدور والسياسة الأميركية إزاء ملف الشرق الأوسط الذي ظلت الولايات المتحدة ولا تزال تواصل احتكاره.
والسؤال الذي يقفز إلى الواجهة هو إذا كانت أوروبا ستنجح في استمالة الطرفين للتعامل الإيجابي مع المبادرة، من خلال تقديم مكافآت سخية غير مسبوقة، فهل سيكون الثمن الأكبر من جيب الدول العربية التي تبدي حماسة غير معهودة لدعم المبادرة الفرنسية، حتى أنها أصبحت شريكة فيها؟
من الواضح أن خطوط الاتصال والتعاون بين بعض الدول العربية وإسرائيل، قد انفتحت على الواسع قبل أكثر من سنتين وأن هذا التعاون يتسع يوماً بعد الآخر، لدرجة لم يعد بالإمكان معها إعادة العجلة إلى الوراء.
العرب المعنيون، متحمسون للتسوية بأي ثمن يرضى به الفلسطينيون وتقبله إسرائيل، لأنهم بحاجة إلى غطاء سياسي يستعجلونه للانفتاح الكامل والعلني على علاقة تعاون مع إسرائيل بذريعة مواجهة الهلال الشيعي الذي يتمدد في المنطقة ويهدد استقرار منطقة الخليج بالدرجة الأولى.
أحد التقارير الصحافية الأميركية التي نشرت مؤخراً أشار إلى أن إحدى الدول العربية صرفت نحو ستة عشر ملياراً من الدولارات، لصالح إسرائيل جزء منها تم استخدامه في البناء الاستيطاني، لكن السلطة كمن يبتلع الموسى فلا هي قادرة على فضح الأمر، ولا من مصلحتها التكتم عليه بعد أن أصبح أمراً معروفاً للقاصي والداني.
واضح أن السياسة التي تؤشر عليها هذه العلاقات التي تشبه الزواج السري، تقوم على مبدأ «يا روح ما بعدك روح»، وان المصلحة الوطنية لها الأولوية على المصلحة القومية، حتى لو كان التخلي عن المصلحة القومية المتمثلة بالقضية الفلسطينية ربما يكون سبباً مهماً في تقويض استقرار المنطقة والمنطق القطري.
في ضوء هذا التعامل، من غير المرجح أن تخضع إسرائيل لتهديد الاتحاد الأوروبي، فهي قادرة على المواصلة دون المزيد من الدعم الأوروبي، وتستطيع أن تعوض ذلك، من خلال الولايات المتحدة ومن خلال تصعيد دورها كشرطي بلطجي في المنطقة بما يفرض على الدول التي تصطك ركبها من المد الشيعي، أن تدفع أكثر لصالح إسرائيل.
إذا كانت إسرائيل ستواصل موقفها ودورها الرافض للتعاطي مع المبادرة الفرنسية، والعمل على إفشالها فإن تدويل الصراع والحل، هو من مصلحة الفلسطينيين، قد لا تعني هذه المصلحة أن أوروبا ستتحول نحو تبني السياسة الفلسطينية وتتخذ عقوبات ضد إسرائيل وهو أمر غير متوقع، لكن الساحة الدولية ستكون مفتوحة أمام الفلسطينيين لتحقيق إنجازات لا يستهان بها في سياق صراع طويل.
وفي ضوء الجدية التي يبديها الاتحاد الأوروبي على الفلسطينيين أن لا يستبعدوا تصعيداً إسرائيلياً خطيراً ضد قطاع غزة وفي الضفة، لخلط الأوراق، وتحويل الأنظار عن المبادرة الفرنسية.