رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساعي أوروبية لعقد اجتماع بينه وبين الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على خلفية اجتماع البرلمان الأوروبي الذي يشارك فيه الرجلان. وكان الرئيس الإسرائيلي قد أعلن في خطابه أمس الأول أن على الدول الأوروبية الكفّ عن محاولة إيجاد حلٍّ دائم للصراع العربي ـ الإسرائيلي، مشيراً إلى أن المبادرة الفرنسية خاسرة سلفاً. وحمل الرئيس الفلسطيني في خطابه أمس على إسرائيل متهماً إياها بانتهاج سياسة ارتكاب المجازر الجماعية.
وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن عباس رفض اقتراحاً قدمه رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتس لعقد لقاء مع ريفلين يوم أمس في العاصمة البلجيكية بروكسل. وقال ديبلوماسي إسرائيلي إن شولتس أبلغ صباح أمس ريفلين برفض عباس الاجتماع به.
وكانت الترتيبات لعقد الاجتماع قد بدأت الأسبوع الماضي أثناء التمهيد لزيارة ريفلين وعباس إلى بروكسل لحضور اجتماع البرلمان الأوروبي وإلقاء كلمة فيه. وأبدى الرئيس الإسرائيلي قبولاً للاجتماع مع عباس، وقام بإطلاع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الفكرة. وبارك نتنياهو الاقتراح بعقد اجتماع هو الأول على مستوى رفيع بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني منذ انهيار المفاوضات قبل عامين. ومعروف أن إسرائيل تعلن منذ فترة، وفي معرض رفضها للمساعي الدولية إيجاد معايير لحل النزاع، استعدادها للقاء أبو مازن في أي مكان وزمان لإجراء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة. لكن الفلسطينيين الذين خبروا المفاوضات المباشرة مع إسرائيل منذ أكثر من عشرين عاماً يرفضون مبدأ المفاوضات من أجل المفاوضات ويصرون على مبادئ محددة.
وكان ريفلين قد عرض وجهة نظر إسرائيل بشأن المساعي الدولية عامة والأوروبية خاصة لحل النزاع العربي الإسرائيلي، حيث أكد أن «السعي لاتفاق دائم الآن هو فشل مؤكد». وطالب ريفلين الإتحاد الأوروبي بالسعي لتعزيز الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين في صيرورة طويلة، وليس التنطح لفرض حل سياسي على إسرائيل. وأوضح أن مبادرة السلام الفرنسية التي تبناها وزراء خارجية الاتحاد مؤخراً تعاني من مواضع خلل جوهرية، بينها الانقسام الفلسطيني بين الضفة والقطاع و «حماس» و «فتح»، والضائقة الاقتصادية التي تزعزع الاستقرار وتغذي العنف، وأخيراً انعدام الثقة بين الطرفين. واعتبر أن الإصرار على حل النزاع حالياً مصيره الفشل الذي سيعمق اليأس ويزيد التطرف لدى الشعبين.
وتحدث ريفلين عن اربعة شروط ضرورية لبناء الثقة بين اسرائيل والفلسطينيين: أولها، تجنيد قوى الاعتدال في المنطقة، وعلى رأسها الأردن ومصر، من اجل منع تهريب الأسلحة، القضاء على التطرف والحفاظ على استقرار المنطقة. وثانيها، تطوير الاقتصاد وشبكات الاتصال في غزة والضفة، وإعادة إعمار غزة وانهاء التراجيديا الانسانية هناك. وثالثها، الاستثمار في مشاريع مشتركة تخلق مصلحة مشتركة. ورابعها التعليم ـ تصفية القلوب لدى الطرفين.
ويخدم خطاب ريفلين السياسة اليمينية القائمة على أساس تخليد الصراع من ناحية وادعاء أن الحل يجب أن يكون اقتصادياً وتربوياً. وهذا يذكر بالسياسة التي انتهجها أرييل شارون، والتي اعتبرها مستشاره السياسي المحامي دوف فايسغلاس «مطالبة الفلسطينيين بأن يصيروا فنلنديين قبل أن يبرم السلام معهم».
وفي خطابه أمس أمام البرلمان الأوروبي، أعلن أبو مازن أن إسرائيل تمارس «القتل الجماعي» بحق الفلسطينيين. وقال إن «أقل ما يقال، حول المشهد الفلسطيني، هو أن فلسطين الوطن والشعب، بتاريخها وتراثها وهويتها وكيانها الجيوسياسي قد تعرضت لمجزرة تاريخية وعملية سطو لا مثيل لها في القرن العشرين، ولا زالت مستمرة في القرن الحادي والعشرين، تحت نظر وسمع المجتمع الدولي وقواه الفاعلة». وتساءل: «أيعقل أن يظل شعبنا الفلسطيني، وهو واحد من أعرق شعوب المنطقة والعالم ثقافة ومعرفة، محروماً من أن تكون له دولته الخاصة به؟ أما آن الأوان لأن يتمتع بحريته دون قيود وعقبات وعراقيل وحواجز عسكرية وبوابات وجسور تفتح وتغلق حسب هوى ومزاج جيش الاحتلال الإسرائيلي؟».
وشرح أبو مازن معاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة قائلاً إن «الفصول السوداء التي عاشها شعبنا، لا تزال مستمرة، فشعبنا في داخل فلسطين يعيش طغيان الاحتلال، بإجراءاته التعسفية وعنصريته البغيضة، أما شعبنا الذي يعيش لاجئاً في الشتات، فلا زال يعيش البؤس والحرمان، لكننا عقدنا العزم على الصمود، والبقاء على أرضنا، والعمل على الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، بالطرق السياسية والدبلوماسية والسلمية، وقد قطعنا شوطاً كبيراً، ونجحنا على المستوى الدولي».
وأضاف: «لقد مرت مئة سنة على وعد بلفور الصادر عام 1917، وثمانٍ وستون سنة على النكبة، التي ارتكبت خلالها القوات الإسرائيلية عام 1948 جرائم قتل ومجازر مروعة، تسببت في تشريد مئات الآلاف من أبناء شعبنا الآمنين وأحالتهم إلى لاجئين، وقامت بإزالة أكثر من 488 قرية وبلدة عن الوجود، والتي عاش فيها شعبنا منذ آلاف السنين».
ورد ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية على خطاب أبو مازن، معتبراً أن الرئيس الفلسطيني «كشف عن وجهه الحقيقي»، وأن «من ينشر فرية الدم (اكاذيب الدم) امام البرلمان الاوروبي هو نفسه الذي يدعي ان يده ممدودة للسلام». وتعامل البيان بغضب مع كلام أبو مازن، قائلاً إن «اسرائيل تنتظر اليوم الذي يتوقف فيه أبو مازن عن نشر الاكاذيب والتحريض ضد اسرائيل والى حين ذلك، ستواصل اسرائيل الدفاع عن نفسها امام التحريض الفلسطيني، وهو الذي يولد الارهاب».
عن ظاهرة القيادات الشابة في أوروبا
02 أكتوبر 2023