الدم الفلسطيني ليس رخيصاً

عبد الناصر النجار
حجم الخط
قبل أسابيع اغتال ضابط إسرائيلي على مرأى ومسمع عشرات جنود الاحتلال وضباطه الشاب عبد الفتاح الشريف في قلب مدينة الخليل... ورغم كل الأدلة التي تم جمعها في حينه ضد هذا المجرم القاتل إلاّ أن الشارع الإسرائيلي بغالبيته وقف إلى جانبه، وعمل على حمايته، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اضطر صاغراً إلى الركض مع الرعاع الذين يرون في الدم الفلسطيني أنه حلال سفكه.
وعندما كانت الهبّة الفلسطينية في أوجها لاحظنا كيف تحولت تعليمات إطلاق النار على الفلسطيني لمجرد الاشتباه... وكم من طفل وشاب استشهدوا بنيران جنود الاحتلال بدعوى الاشتباه. وهذا الاشتباه غير موجود في عالم القرن الحادي والعشرين سوى في إسرائيل.
المأساة تكررت ليل الثلاثاء الماضي، فتح جنود الاحتلال نيرانهم الرشاشة باتجاه سيارة مارة وهي تبعد عنهم عشرات الأمتار، وأيضاً للاشتباه بأن مجموعة من راشقي الحجارة قد فرّوا من السيارة.
السؤال هل يستدعي الرشق بالحجارة في وقت سابق إطلاق النار وقتل الراشق بعد فترة زمنية؟! هذا ما حصل على افتراض فعلاً أن راشقي الحجارة سافروا بالسيارة، فما هي الخطورة التي يمثلونها على جنود الاحتلال المدجّجين بالسلاح... وكيف سيصل حجر إلى جندي يبعد عن الراشق حوالي 100 متر إلا إذا كان الفتية هم خارقو القوة؟!!
ولكن بعد التحقيق الأوّلي، أيضاً، تبين أن الفتية لم يكونوا ضمن راشقي الحجارة وأن حظهم العاثر في تلك اللحظة أدى إلى فتح النيران تجاه السيارة.. وهذه النيران لم توجه إلى عجلات السيارة مثلاً بل بشكل مباشر إلى من بداخلها ما أدى إلى استشهاد الفتى محمود بدران.
الجيش الإسرائيلي اعترف «بالخطأ» ولكن على استحياء. وكأن الأمر ليس بالمهم، وكأن الروح التي زهقت مجرد رقم يضاف إلى آلاف الأرقام من الفلسطينيين الذين ذهبوا ضحية العنصرية الإسرائيلية وانفلات تعليمات إطلاق النار.
حادثة بيت عور التحتا، الثلاثاء الماضي، ينطبق عليها «شرّ البليّة ما يُضحك» لماذا؟! لأن التحقيق الإسرائيلي في هذه القضية وكما ذكرت الصحف الإسرائيلية هو بيد قائد لواء ما يسمى بنيامين برئاسة العقيد إسرائيل شومر.
هل تذكرون من هو العقيد العنصري الذي، أيضاً، ارتكب جريمة قتل وخرج منها حتى دون مساءلة؟
في العام الماضي كان الفتى محمد كسبة من مخيم قلنديا يحلم بمستقبل جميل، ولم يكن يتوقع أن نهايته ستكون على يد العقيد شومر بتهمة، أيضاً، الاشتباه برشق الحجارة. سيارة العقيد كانت تمر قرب حاجز قلنديا عندما ادّعى أنها تعرضت للرشق بالحجارة من قبل مجموعة من الفتية والأطفال الفلسطينيين.. لم تتضرر السيارة ولم يصب العقيد القاتل بأذى، ولكنه تصرف بعقلية تنمّ عن الكراهية والعنصرية والجنون عقب إيقافه سيارته ومطاردة الفتى كسبة عشرات الأمتار ثم إطلاق النار مباشرة عليه ما أدى إلى استشهاده.. فتى هارب وضابط مسلح برشّاش.. لا قانون يمنعه بعدم إطلاق النار بهدف القتل لمجرد الاشتباه، أيضاً.
هذا المجرم هو المحق فكيف ستكون النتيجة سوى تقرير من سطر يؤكد فيه أن إطلاق النار مباح في حال شعر الجنود بخطر يهدد حياتهم، وهي جملة إسرائيلية أصبحت معروفة.
المشكلة أن كل الحوادث التي وقعت أو التي ستقع فإن التحقيق فيها مجرد غطاء للتبرئة، دون عقاب أو حساب وبهذا أصبح الدم الفلسطيني رخيصاً عند قادة الاحتلال وجنوده.
كيف لا وحاخامات يفتون بأن قتل الفلسطيني جائز شرعاً. بل ربما واجب شرعاً، وبناء عليه فإنه لا بد من فضح هذه السياسات العنصرية. ولعلّ خطاب الرئيس أمام البرلمان الأوروبي جاء ضمن هذا الاتجاه رغم الهجوم الشرس من نتنياهو وأعوانه!!