بعد أن جرّب الفلسطينيون كل الخيارات ما عدا المصالحة

طلال عوكل
حجم الخط
بعد أن استوى عدس العلاقات التركية الإسرائيلية وأصبح على وشك أن يوضع على المائدة، وجدت الصحافة المغرضة طريقها إلى الشماتة والتساؤلات الخبيثة التي تتهم تركيا بالتخلي عن شرطها الأثير الذي يربط تطبيع العلاقة مع إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة.
كأن منطق الشماتة يسحب نفسه بطرق مباشرة وغير مباشرة على حركة حماس التي راهنت طويلاً على دور تركي فاعل في التأثير على السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، خصوصاً فيما يتعلق برفع الحصار، ومنح تركيا أفضلية التأثير على الأوضاع في القطاع.
مع اقتراب التوقيع على اتفاق المصالحة الإسرائيلية التركية يتضح أكثر فأكثر، أن استمرار الانقسام الفلسطيني من شأنه أن يستمر لفترة طويلة ويشهد تعقيدات أكثر، إذ ربما تتحقق مصالحات كثيرة في الإقليم، لكن المصالحة الفلسطينية تظل عصية، طالما لم يحدث تغيير جذري كبير، يؤدي إلى تحولات مهمة في مواقف أطرافه التي لا تزال صامدة على حساباتها، رغم التبدلات والتطورات الجارية في المنطقة.
لا يمكن محاكمة تركيا على ما أقدمت عليه دون تحقيق شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، فأوضاعها اليوم تختلف جذرياً عن أوضاعها قبل ست سنوات حين اندلعت الأزمة مع إسرائيل على خلفية جريمة مرمرة، التي اعتذر عنها بنيامين نتنياهو العام 2013 بعد عناد استمر ثلاث سنوات.
في ذلك الوقت كانت تركيا تمتلك الأفضلية في العلاقة مع إسرائيل، فلقد كان وزير خارجيتها آنذاك أحمد داود أوغلو يتحدث عن سياسة «صفر أزمات».
اليوم تتكاثر الأزمات في تركيا ومن حولها، ارتباطاً بالسياسة التركية التي تم اتباعها بعد اندلاع الصراع في سورية، وتفجر هذا الصراع في العراق.
كان من غير الممكن في كل الأحوال لتركيا أن تتجاهل صراعات عميقة ودامية ومدمرة على حدودها مع دولتين عربيتين، خصوصاً وأنها دولة كبيرة ولها تطلعاتها الإقليمية في ظل صراع دولي وإقليمي على المنطقة.
وبينما غرقت تركيا في الكثير من الأزمات بما في ذلك ما تواجهه من إرهاب داخلي، وتوتر في علاقاتها مع روسيا، وخلاف مع الولايات المتحدة، ووضع لا يمكن المراهنة عليه في حلف الأطلسي، كانت إسرائيل تحقق المزيد من النجاحات في التعامل مع الإقليم أطرافه وأزماته.
في العلاقة بين الطرفين تبدو الأفضلية لصالح إسرائيل فهي الطرف الأقدر على فرض شروطه في ضوء معرفته لاحتياجات تركيا الملحة.
غير أن ثمة عوامل أخرى تحول دون أن تحقق تركيا شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، حتى لو كانت في وضع أفضل فأولاً، لا يمكن أن نتوقع من إسرائيل تحقيق هذا الشرط لأنه يشكل ركناً أساسياً بل مفصلياً في مخططاتها تجاه الفلسطينيين وحقوقهم.
وثانياً، لا يمكن لاتفاق يؤدي إلى رفع الحصار عن قطاع غزة بما يمنح حماس التي تسيطر عليه قوةً ومخرجاً، في ضوء غياب دور السلطة الوطنية، وفي ظل عدم موافقة مصر على تجاوز دورها.
خلال السنوات الطويلة السابقة، جرت محاولات عديدة من قبل حركة حماس لإيجاد مخارج لخياراتها وأزماتها، وأزمة القطاع لكن كل تلك المحاولات وكل الوسطاء لم ينجحوا في تحريك الوضع الذي يزداد تأزماً ذلك أن الثابت الذي بات مؤكداً هو أن المصالحة الفلسطينية هي المفتاح لمعالجة كل هذه الأزمات والخيارات، ولا يمكن لدولة أخرى عدا مصر أن تساعد في تحقيق ذلك.
تركيا لم تعلن نفسها دولة تتبنى الفلسطينيين وقضيتهم حتى يمكن المراهنة على دورها ومحاسبتها على ذلك، حتى وإن كانت على علاقة جيدة جداً مع حركة حماس، فأية دولة إقليمية أو دولية لا يمكنها العبور إلى خط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون المرور على جسور عربية أو بالاعتماد على توافق وطني فلسطيني شامل.
حركة حماس تدرك هذه الصعوبات، ولا نظن أنها وضعت رهاناتها الأساسية عند هذا الطرف أو ذاك، فهي تعرف حقائق الوضع لكنها ظلت تحاول ما أمكن ذلك لتوفير ضغط على الأطراف القادرة على الفعل.
ثمة ارتباك واضح، في خيارات حماس وسياساتها وتحالفاتها فلقد نقلت بندقيتها من كتف إلى كتف دون الحد الأدنى من الاستقرار والثبات طالما أن لا شيء ثابتاً في المنطقة. فبالرغم من أن حماس لم توفر جهداً في شرح سياستها التي تعتمد الحيادية وعدم التدخل أو الدخول في لعبة المحاور إلاّ أن المسألة ليست بيد الفلسطينيين باعتبار أن قضيتهم تتجاوز الوطنية الفلسطينية إلى أبعاد دولية وما بينهما.
فبعد أن أعلنت حماس دعمها للتحالف الإسلامي ضد الارهاب الذي أعلنته السعودية، وما قبل ذلك من مواقف أبعدتها عن إيران بأمل النجاح في خلق فرص لمعالجة أزماتها ها هي تعود مرة أخرى للبحث عن خيارات أخرى.
لم يقدم التحالف الإسلامي وأطرافه الأساسية من السعودية إلى مصر، إلى تركيا إلى بقية دول الخليج، أي دعم لحركة حماس، يبرر لها استمرارها في المراهنة على هذا الحلف الأمر الذي دفع الأخ إسماعيل هنية لأن يتحدث عن حلف إسلامي بمشاركة إسرائيل، أما الأخ موسى أبو مرزوق فقد تحدث عن سخاء الدعم الإيراني الذي لا يضاهيه أي دعم آخر.
تصريحات مهمة، تشكل انعطافة هي أقرب إلى الاعتذار من إيران، بما يفتح الطريق أمام إمكانية تحريك خيارات حماس نحو حلول أكثر فائدة وجدوى.
غير أن العودة إلى خيار العلاقة مع إيران، يخلق مرة أخرى صعوبات أمام حركة حماس، فهي عدا أنها تجازف باستفزاز السعودية ودول الخليج، فإنها، أيضاً، ستظل محكومة لمعادلة الجغرافيا السياسية، التي تظل مصر الطرف الأكثر تأثيراً فيها.
جرّب الكل الفلسطيني كلّ الخيارات وتمادى في محاولاته لإيجاد مخارج لأزماته لكنه لم يجرّب خلال كل الوقت الخيار الفلسطيني، أي خيار المصالحة الذي سيظل يحكم كل الخيارات، وكل المحاولات.