التطبيع المتأخّر للعلاقات بين تركيا وإسرائيل

620162613010915
حجم الخط
جاء اتفاق المصالحة بين اسرائيل وتركيا متأخرا ست سنوات.
وقد كان يمكن للمصالحة أن تتم بعد بضعة أيام من الحادثة التراجيدية التي قتل فيها الجيش الاسرائيلي تسعة مواطنين أتراك على سفينة "مرمرة".
في نافذة الزمن القصيرة، بعد الصدام مباشرة، طلبت تركيا فقط الاعتذار ودفع التعويضات، ورفع الحصار عن قطاع غزة لم يكن شرطا أساسياً، حيث بسببه تأجل الاتفاق ست سنوات.
وافقت إسرائيل على دفع التعويضات، وفيما بعد وبوساطة الرئيس براك اوباما قام نتنياهو بالاعتذار.
لقد كانت هذه فرصة لرفع الحصار عن غزة والتوصل الى ما تم التوصل اليه في الاتفاق الحالي على الأقل، لأن انشاء محطة لتوليد الكهرباء وإقامة مستشفى وموقع لتحلية المياه، وايضا تقديم المساعدات عن طريق ميناء أسدود، كل ذلك لا يعني رفع الحصار ولا يعطي حرية الحركة بين غزة والضفة الغربية أو الى الاردن، ولم تكن اسرائيل ستظهر كمن تنازلت.
من الصحيح القول إن تركيا تنازلت في هذا الموضوع، وتنازلت عن طلب رفع الحصار بشكل كامل. لكن التنازل التركي ليس إنجازا اسرائيليا.
ما زالت تركيا تبدو كأنها تهتم بمصير مليون و800 ألف فلسطيني في قطاع غزة يوجدون تحت مسؤولية اسرائيل. واسرائيل تبدو وكأنها تمنح الشرعية للعلاقة بين تركيا و"حماس" في القطاع.
البند الذي يقول إن تركيا لن تسمح لـ "حماس" بالقيام بأي نشاط عسكري على اراضيها، ما زال يترك لـ "حماس" امكانية بقاء تمثيل لها في تركيا وادارة العلاقات السياسية مع الدول والمنظمات الاخرى، لا سيما من اجل تجنيد الاموال التي تحصل عليها "حماس".
ومن المشكوك فيه أن تنجح تركيا في اقناع "حماس" بادارة مفاوضات من خلالها لاعادة الجنود المفقودين، لأنه قبل الاتفاق تم الطلب من تركيا الحصول على معلومات من ممثلي "حماس" ولكن دون جدوى.
وستستمر "حماس" في رؤية موضوع المفقودين ورقة مساومة مع اسرائيل وليس هدية تُمنح لتركيا مقابل التوقيع على اتفاق المصالحة مع اسرائيل، خصوصا أن إعادة المفقودين، حسب منطق اسرائيل ايضا، ليس شرطا من شروط الاتفاق، حتى لا يبدو وكأن اسرائيل تقوم بالتفاوض مع "حماس".
هذا موقف اسرائيلي غريب ومستهجن، حيث يمكن القول وبمستوى عال من اليقين إنه اذا اقترحت "حماس" مفاوضات كهذه، مباشرة أو غير مباشرة، فان اسرائيل ستوافق.
لكن من الخطأ قياس ميزان الربح والخسارة للاتفاق من خلال عيون "حماس" أو حسب المعيار المالي، نحو 80 مليون شيكل تقوم اسرائيل بدفعها لصندوق خاص كتعويض لعائلات القتلى.
توجد أهمية استراتيجية عليا للعلاقة الوثيقة بين اسرائيل وتركيا.
وفي مقابل الفترة الطويلة حتى قضية مرمرة، بما في ذلك فترة اردوغان، التي كانت فيها تركيا بحاجة الى اسرائيل كرأس جسر للولايات المتحدة، لم تعد تركيا بحاجة الى هذه الخدمات.
فمكانة اسرائيل المضعضعة في الاتحاد الاوروبي والى درجة كبيرة في الولايات المتحدة ايضا، لا تمنحها الأهمية التي كانت لها في السابق.
ولكن تركيا، مثل اسرائيل، تبحث عن اصدقاء جدد واضافيين في المنطقة بعد الشرخ العميق الذي حطم مبدأ "تصفير المشاكل مع الجيران" الذي سعت الى تحقيقه.
بعد سنة من قضية الاسطول قطعت علاقاتها مع سورية، تحطمت العلاقات مع مصر في تموز 2013، بعد أن رفض اردوغان الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي، ولكن حتى قبل ذلك أغلق مبارك كل باب في وجه تركيا. اما دول الخليج، بما فيها السعودية، فقد رأت فيها خصما ودولة غير مرغوب فيها، حتى قرر الملك سلمان ملك السعودية في بداية هذه السنة ضمها الى التحالف السني ضد ايران، وروسيا تبذل كل جهد مستطاع كي تهين تركيا وتمس بها بعد اسقاط الطائرة الروسية.
صحيح ان ليس لاسرائيل مكانة يمكنها أن تصالح بين تركيا ومصر أو روسيا، مثلما لا يمكن لتركيا أن تقرب السعودية من اسرائيل، ولكن للدولتين مصلحة مشتركة تتجاوز رغبة اسرائيل في بيع الغاز الى تركيا والجهد التركي لتنويع مصادر توريد الغاز وبشكل خاص تخفيف تعلقها بروسيا. كلتاهما مهددتان من الحرب في سورية، ولكلتيهما مصلحة كبيرة في التأثير على مستقبلها، كلتاهما قريبتان بقدر خطير من قواعد "داعش" ولكلتيهما اسهم في السياسة الاميركية والاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط.
من السابق لاوانه الحديث عن التعاون العسكري بين الدولتين، ولكن التنسيق السياسي والاستراتيجي، الثنائي ومتعدد الاطراف، بمشاركة الولايات المتحدة والدول الاوروبية، ممكن بالتأكيد وفي زمن قريب نسبيا. وبالتالي فمن المهم أن نتذكر بأن هذا ليس اتفاق سلام بين دولتين معاديتين بل اتفاق لاعادة بناء ورفع مستوى العلاقات بين الدولتين والشعبين، اللذين شهدا قترات من العلاقات الممتازة. وحتى لو جاء هذا متأخرا فانه ضروري جدا.