الجيش الإسرائيلي يلغي إجراء «هنيبعل»

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت بإلغاء «إجراء هنيبعل» الذي كان معمولا به منذ عقود، والذي كثيراً ما أثار انتقادات سياسية وأخلاقية.
وجاء هذا الإلغاء بعد أن وَجَّهت مسودةُ تقرير مراقب الدولة انتقاداتٍ شديدةً لهذا الإجراء، بعد إثبات وجود ثغرات خطيرة فيه، غير أن مصدراً عسكرياً إسرائيلياً أكد أن قرار الإلغاء صدر قبل أسابيع، وهو غير مرتبط بمسودة التقرير التي لم يتم توزيعها سوى هذا الأسبوع.
وقد أمر الجنرال آيزنكوت بإلغاء «إجراء هنيبعل» الذي كان يسمح بتعريض حياة الجنود للخطر في سبيل منع اختطافهم، وصياغة أمر عسكري جديد أكثر وضوحاً للتعامل مع هذا الوضع. وجاء نشر هذا الأمر بعد وقت قصير من نشر صحيفة «هآرتس» تقريراً أوضحت فيه أن مراقب الدولة القاضي يوسف شابيرا أوصى في مسودة تقريره عن حرب «الجرف الصامد» على غزة صيف 2014 رئيس الأركان بإلغاء «إجراء هنيبعل». وقد وردت هذه التوصية في القسم المتعلق بالقانون الدولي في المسودة، التي وُزِّعت هذا الأسبوع على عدد من كبار القادة السياسيين والعسكريين ورجال القانون في إسرائيل.
ويبحث مراقب الدولة، ورجال الدائرة الأمنية في ديوانه، برئاسة العميد يوسي باينهورن، سلسلة طويلة من القضايا المتصلة بأداء الدولة وأجهزتها في الحرب على غزة. وقد نُشرت في الأشهر الماضية مسودات الأجزاء المتعلقة بمعالجة أمر الأنفاق الهجومية لحركة «حماس» وأداء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت). وقد أثار الجزء المتعلق بالكابينت الذي نشر في أيار الماضي، توترات سياسية، على خلفية ما حمله من انتقادات لكل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان في تلك الحرب، وإخفائهم معلومات عن أعضاء الكابينت قبل الحرب وأثناءها.
ونقلت «هآرتس» عن جهات اطلعت على التقرير قولها إن التوصية الأهم في الفصل المتعلق بالقانون الدولي كانت تتعلق بـ «إجراء هنيبعل»، وهو الإجراء المكرس لمنع اختطاف جنود. وكان هذا الإجراء قد صِيغ وانطلق العمل به في الثمانينيات أثناء الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وبعد وقوع عدد من الجنود الإسرائيليين في أسر المقاومة. وظل هذا الإجراء سرياً لسنوات طويلة، إلى أن بدأ أمره يتسرب مثيرا انتقادات واسعة. وكان مفهوماً في البداية أن «إجراء هنيبعل» يعني منع اختطاف جنود إسرائيليين بأي ثمن وصولاً إلى استهداف الخاطفين والمخطوف على حد سواء. ولكن فقط بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في غزة جرى تعديل وتوضيح صيغة أمر «هنيبعل» بحيث رسمت حدود لما يمكن فعله، وعدم تعريض الجندي المخطوف للخطر.
وفهم الضباط والجنود الإسرائيليون على الدوام «إجراء هنيبعل» بأنه «أمر شفهي» يعني أن من الأفضل أن يقع الجندي قتيلاً على أن يقع في الأسر، لأن ذلك يعرض الدولة لابتزاز من جانب تنظيمات، مثل «حزب الله» و «حماس».
وكثيرا ما صاحب «إجراءَ هنيبعل» تدميرٌ واسع وقصفٌ شديد لمناطقَ مأهولةٍ، واندفاعٌ لقوات إسرائيلية خارج المألوف. ومن الجائز أن واحدة من أخطر تجليات «إجراء هنيبعل» ما جرى «يوم الجمعة الأسود» في منطقة رفح بعد أسر مقاتلين من حركة «حماس» للضابط هدار جولدن شرق رفح. فقد اندفعت الدبابات والمدفعية الإسرائيلية نحو قصف شامل لمناطق مأهولة بقصد شل الحركة فيها ومنع فرار الخاطفين ما أوقع دماراً شاملاً وسقط ما لا يقل عن 80 مدنياً فلسطينياً شهداء.
وأثار سلوك إسرائيل يوم «الجمعة الأسود» انتقادات دولية واسعة واتهامات بارتكاب مجازر. وبينت التحقيقات الإسرائيلية أن «إجراء هنيبعل» لم يكن له معنى، لأن الضابط المخطوف كان قتل أصلاً أثناء عملية الاختطاف، بحيث بقيت الجثة مع الخاطفين ما يجعل الإجراء غير مبرر. ورأى عدد من القانونيين في إسرائيل أن ما ارتكبه الجيش الإسرائيلي كان جريمة حرب موصوفة، لكن النيابة العسكرية الإسرائيلية لم تقدم أياً من الضالعين في القرار ميدانياً وقيادياً إلى المحاكمة. وواضح أن ما جرى صَوَّب الأنظار بقوة مرة أخرى إلى «إجراء هنيبعل».
وفي مسودة تقريره، كتب مراقب الدولة ان فحصه أظهر وجود فجوات كثيرة في فهم «إجراء هنيبعل» بين المستويات المختلفة وبين الوحدات المختلفة. وعلى هذه الخلفية، وبسبب التأثيرات التي ستحصل بسبب إعادة استخدام الإجراء، من ناحية القانون الدولي، فإن المراقب يوصي رئيس الأركان آيزنكوت بإلغاء الإجراء بشكله الحالي. وأضاف المراقب أن هناك ملاءمة أكثر بين «إجراء هنيبعل» وبين ظروف الاختطاف في ظل عمل أمني شامل، وليس الاختطاف في ظل الحرب. ويعتقد أنه في حالة الاختطاف أثناء الحرب هناك حاجة إلى أخذ القانون الدولي في الحسبان، مثل مبدأ التمييز بين المدنيين والجنود، ومبدأ المعيارية، وشكل العمل العسكري يجب أن يكون معياريا قياساً بتحقيق الهدف العسكري عند استخدام النار. هذا يشكل أيضا صدى للتشخيصات التي سُمعت في الجيش الإسرائيلي في أعقاب «يوم الجمعة الأسود»، حيث اعتقد بعض الضباط أن القيادة والجمهور يردون بشكل متطرف على الاختطاف.
وكتب مراقب الدولة أن الصيغة المعدلة لـ «هنيبعل» يجب أن تعطي إجابة على النتائج والمعطيات التي ظهرت أثناء الانتقادات، وأن على رئيس الأركان فحص إمكانية رفع مستوى الصلاحيات لاستخدام النار الواسع من اجل إفشال الاختطاف أثناء الحادثة. التوجيهات، كما جاء في المسودة، يجب أن تراعي ظروف الحادثة، والواقع المحيط الذي تحدث فيه، وخطر التصعيد بعد ذلك. مطلوب من رئيس الأركان عمل ذلك بمساعدة النائب العسكري العام. وفي الوقت ذاته، يجب عليه التأكد من أن الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالإجراء يجب أن تكون واضحة في الرسائل التي يتم إعطاؤها للجنود.