خفايا المصالحة بين تركيا وإسرائيل

التقاط
حجم الخط
 

السياسة والمصالح لا تعرف الأخلاق أو الوعود التى تصبح ملزمة للأطراف إذا اتفقت عليها والتزمت بها، عندما يصبح الحديث عن مصالح اقتصادية واستراتيجية مصيرية تتنحى المبادئ جانباً. ببساطة اكتشفت تركيا أن مصلحتها مع إسرائيل، وفى المقابل اكتشفت إسرائيل أن خسارتها لحليف استراتيجى مثل تركيا يدعم موقفها فى المنطقة لا يوازيها اعتذار عن حادث أو تعويضات تقدر بالملايين تدفع أو معارضة تواجهها فى الداخل، والمثل يقول «المصالح تتصالح»، فإسرائيل لم تكن يوماً عدواً لتركيا، والعلاقة بين البلدين طويلة وممتدة منذ اعتراف تركيا بإسرائيل عام 1949 وظلت كذلك لعقود متتالية، بينما توتر العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة لم يمنع مواصلة العلاقات التجارية والعسكرية والاستراتيجية، ولم تنقطع هذه العلاقات التى بدأت منذ أكثر من 60 عاماً، تخللتها اتفاقات سرية وأخرى علنية، وبلغ حجم التبادل التجارى بينهما معدل ثلاثة مليارات دولار فى العام، بل ارتفع خلال السنوات الخمس الأخيرة رغم القطيعة السياسية والدبلوماسية.

أما بالنسبة لإسرائيل فقد أصبح لديها الآن ثلاثة حلفاء رئيسيين ومهمين يملكون تأثيراً على الساحة السورية، عندما سجل نتنياهو انتصاراً جديداً بعد زياراته المتتالية إلى العاصمة الروسية موسكو ولقاءاته بالرئيس فلاديمير بوتين والتى اعتبرها مهمة جداً، وعقد خلالها العديد من من الاتفاقات منها التنسيق عسكرياً فى سوريا وبالذات فيما يتعلق بالطيران الحربى حتى لا تقع حوادث عصيبة، ومن الممكن أن تشكل تركيا حليفاً مهماً لإسرائيل فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» بعد المصالحة، خاصة بعد أن اقترح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مؤخراً على حلف شمال الأطلسى مساعدات إسرائيلية فى الحرب على الإرهاب والقيام بتعاون استخبارى مشترك، فقد شمل اتفاق المصالحة التنسيق بين البلدين أمنياً واستخبارياً فى سوريا، ليصبح لدى إسرائيل حليف قوى ثالث بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فبعد أن اتفق الطرفان على التنسيق الكامل فى سوريا كان أحد أهداف هذا التنسيق هو منع سيطرة إيران على سوريا بواسطة حزب الله، لأن إسرائيل وتركيا تحاربان أعداء مشتركين مثل داعش وحزب الله وتنظيمات أخرى.

من مصلحة تركيا المصالحة مع إسرائيل فالعلاقة بينهما تتجاوز الخلافات أو التوترات التى نشبت بينهما مؤخراً، ففى خمسينات القرن الماضى عقدت إسرائيل وتركيا اتفاقاً سرياً واستراتيجياً عُرف بميثاق الشبح، ظل طى الكتمان عقوداً من الزمن، ويتضمن تعاوناً استخبارياً ودبلوماسياً كانت وظيفته الأساسية موجهة ضد العرب، فضلاً عن اعتماد أنقرة طويلاً على اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا لعرقلة إقرار أى تشريع يعترف بإبادة الأرمن، بل ساعدت إسرائيل الأتراك فى عملية اعتقال زعيم حزب العمال الكردستانى «عبدالله أوجلان» عام 1999 فى كينيا، وبعد تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم عام 2002 برئاسة رجب طيب أردوغان استمر الحزب بالاتفاقات السابقة مع إسرائيل على الرغم من الانتقادات الإعلامية الموجهة إليه، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

لقد أدرت تركيا أن مصالحها تتقاطع مع إسرائيل فى توفير الانتعاش الاقتصادى عبر بوابة استئناف العلاقات السياسية والتجارية، واستعادة السياحة التى كانت هدفاً شعبياً مرغوباً للسياح الإسرائيليين ومصدر دخل قومى يدعم الاقتصاد التركى الذى تعرض لهزات عنيفة نتيجة الإرهاب والتدهور الأمنى وسياسات أنقرة فى المنطقة، سياسات اتسمت بالغطرسة والتدخل لم تحقق إنجازات حقيقية بحجم تدخلاتها، وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل التى أدركت هى الأخرى أن لا أفق لتطوير مشاريع الغاز دون الأتراك، وتسويقه لأوروبا بدون تركيا يبدو صعباً، ومن هنا غلبت المصالح الاقتصادية على التداعيات السياسية، فضلاً عن استثمار علاقتها السياسية بأنقرة لتحقيق تحالفات استراتيجية، ولا يخفى على أحد طموحات أردوغان السياسية فى المنطقة التى أثرت سلباً على علاقاته بدول عربية كبيرة بحجم مصر وسوريا والعراق وفى خلفية المشهد اقتصاد يعانى أزمات التراجع والانهيار فى ظل هيمنة أردوغان على السياسة الخارجية وانعدام الاستراتيجية، فقد طغت انفعالية أردوغان على الحسابات العقلانية فى علاقاته الدولية والإقليمية.

عن الوطن المصرية