اليوم العالمي لمكافحة المخدرات وأهمية القوانين الرادعة

د.عقل أبو قرع
حجم الخط
يصادف السادس والعشرون من حزيران من كل عام ما يعرف بـ»اليوم العالمي لمكافحة المخدرات»، حسب ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث بدأ الاحتفال به منذ العام 1987، حين تم عقد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة وتعاطيها، في العاصمة النمساوية فيينا، وتشمل عملية مكافحة المخدرات، مكافحة زراعتها وإنتاجها والمتاجرة فيها وتعاطيها، مع العلم أن هناك حوالي 200 مليون شخص في العالم يتعاطون نوعا معينا من المواد المخدرة.
وفي بلادنا، فإننا لسنا بالبعيدين عن المخدرات بأنواعها المختلفة، وعن نتائجها المدمرة، حيث نسمع ونقرأ عن ضبط مواد مخدرة، وعن اعتقال متعاطيها، وعن انتقالها عن مكان الى آخر، وبالأخص من مناطق لا توجد سيطرة أمنية فلسطينية كاملة عليها، حيث باتت هذه المناطق بؤرا للمواد المخدرة ولمتعاطيها، مثل مناطق ضواحي القدس ومناطق الحدود او الجدار.
ومعروف أن مبدأ الوقاية هو من المبادئ الأساسية للتعامل مع موضوع المخدرات، وان من ضمن الأولويات في عملية مكافحة المخدرات، هو التوعية وتطبيق القوانين والتشريعات الموجودة، وكذلك إيجاد آلية للتنسيق بين الجهات العديدة التي تعمل او تهتم بموضوع مكافحة المخدرات في بلادنا، سواء أكانت جهات رسمية أو مؤسسات أهلية أو جهات من المجتمع المدني.
ولصياغة ومن ثم تطبيق خطة أو استراتيجية عملية فعالة وناجحة لمكافحة المخدرات في بلادنا، من المفترض تحديد مستوى المشكلة ونوعية المواد المخدرة المستخدمة عندنا، وهذا يتطلب القيام بدراسات موضوعية وعلى أساس علمي لتحديد ذلك، خاصة في ظل تضارب الأنباء والأرقام حول هذه المعلومات، مع العلم أن بعض الأنباء التي تم نشرها قبل فترة، قد أشارت الى ان هناك حوالي خمسين ألف شخص يتعاطون المخدرات في فلسطين، وان من بينهم حوالي 18 ألف مدمن، ومن ضمنهم الآلاف الذين يتعاطون المخدرات في مدينة القدس وضواحيها التي لها وضعها الخاص، من حيث التأثير الإسرائيلي عليها، ومن المعروف انه وبالإضافة الى الآثار الصحية المدمرة لاستعمال المواد الخدرة، هناك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والتربوية الوخيمة.
وفي ظل أوضاع كهذه، فمن المفترض أن يكون من ضمن الأولويات الفلسطينية، مراجعة القوانين وإعادة صياغتها لكي تكون رادعة، ومن ثم تطبيق هذه القوانين لتعطي نتائج رادعة، وحتى العمل لأن تأخذ قضايا مكافحة المخدرات الأولوية في القضاء الفلسطيني، وحتى ربما تشكيل دوائر او محاكم خاصة للتعامل مع موضوع المخدرات، أسوة بمحاكم مكافحة الفساد على سبيل المثال، وكذلك بناء جسم تنسيقي فعال لكافة الجهات الفلسطينية التي تعمل في مجال مكافحة المخدرات.
ولمكافحة المخدرات أو للتعامل معها، وبشكل فعال يتطلب وجود المعمل الجنائي أو مختبر العلوم الجنائية الذي من المفترض ان يلعب دورا مهما في استخلاص العينات وفي تحليلها وفي تقديم التقرير العلمي لربط الوقائع مع بعضها البعض وصولا الى قرار قضائي على أرضية صلبة، ويشمل ذلك أخذ عينات من المتعاطي أو من الضحية او من المشتبه بهم، مثل عينات دم، بول، شعر وغير ذلك وإجراء التحاليل الضرورية للتعرف على ما تحويه من مواد مخدرة، وكذلك يشمل التعرف على طبيعة مواد مشبوهة او مجهولة الهوية، خاصة في ظل الأخبار عن ضبط الجهات الفلسطينية وبشكل متواصل لعينات او مواد يشتبه بأنها مواد مخدرة.
وعلميا، يتم تعريف المواد المخدرة على أنها المواد التي ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك بصفة مؤقتة وتحدث فتورا في الجسم وتجعل الإنسان يعيش في خيال ووهم خلال فترة وقوعه تحت تأثيرها. والمفهوم الطبي للمخدر هو كل مادة تؤثر على الجهاز العصبي بدرجة تضعف وظيفته أو تفقدها بصفة مؤقتة، وهناك أنواع عديدة من المخدرات، يتم تصنيفها أما حسب مصدرها، أي اذا كانت من اصل طبيعي أو مواد يتم تصنيعها في المختبر، أو حسب تأثيرها أو حسب طريقة عملها في الجسم، من حيث كونها مهدئات او منشطات او مواد مهلوسة، او حسب شدتها أو سميتها على متعاطيها.
ومن ضمن المواد المخدرة، ما يعرف بالمواد المشتقة من الأفيون، مثل المورفين والهيروين والكودايين، والأفيون هو المادة أو العصارة الناتجة من ثمار الخشخاش قبل جفافها، ويتم تعاطي مشتقات الأفيون أما عن طريق التدخين أو الشم أو الحقن أو مع السوائل الأخرى، ومن أعراض تعاطي هذه المواد والتي من اخطرها الهيروين اضطراب في الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وينتهي غالباً بالجنون وفي حالة الإقلاع عنه ينتاب المريض أعراض مثل الإسهال وبرودة الأطراف والآلام الشديدة في كل أعضائه.
ومن الأمثلة على المواد المخدرة، مادة الحشيش، التي تنتج من نبات القنب الهندي، والمادة الفعالة المؤثرة فيه هي مادة تتراهيدروكانابيول، ويؤدي استعمال الحشيش الى فقدان الشعور عند الشخص، كما يعبر الشخص عن شعوره بصورة مبالغ فيها، ويعتبر الحشيش من المواد المهدئة عند استعماله بكميات قليلة، ولكن عند استعماله بكميات أكبر يكون تأثيره مماثلا للمواد المهلوسة.
ومن المواد المخدرة، مادة الكوكايين، ومن أعراض تعاطي الكوكايين تخدير الأغشية المخاطية مثل الأنف واللسان ويولد الإحساس بالبرودة ويعتبر الكوكايين من أشد المخدرات وأكثرها خطرا وفتكا للإنسان، والإدمان على الكوكايين يسبب نقصا سريعا في الوزن وضعفا وامتقاعا شديدا في لون الوجه والدوخة والقيء وزيادة في الإحساس بالقلق، ويؤخذ الكوكايين عن طريق مضغ أوراقه، او عن طريق الشم، او يؤخذ عن طريق الحقن.
ومع الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات، نلاحظ في بلادنا تزايد في عدد حالات وكمية ضبط او اكتشاف او إتلاف المواد المخدرة، هذا على الأقل حسب ما يتم إعلانه من خلال الجهات الرسمية، في وسائل الإعلام المختلفة، ومن المنطق أو من البديهي الاعتقاد، أن هناك كميات أخرى لم يتم اكتشافها، وربما وصلت أو سوف تصل في المحصلة الى أيادي الناس وبالتالي يتم استهلاكها، وربما تكون الكميات التي لم يتم اكتشافها، أكبر من تلك التي يتم إعلانها، وهذا بحد ذاته امر مزعج، ويصيب المجتمع بالإرباك والقلق، وبالأخص اذا وصلت هذه المواد الى أيادي الشباب، وما لذلك من آثار مدمرة، على الصحة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية برمتها، وهذا بحد ذاته يتطلب وبالإضافة الى تكثيف جهود اكتشاف ومصادرة المواد المخدرة، العمل على صياغة وتطبيق قوانين رادعة، أسوة بما تقوم به بعض الدول المجاورة، وليس فقط فرض عقوبات سطحية أو عقوبات دون جدوى، ولا تستطيع ردع من اعتاد على التعاطي أو على المتاجرة بالمواد المخدرة.