السلام يحتاج إلى قرارات وليس نصائح

طلال عوكل
حجم الخط
بعد غياب طويل تعود الرباعية الدولية بإطلالة باهتة من خلال تقرير مقتضب، لا نعرف إن كان ما تضمنه مجرد نصائح لطرفي الصراع، أم أنها قرارات وأوامر.
كان على الرباعية الدولية أن تصدر تقريراً مفصلاً عن نتائج الدور الطويل الذي قامت به، وأن تتجرأ بأن تعلن تحملها للمسؤولية عما آلت إليه الأمور من تدهور وإضاعة الكثير من الفرص لتحقيق السلام.
غير أن الأهم كان يفترض بالرباعية الدولية أن تتجرأ بوضع النقاط على الحروف إزاء الطرف وهو حصرياً الإسرائيلي الذي، عطل عن قصد وسابق تخطيط كل محاولات تحقيق السلام. بدلاً من ذلك تظاهرت الرباعية الدولية بأنها تلعب دوراً حيادياً وموضوعياً، حين سجلت جملة من النصائح أو الطلبات للطرف الفلسطيني، مقابل القليل منها للطرف الإسرائيلي.
اللغة تفضح المقاصد، فكل ما ورد من طلبات أو نصائح للطرف الفلسطيني لا تعدو ما يدعيه الإسرائيلي كل الوقت الذي يتهم السلطة الفلسطينية بالتحريض على العنف، وبممارسة هذا العنف. لكأن الفلسطينيين هم المبادرون كل الوقت في ممارسة العنف ضد الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وقطعان المستوطنين وبأنهم يقاومون احتلالاً إنسانياً ملتزماً بقوانين وشرائع الأمم المتحدة. شهادة الرباعية الدولية، منحازة لصالح الاحتلال أو أنها تعبر عن تواطؤ مع جرائمه وعنصريته ومخالفاته الصريحة لقرارات الشرعية الدولية. في الواقع فإن أطراف الرباعية الدولية والأهم والأكثر تأثيراً فيها هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هم عبر هذا التقرير منحازون لمصالحهم، التي يرون أن قوة إسرائيل وضمان أمنها وسلامتها هي الضمانة لاستمرار وتوسع هذه المصالح.
لو أن الرباعية الدولية كلفت أي صحافي أو إعلامي، أو مراقب سياسي موضوعي، وغير منحاز بتجميع التصريحات التي صدرت عن أطرافها خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي تتعلق بمجريات الأحداث بين دولة الاحتلال ودولة فلسطين. لكنا وقفنا على قدر واضح من التناقض الذي يفضح ازدواجية المعايير لصالح إسرائيل. بالرغم من كل ذلك، فإننا نتمنى لو أن الرباعية الدولية أصدرت تقريرها بلغة حازمة وجدية، وأن تتخذ طابع الأوامر التي تحمل الطرف المخالف مسؤولية متبوعة بعقوبات واضحة. في نصائح الرباعية يكفي الفلسطينيين أن ينتظروا منها إلزام إسرائيل بوقف مخططات الاستيطانية.
لقد أكد الفلسطينيون عبر شهادات دولية أنهم قدموا كل ما يلزم لتسهيل العملية السياسية، وانهم تحلوا بمرونة عالية حتى يمكن وصف السياسة الفلسطينية على أنها سياسة نزع الذرائع. الفلسطينيون مستعدون لأن ينفذوا ما ورد في نصائح الرباعية الدولية، دون تهديد، ودون ضغط من أي طرف ولكن السؤال هو هل إسرائيل مستعدة لأن تنفذ ما ورد من نصائح بحقها وفي حال عدم تنفيذها لتلك النصائح، فهل ستتخذ الرباعية الدولية أية قرارات ملزمة، أو عقوبات فعالة؟
اليوم يتخذ طابع الحديث عن رؤية الدولتين طابعاً تحذيرياً ويكثر الحديث عن تآكل رؤية الدولتين، وترتفع مناسيب الخوف من أن تندفع الأمور باتجاه خيار الدولة الواحدة لكن الخشية أن تتحول هذه التحذيرات والنصائح في وقت لاحق إلى بكاء. ليست إسرائيل وحدها التي ستبكي وهي تستحق أن تبكي لأنها تصنع دولتها العنصرية بإرادتها وبجنون قيادتها السياسية. وضعف معارضتها الداخلية، وتجاهل مجتمعها الذي تتغول فيه الجماعات الاستيطانية والدينية المتطرفة، لكن حلفاء إسرائيل سيبكون، أيضاً، حين لا يعودون قادرين على الدفاع عن صنيعتهم العنصرية، وهو بكاء في الأساس على مصالحهم.
الولايات المتحدة الأميركية تغطي هروبها من المسؤولية تحت تبرير الانتخابات الرئاسية، التي تفرض على إدارتها الغياب عن اتخاذ قرارات من طبيعة استراتيجية، ولكنها وهي تفعل ذلك يعز عليها أن تترك الفرصة لآخرين بما في ذلك حليفها الاتحاد الأوروبي.
نحن ما زلنا في منتصف العام، وقد أنجزت فرنسا خطوتين باتجاه تحقيق مبادرتها، وبقي عليها أن تكمل بقية الخطوات قبل نهاية هذا العام، غير أن ما تقوم به من إجراءات وخطوات لإنجاح الخطوات التالية، لا يعبر عن وجود إرادة دولية قوية وكافية لتحقيق التحول المطلوب في مواقف الدولة العبرية.
بعد نهاية العام، والمدة ليست طويلة، يفترض أن يكون للفلسطينيين كلام آخر وفعل آخر، ذلك أن المبادرة الفرنسية هي على الأرجح آخر الفرص المتاحة لتعديل المسار. ولكن خلال هذه الفترة الوجيزة يصبح من واجب الفلسطينيين أن يتحضروا ذاتياً للمرحلة اللاحقة، وأن تكون تحضيراتهم ذات طابع عملي يبعث برسائل قوية لكل من يهمه الأمر، أما إذا استمر الحال على ما هو عليه فإن إسرائيل ستظل سيدة الموقف وصاحبة القول الفصل.