عادت العلاقات الطبيعية - التى لم تنقطع يوماً - بين تركيا وإسرائيل، وعقد اتفاق مصالحة تاريخى الأسبوع الماضي، القضية مهمة، وكاشفة لجبال من الدجل والزيف، لذا هى لخطورتها تحتاج إلى تحليل وتأمل، ففى عهد أردوغان تعددت (وجوه) تركيا السياسية، بعضها يعبر عن حقيقة السياسات التركية وبعضها زائف، يروج له أمام الرأى العام، فيصدقه السذج، والضحايا، من قوى ودول، من هذه (الوجوه) الزائفة التى ظلت السياسة التركية تروج لها طيلة سنوات حكم أردوغان (سواء رئيساً للوزراء أو رئيساً للدولة 2003-2016)، وصدقها البعض؛ ادعاء المقاومة للمشروع الصهيوني، خاصة بعد تمثيلية اعتراضه على كلمة شيمون بيريز فى مؤتمر دافوس فى 29/1/2009 أو فى أثناء حرب إسرائيل على غزة و حادثة السفينة مرمرة (31/5/2010).
لقد قدم أردوغان نفسه وحزبه، ودولته، باعتبارهم أنصار القضية الفلسطينية، وأعداء للكيان الصهيوني، وصدقه البعض، رغم أن الحقائق التاريخية والواقعية - كما سنثبت -، تؤكد نقيض ذلك، وتثبت أن تركيا وخاصة فى عهد أردوغان، كانت هى الصديق الأكبر لإسرائيل !!.
لقد أثبت الاتفاق الأخير لعودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل كم هى عميقة تلك العلاقات، ومتعددة الأبعاد، وكم هى بعيدة عن الادعاءات الزائفة لأردوغان من أنه (حامى حمى القدس) والمدافع الشرس عن حماس والمقاومة، فالرجل ليس سوى - كما نقول فى لهجتنا المصرية الدارجة - (فهلوى) أو (بياع كلام)، ويبدو أن الإخوان ومن لف لفهم من الفلسطينيين والعرب، قد صدقوا «الفهلوى»، فإذا هم يصطدمون بالوجه الحقيقى له، وأنه إسرائيلى الهوى والمصلحة والتاريخ.
إن الاتفاق الأخير لعودة العلاقات الدافئة التاريخية (بدأت فى 28/3/1949) تقول بنوده الرئيسية الآتى :
1 - تتعهد كّل من إسرائيل وتركيا بالعودة إلى التطبيع الكامل للعلاقات بينهما بما فى ذلك استبدال السفراء والزيارات المتبادلة والتعّهد بعدم العمل ضد بعضها بعضا لدى المنظمات الدولية مثل منظمة حلف شمال الأطلسى والأمم المتحدة.
2 - سحبت تركيا شرط رفع الحصار المفروض على قطاع غزة فى مقابل سماح إسرائيل لها بنقل جميع المعدات والمساعدات الإنسانية التى ترغب بها إلى غزة عن طريق ميناء أشدود الذى سيشرف عليه الجيش الإسرائيلي.
3- ستقوم إسرائيل بدفع 21 مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا سفينة مرمرة التركية.
4 - تتعهد تركيا بإلغاء القضية المرفوعة ضد ضباط الجيش الإسرائيلى فى محكمة اسطنبول فيما يتعلق بمسئوليتهم عن حادثة سفينة مرمرة.
5 - تتعهد تركيا بعدم السماح لقادة حماس بتنفيذ أى نشاطات معادية لإسرائيل من داخل تركيا (لنتأمل ونفهم جيداً هذا البند !!) .
6- سيعود البلدان للتعاون الأمنى والاستخباري!! .
7 - إسرائيل وتركيا ستعقدان محادثات رسمية لإنشاء خط أنابيب غاز طبيعى احتياطى لإسرائيل وتركيا تبدى رغبتها فى شراء الغاز الطبيعى من إسرائيل وبيعه إلى الأسواق الأوروبية.
هذه هى الاتفاقية، وهذا هو الوجه الحقيقى لتركيا فى علاقاتها بإسرائيل، وليس لها أى وجوه أخري، كما يدعى الإخوان وحماس.
والعارفون بتاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية، لا يستغربون هذا الدفء فى العلاقات السياسية والاستخبارية والعسكرية بين الدولتين، إذ بقليل من البحث فى تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية وأسرارها يكتشف ما هو أمر وأشد إيلاماً لمن فى عقله ذرة وعى أو كرامة عربية وإسلامية.
هذا وتفيد معطيات وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية بأن تركيا تحتل المرتبة السادسة فى قائمة الصادرات الإسرائيلية لدول العالم، منذ فترة قال الناطق بلسان الوزارة براك جرانوت يشير إلى أن حجم التبادل التجارى بين تركيا وإسرائيل شهد تطورا هائلا ونبه إلى أنه ارتفع من 300 مليون دولار فى 1997 إلى 3.1 مليار دولار عام 2010 وفيه بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لأنقرة مليارا وربع المليار دولار. ثم تضاعف هذا الرقم فى 2016 .
هذا وتحدثنا الحقائق العسكرية بين الدولتين عن أنه وفقاً للاتفاقات الموقعة بينهما ومنها الاتفاقية الأمنية العسكرية سنة 1996 نجد أن من أبرز بنودها:
أ- خطة لتجديد 45 طائرة f - 4 بقيمة 600 مليون دولار، تجهيز وتحديث 56 طائرة f - 5، صناعة 600 دبابة m - 60 , خطة لإنتاج 800 دبابة إسرائيلية شميركاوهص, وخطة مشتركة لإنتاج طائرات استطلاع دون طيار، وخطة مشتركة لإنتاج صواريخ أرض جو شبوبيص بقيمة نصف مليار دولار بمدى 150 كم.
ب - تبادل الخبرة فى تدريب الطيارين المقاتلين (الذين تخصصوا فى اصطياد وقتل قادة المقاومة الفلسطينية ومنهم أحمد ياسين زعيم حركة حماس !!) .
وبعد .. هذا هو (الوجه الإسرائيلي) الحقيقى لتركيا، أما ادعاء المقاومة ودعم الثورات، وحماية المقدسات، فهو لغو كلام اعتاده أردوغان، وصدقه السذج من تيارات الإسلام السياسي، الهاربة إلى أسطنبول، وللأسف صدقته أيضاً، بعض حركات المقاومة فى فلسطين!! هل آن للجميع .
عن الاهرام