«إنّ نابلس جبل النار تُقتل كل يوم ألف مرة من خلال ثلة من الخارجين عن القانون، وهم معروفون لدى أجهزة الاختصاص الأمنية بالاسم والعنوان، وفي ظل غياب العدالة باتت تترعرع شريعة الغاب .. فآن الأوان للحسم والمحاسبة بما يضمن الأمان والاستقرار للمواطن والمؤسسة على حد سواء».
هذا بعض ما جاء في رسالة وجهها عدد من المؤسسات والفعاليات الوطنية وأكاديميون وشخصيات اعتبارية في مدينة نابلس إلى الرئيس، وطالبوه خلالها بلقاء فوري معه لوضعه بصورة الأحداث الأخيرة التي عصفت ولا تزال تعصف بالوطن عامة، ونابلس على وجه الخصوص.
فما يجري في نابلس ليس مجرد حدث أو أحداث عابرة، بل يخيّم عليها بشكل متزايد شبح الفوضى والفلتان الأمني بما يذكرنا بما حدث في غزة قبل الانقلاب/الحسم العسكري، وفي أواخر الانتفاضتين الأولى والثانية التي جعلت الكثير من الناس يرددون مصطلح روّجت له سلطات الاحتلال «هذه مش انتفاضة بل فوضى».
بات إطلاق الرصاص في ليالي نابلس أمراً روتينياً، وأصبحت هيبة السلطة في الحضيض، ليس لعدم توفيرها الأمن والأمان للمواطن فقط، بل حتى لا تستطيع توفيره لأفرادها. فقد عادت «الخاوات» وأخذ القانون باليد، وأصبح الزعران والبلطجية يسرحون ويمرحون ويعرفون سر التعيين في وزارات وأجهزة السلطة الأمنية، وكيفية الحصول على مكاسب من السلطة، والإفراج عن معتقلين، وعدم ملاحقة المطلوبين الخارجين عن القانون، عبر افتعال شجارات واعتداءات مسلحة. فالسلطة تشتري رضا المسلحين وكف شرهم بالاستجابة لمطالبهم، وهذا ما قامت به بعد الانتفاضة الثانية، إذ استوعبت الزعران والخارجين عن القانون في صفوفها لكف شرّهم من دون محاسبتهم على أعمالهم أو إعادة تأهيلهم، وهذا وفّر أمناً في البداية، لكنه كان بمثابة قنابل موقوتة تنفجر بين وقت وآخر، وتوفر مادّة لاندلاع الفوضى والفلتان الأمني.
وحتى نتعرف أكثر على آراء المواطنين بما يجري، سأعرض نماذج قليلة ليس أشدّها انتقاداً لما يجري تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي من دون ذكر أصحابها لأنني لم أحصل على موافقتهم على نشرها:
- «هذا نتاج غياب العمل المؤسسي والارتجال في العمل، والقادم أسوأ إن لم تتحرك لجنتكم المركزية ومجلسكم الثوري وفصائل منظمة التحرير. الذي يصلح الحال ليس الفرد وإنما جموع الوطنيين».
- «فقط عندما تلوّح نابلس بعصاها وعندما يعلن قادة الرأي فيها إضراباً أو دعوة لعدم دفع الضرائب، ستجد كل المسؤولين الأمنيين والسياسيين على أبواب المدينة لحل مشاكلها».
- «مع احترامي لمركزيّة «فتح» لكن يبدو أنهم يعيشون في كوكب آخر، ولا يعرفون أن مشكلة انتشار الأسلحة واستخدامها في غير اتجاهها تعود ملكيتها لعناصر تابعين لفتح، أو يعملون لدى الأجهزة الأمنية».
- «نعم، المشكلة فينا نحن حركة فتح، فالمسلحون عادة هم منا أو محسوبون علينا، و»فتح» هي المسؤولة عن ضبط هذا الفلتان». (عضو مجلس ثوري)
ويضاف إلى ما سبق، تراجع مكانة القضية، وتآكل شرعية الرئيس والقيادة والمنظمة والسلطة والفصائل والنقابات والجمعيات .. إلخ، هذا إن بقي لديها شيء من الشرعية في ظل عدم إجراء الانتخابات وعدم وجود مؤسسات فاعلة، ولا مراقبة ولا مساءلة ومحاسبة، وتركز كل السلطات والصلاحيات بيد شخص واحد بعيداً عن السلطات الرقابية والقضائية والتشريعية والإعلامية، وتغييب مؤسسات المنظمة والسلطة، وخاصة المجلسين الوطني والتشريعي، ومؤسسات الفصائل التي أصبحت مثل «شاهد الزُّور» و»شاهد ماشفش حاجة»، وعدم اعتماد خيار المقاومة لإعطاء الشرعية.
وما فاقم الأمر أن مختلف الخيارات المعتمدة فشلت ولا توجد قناعة ولا إرادة لتبني خيارات جديدة على الرغم من الحديث المتواصل والتهديد اللفظي باعتماد خيارات جديدة.
وما يزيد الطين بلة تفشي الفساد بلا رادع أو حساب، وتعمّق الانقسام أفقياً وعمودياً، وتردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، واضمحلال الطبقة الوسطى، وازدياد معدلات الهجرة والبطالة.
وما يزيد الأمور سوءاً هو صراع الأجنحة داخل السلطة و»فتح» على المكاسب والوظائف والصلاحيات والوكالات والشركات، والصراع المستتر والمستعر على خلافة الرئيس في ضوء عدم معرفة كيفية انتقال السلطة في ظل الانقسام وعدم الوفاق وعدم التوجه الحقيقي لإجراء للانتخابات، والصراع الدائر مع محمد دحلان وجماعته في ظل ما يحظى به من دعم عربي، مستفيداً من عدم إدارة ملف العلاقات العربية الفلسطينية بشكل جيد، وما أدى إليه كل ذلك من تجييش وتسليح وتوظيف الزعران والبلطجية وعصابات الجريمة المنظمة التي أصبح لها مكان عندنا، مستفيدة من الحماية التي توفرها لها سلطات الاحتلال في مناطق (ب) و(ج).
ليس هناك ما هو أسوأ من الفوضى والفلتان الأمني، وما يمكن أن تقود إليه من اقتتال يقضي على ما تبقى من قيم وتماسك وأخلاق ومؤسسات، ويمهد الطريق لحل تصفوي فشلوا في تمريره من خلال العدوان والجرائم والدمار والموت والعنصرية التي يمارسها المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي تجسده إسرائيل، ويحاولون إنجاحه بيد الفلسطينيين عبر بث الفتنة والمزيد من التفرقة والشرذمة والانقسام بين صفوفهم.
تأسيساً على ما سبق، ما يجري في نابلس هو نموذج موجود في مناطق أخرى، ففي نفس يوم سقوط خمس ضحايا في نابلس ويعبد شهدت الضفة 12 اشتباكاً مسلحاً، فالحل لا يكون في اتخاذ قرارات تبقى غالباً حبراً على ورق «بالضرب بيد من حديد»، أو بانتظار أن تتحرك السلطة وحدها، وإنما يكمن في حدوث نهوض وطني يقوم على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني، وإعادة إحياء المؤسسات والهوية الوطنية بصورة تشاركية تطغى على الهوية العائلية والعشائرية والجهوية والطائفية، وإعادة صياغة المشروع الوطني بصورة توفّر الأمن والأمان للمواطن والوطن، وتفتح طريق الكفاح من أجل التحرر والعودة والاستقلال الوطني والسيادة.
هذا بعض ما جاء في رسالة وجهها عدد من المؤسسات والفعاليات الوطنية وأكاديميون وشخصيات اعتبارية في مدينة نابلس إلى الرئيس، وطالبوه خلالها بلقاء فوري معه لوضعه بصورة الأحداث الأخيرة التي عصفت ولا تزال تعصف بالوطن عامة، ونابلس على وجه الخصوص.
فما يجري في نابلس ليس مجرد حدث أو أحداث عابرة، بل يخيّم عليها بشكل متزايد شبح الفوضى والفلتان الأمني بما يذكرنا بما حدث في غزة قبل الانقلاب/الحسم العسكري، وفي أواخر الانتفاضتين الأولى والثانية التي جعلت الكثير من الناس يرددون مصطلح روّجت له سلطات الاحتلال «هذه مش انتفاضة بل فوضى».
بات إطلاق الرصاص في ليالي نابلس أمراً روتينياً، وأصبحت هيبة السلطة في الحضيض، ليس لعدم توفيرها الأمن والأمان للمواطن فقط، بل حتى لا تستطيع توفيره لأفرادها. فقد عادت «الخاوات» وأخذ القانون باليد، وأصبح الزعران والبلطجية يسرحون ويمرحون ويعرفون سر التعيين في وزارات وأجهزة السلطة الأمنية، وكيفية الحصول على مكاسب من السلطة، والإفراج عن معتقلين، وعدم ملاحقة المطلوبين الخارجين عن القانون، عبر افتعال شجارات واعتداءات مسلحة. فالسلطة تشتري رضا المسلحين وكف شرهم بالاستجابة لمطالبهم، وهذا ما قامت به بعد الانتفاضة الثانية، إذ استوعبت الزعران والخارجين عن القانون في صفوفها لكف شرّهم من دون محاسبتهم على أعمالهم أو إعادة تأهيلهم، وهذا وفّر أمناً في البداية، لكنه كان بمثابة قنابل موقوتة تنفجر بين وقت وآخر، وتوفر مادّة لاندلاع الفوضى والفلتان الأمني.
وحتى نتعرف أكثر على آراء المواطنين بما يجري، سأعرض نماذج قليلة ليس أشدّها انتقاداً لما يجري تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي من دون ذكر أصحابها لأنني لم أحصل على موافقتهم على نشرها:
- «هذا نتاج غياب العمل المؤسسي والارتجال في العمل، والقادم أسوأ إن لم تتحرك لجنتكم المركزية ومجلسكم الثوري وفصائل منظمة التحرير. الذي يصلح الحال ليس الفرد وإنما جموع الوطنيين».
- «فقط عندما تلوّح نابلس بعصاها وعندما يعلن قادة الرأي فيها إضراباً أو دعوة لعدم دفع الضرائب، ستجد كل المسؤولين الأمنيين والسياسيين على أبواب المدينة لحل مشاكلها».
- «مع احترامي لمركزيّة «فتح» لكن يبدو أنهم يعيشون في كوكب آخر، ولا يعرفون أن مشكلة انتشار الأسلحة واستخدامها في غير اتجاهها تعود ملكيتها لعناصر تابعين لفتح، أو يعملون لدى الأجهزة الأمنية».
- «نعم، المشكلة فينا نحن حركة فتح، فالمسلحون عادة هم منا أو محسوبون علينا، و»فتح» هي المسؤولة عن ضبط هذا الفلتان». (عضو مجلس ثوري)
ويضاف إلى ما سبق، تراجع مكانة القضية، وتآكل شرعية الرئيس والقيادة والمنظمة والسلطة والفصائل والنقابات والجمعيات .. إلخ، هذا إن بقي لديها شيء من الشرعية في ظل عدم إجراء الانتخابات وعدم وجود مؤسسات فاعلة، ولا مراقبة ولا مساءلة ومحاسبة، وتركز كل السلطات والصلاحيات بيد شخص واحد بعيداً عن السلطات الرقابية والقضائية والتشريعية والإعلامية، وتغييب مؤسسات المنظمة والسلطة، وخاصة المجلسين الوطني والتشريعي، ومؤسسات الفصائل التي أصبحت مثل «شاهد الزُّور» و»شاهد ماشفش حاجة»، وعدم اعتماد خيار المقاومة لإعطاء الشرعية.
وما فاقم الأمر أن مختلف الخيارات المعتمدة فشلت ولا توجد قناعة ولا إرادة لتبني خيارات جديدة على الرغم من الحديث المتواصل والتهديد اللفظي باعتماد خيارات جديدة.
وما يزيد الطين بلة تفشي الفساد بلا رادع أو حساب، وتعمّق الانقسام أفقياً وعمودياً، وتردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، واضمحلال الطبقة الوسطى، وازدياد معدلات الهجرة والبطالة.
وما يزيد الأمور سوءاً هو صراع الأجنحة داخل السلطة و»فتح» على المكاسب والوظائف والصلاحيات والوكالات والشركات، والصراع المستتر والمستعر على خلافة الرئيس في ضوء عدم معرفة كيفية انتقال السلطة في ظل الانقسام وعدم الوفاق وعدم التوجه الحقيقي لإجراء للانتخابات، والصراع الدائر مع محمد دحلان وجماعته في ظل ما يحظى به من دعم عربي، مستفيداً من عدم إدارة ملف العلاقات العربية الفلسطينية بشكل جيد، وما أدى إليه كل ذلك من تجييش وتسليح وتوظيف الزعران والبلطجية وعصابات الجريمة المنظمة التي أصبح لها مكان عندنا، مستفيدة من الحماية التي توفرها لها سلطات الاحتلال في مناطق (ب) و(ج).
ليس هناك ما هو أسوأ من الفوضى والفلتان الأمني، وما يمكن أن تقود إليه من اقتتال يقضي على ما تبقى من قيم وتماسك وأخلاق ومؤسسات، ويمهد الطريق لحل تصفوي فشلوا في تمريره من خلال العدوان والجرائم والدمار والموت والعنصرية التي يمارسها المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي تجسده إسرائيل، ويحاولون إنجاحه بيد الفلسطينيين عبر بث الفتنة والمزيد من التفرقة والشرذمة والانقسام بين صفوفهم.
تأسيساً على ما سبق، ما يجري في نابلس هو نموذج موجود في مناطق أخرى، ففي نفس يوم سقوط خمس ضحايا في نابلس ويعبد شهدت الضفة 12 اشتباكاً مسلحاً، فالحل لا يكون في اتخاذ قرارات تبقى غالباً حبراً على ورق «بالضرب بيد من حديد»، أو بانتظار أن تتحرك السلطة وحدها، وإنما يكمن في حدوث نهوض وطني يقوم على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني، وإعادة إحياء المؤسسات والهوية الوطنية بصورة تشاركية تطغى على الهوية العائلية والعشائرية والجهوية والطائفية، وإعادة صياغة المشروع الوطني بصورة توفّر الأمن والأمان للمواطن والوطن، وتفتح طريق الكفاح من أجل التحرر والعودة والاستقلال الوطني والسيادة.