ملاحظات إضافية حول الاتفاق التركي الإسرائيلي

حمادة فراعنة
حجم الخط
وصف نتنياهو الاتفاق التركي الإسرائيلي الذي تم التوقيع عليه يوم 26 حزيران 2016 في روما على أن له «أهمية إستراتيجية للأمن وللاستقرار الإقليمي وللاقتصاد الإسرائيلي، فالاتفاق يتعهد بمنع أي نشاط عسكري ضد إسرائيل من الأراضي التركية بما في ذلك جمع الأموال، وهو تعهد مهم ومركزي غير مسبوق حتى اليوم»، كما قال.
وفي مؤتمره الصحافي الذي كرسه للحديث عن الاتفاق التركي الإسرائيلي، وعقده في روما في أعقاب التوقيع على الاتفاق تحدث نتنياهو عن فحوى الاتفاق فقال:
«الأمر الأول في الاتفاق هو الدفاع عن قادة ومقاتلي الجيش الإسرائيلي في وجه الدعاوى الجنائية والمدنية، سواء تلك المقدمة الآن أو التي ستقدم في المستقبل، لقد تراكمت الآن دعاوى كثيرة، قد تصل إلى ملايين الدولارات وتسبب منع حرية الحركة لجنودنا، الاتفاق يضمن ألا يكون الجنود والمقاتلون والقادة معرضين لدعاوى من قبل تركيا، إضافة إلى ذلك فإن الاتفاق يضمن سن قانون في البرلمان التركي لإلغاء كل هذه الإجراءات في تركيا».
والأمر الثاني، حسب نتنياهو، هو «الحفاظ على الحصار الأمني البحري على قطاع غزة، هذه مصلحة أمنية عليا لنا، لم أكن على استعداد للتساهل بشأنها، هذه مصلحة حيوية لمنع تسلح «حماس»، وقد بقيت كما هي، نحن نسمح بالطبع للسفن بالوصول إلى ميناء أسدود وإنزال حمولتها، ولم نمنع ذلك في أي وقت.
أما الأمر الثالث وفق نتنياهو فهو «علاج الأمور الإنسانية في القطاع بناء على الترتيبات الأمنية الإسرائيلية، فإضافة إلى الاعتبارات الإنسانية، هذه مصلحة واضحة لإسرائيل لاسيما في مجال المياه والكهرباء، حيث لا توجد مياه كافية في غزة، والمدينة تمر بعملية جفاف متدرجة وتتلوث المياه، وهذا الأمر لا يقتصر على غزة والآبار الجوفية فيها، بل ينتقل إلى مياهنا، عندما لا توجد كهرباء كافية تنشأ مشاكل مختلفة بما في ذلك النظافة، وعند وجود الأوبئة فإنها لا تتوقف عند الجدار، هذه مصلحة إنسانية ومصلحة إسرائيلية واضحة».
وأشار إلى أن «الاتفاق سيدعم موضوع دخول إسرائيل إلى حلف الناتو» وشدد على الاقتصاد بقوله: «هذا الاتفاق يفتح مجالا للتعاون في الأمور الاقتصادية وأمور الطاقة، بما في ذلك الغاز، من الضروري خلق أسواق للغاز الذي نستخرجه من المياه، أنا أقول لكم – 60 في المئة من كل شيكل مقابل الغاز الذي يخرج من المياه تصل إلى صندوق الدولة، الحديث يدور عن مبالغ طائلة، باستطاعة حقل لفيتان أن يعطي أيضا السوق المصرية الذي ننوي العمل معها، وأيضا السوق التركية، وإعطاء الغاز لأوروبا عن طريق تركيا، هذا مهم لإسرائيل استراتيجيا، ولم يكن بالإمكان عمل ذلك دون اتفاق».
فلسطينياً، كرس الاتفاق التركي الإسرائيلي مسألتين في غاية الأهمية والخطورة وهما:
أولاً: كرس انفصال قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية، فقد تم دون مشاورة القيادة الفلسطينية أو التنسيق معها باعتبار الاتفاق يمس المصالح الفلسطينية مباشرة، فقد تم الاتصال مع الرئيس محمود عباس لإبلاغه «فحوى الاتفاق بعد إقراره وليس للتشاور معه» كما صرح بذلك عضو تنفيذية منظمة التحرير جميل شحادة، أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية لصحيفة «الغد» يوم 29/6/2016.
وثانياً: كرس تبعية قطاع غزة أمنياً واقتصادياً للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فبوابة المساعدات تمر عبر موافقة تل أبيب وقراراتها، وتدفقها يتم عبر ميناء أسدود الإسرائيلي على الساحل الفلسطيني.
فالانفصال والتبعية هما أبرز عناوين الاتفاق التركي الإسرائيلي فلسطينياً، وهذا يفتح سياسياً على مشروع التسوية مستقبلاً كما قال وزير الخارجية التركي مبلوط كبوس أوغلو، «سنواصل عقد الاجتماعات مع حركة حماس، ولن نغلق مكاتبها عندنا، ولن يتدخل أحد في علاقاتنا مع (حماس)، التي تستهدف الوصول إلى سلام مستقر، فبدون (حماس) لن يقوم سلام يمكن أن يصمد» .
الاتفاق التركي الإسرائيلي يدلل بما لا يدعو مجالاً للشك أنه يخدم مصالح الطرفين، التركي والإسرائيلي، وهنا مكمن المشكلة أن الأطراف جميعاً تتصرف وتتحرك وتصل إلى اتفاقات بما يخدم مصالحها، بينما مصالح الشعب الفلسطيني متروكة للهزات وادعاءات الآخرين بالحرص عليها، ولكنها حقيقة آخر الأولويات لدى الآخرين، أشقاء أو أصدقاء، والذين يفترض بهم الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني من الفصائل الفلسطينية، يعطون الأولوية لمصالحهم الحزبية والتنظيمية وتسقط مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه وتضعف، بسبب الانقسامات المدمرة والخلافات العميقة.
الاتفاق التركي الإسرائيلي يجب أن يعطي العرب درساً بليغاً مفاده أن الدول تتصرف وفق مصالحها وليس وفق أهواء قياداتها، فها هو الرئيس التركي يقدم الاعتذار لروسيا في محاولة لإنهاء القطيعة مع موسكو، وها هو يصل إلى قرار إعادة تطبيع العلاقات مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ويتفاهم معه ويعود ذلك كله إلى حالة الانحسار والتراجع التي تواجه السياسية التركية لخوضها معارك على جبهات مختلفة، دون أن تضيف مكاسب لأمنها واقتصادها ودورها، بل على العكس من ذلك تعيش حالة استنزاف في مواجهة «داعش» و»القاعدة» مثلما تعيش حالة تصادم مع الأكراد، وبرنامجها نحو سورية فشل فشلاً ذريعاً عبر دعم المعارضة المسلحة بهدف إسقاط النظام، الأمر الذي دفع أنقرة بقيادة أردوغان لعمل استدارة سياسية كبيرة للتعامل مع المستجدات ومحاولة التكيف معها.