استخلاصات الذكرى السنوية العاشرة للحرب الثانية في لبنان – التي تم تبكير موعدها شهراً بسبب المنافسة بين القنوات – أظهرت محاولة النظر الى الحرب من خلال نظارات اخرى. ربما نظر المحللون والمذيعون الى الوراء نظرة تصالح؛ لم تكن تلك الحرب سيئة الى هذه الدرجة.
البعد الزمني يساعد في اعطاء الاطار المناسب. الحرب التي اندلعت في 12 تموز 2006 لم تسبب كارثة بحجم حرب «يوم الغفران» في العام 1973. والعدو ايضا لم يكن الوحش الذي كان يوصف احيانا في وسائل الاعلام الاسرائيلية (كما فعل الوزير في حينه، اسحق هرتسوغ، الذي وصف «حزب الله» في نهاية الحرب بـ»أحد أقوى الجيوش في العالم»).
رغم أن اسرائيل واجهت في السابق «حزب الله» ومنظمات «الارهاب» الفلسطينية، إلا أنها واجهت في لبنان لاول مرة مواجهة صعبة. حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لم ينجح في حسم المعركة أمام عدو يمتنع عن أي معركة مباشرة، وضرب ذيله في كل فرصة وأطلق الكاتيوشا الى الجليل حتى اليوم الاخير من الحرب، أثارت خيبة أمل كبيرة في الحكومة وفي اوساط الجمهور وفي الجيش نفسه. في السنوات السابقة تعلمت اسرائيل عدداً من الاشياء حول هذه المواجهات. وهناك اسباب للقول إن الجيش الاسرائيلي سيعرف في المرة القادمة كيف يواجه التحدي بشكل افضل، رغم أن صعوبة الحسم الكامل ما زالت قائمة.
تعتمد التقديرات التي يتحدث بها الكثيرون حول الحرب على تفسيرين. أحدهما فقط يُذكر علناً. الاول، الشرعي، يتعلق بالنتائج في الميدان. الهدوء النسبي الذي يسود على الحدود مع لبنان منذئذ هو استثناء تاريخي. في السنوات السابقة، أي السبعينيات، حيث كانت المنظمات الفلسطينية، مرورا بأيام الحزام الامني في جنوب لبنان وانتهاء بتحرشات «حزب الله» الهجومية بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي في 2000، كان يسجل الاحتكاك الامني في فترات متقاربة أكثر، لذلك فان الهدوء هو بمثابة دفاع متأخر حول أداء الحكومة والجيش الاسرائيلي في الحرب ذاتها.
التفسير الثاني، السياسي، خفي عن العين. ايهود اولمرت، الذي أدار الحرب، كان رئيس الحكومة الاخير الذي تم تأييده من اليسار والوسط. فشله في لبنان أعطى دفعة لبنيامين نتنياهو، وأدى بشكل غير مباشر بعد سنتين ونصف الى عودة الاخير الى الحكم (فيما بعد تبين أن نتنياهو دعم، سراً، احتجاج الاحتياط بعد الحرب على أمل تسريع سقوط اولمرت). كلما ازداد الغضب في اليسار حول ولاية نتنياهو كرئيس حكومة، التي تبدو أبدية، زاد التوجه لاحاطة حقبة اولمرت بالورود واعادة النظر، حيث ان هذا التوجه يعتمد على قصف المفاعل النووي في سورية، المنسوب لاسرائيل، ويمكن فهم ذلك. تبدأ المشكلة عند محاولة التقليل من اعمال الفساد التي تم ارسال اولمرت بسببها الى السجن، والاخطر من ذلك هو الطريقة التسامحية التي يحاكمون فيها اليوم أداء اولمرت، وأداء الحكومة والجيش الاسرائيلي في حرب 2006.
حرب لبنان الثانية كانت وما زالت فشلا ذريعا. من يتعلق بالهدوء في الحدود يتجاهل الاسباب الثلاثة الاساسية التي تساهم في استمرار هذا الهدوء. السبب الاول هو الحرب الاهلية في سورية. منذ اندلاعها في آذار 2011 وبشكل أكبر منذ طلب الرئيس بشار الاسد مساعدة «حزب الله» العسكرية في صيف 2012، فان المنظمة الشيعية غارقة حتى عنقها في الحرب هنا. يضع «حزب الله» في سورية بشكل دائم 5 آلاف مقاتل على الاقل، وهذا تقريبا ربع قوته النظامية. وقتل نحو 1600 من مقاتليه (ضعف خسائره في 2006) وأصيب نحوا من 6 آلاف.
اضطر «حزب الله» للمرة الاولى الى الاهتمام بمعاقيه وعائلات الضحايا. الاولوية الاولى للأمين العام لـ»حزب الله»، حسن نصر الله، واسياده في طهران هي الحفاظ على نظام الاسد في سورية. وفتح الحرب مع اسرائيل سيحرف «حزب الله» عن جهد الاساسي اليوم. الخسائر التي سيتكبدها في حرب كهذه من الجيش الاسرائيلي ستكون بمثابة اضعاف لسيطرة نظام الاسد والايرانيين في سورية وتعريض «حزب الله» لهجوم من أعدائه السنة داخل لبنان.
تجدر الاشارة الى أن ايران ايضا ساعدت في العقد الاخير في زيادة عدد الصواريخ والقذائف للمنظمة – حوالي 130 ألف حسب التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية – وقد غضبت ايران، لاسباب استراتيجية تخصها، على اختطاف جندي اسرائيلي على الحدود، الامر الذي أدى الى اندلاع حرب 2006. بعد الحرب أخذت ايران من نصر الله بعض الصلاحيات وقيدت استقلاليته. على رأس اهتمامات طهران كان خطر القصف الاسرائيلي أحادي الجانب لمنشآتها النووية.
ساعدت الصواريخ الدقيقة، التي استهدفت تل ابيب وحيفا، على ردع نتنياهو الذي كان يفحص الهجوم على ايران. ومنذ وقع اتفاق فيينا قبل سنة لم يعد المشروع النووي الايراني مركز الاهتمام الاستراتيجي في المنطقة. ولكن طالما أن ايران اعتقدت أن اسرائيل قد تهاجمها، بقيت الصواريخ من أجل الردع وكرد مستقبلي على اسرائيل. الآن يبدو في الظروف الحالية أنه لا تريد ايران مواجهة عسكرية اخرى تسحق «حزب الله» ومستودعات الاسلحة دون تحقيق اهداف استراتيجية حيوية لإيران.
السبب الثالث للهدوء يتعلق بالردع المتبادل. أثبتت اسرائيل في 2006 أنها قادرة على الحاق الضرر بـ»حزب الله» (والفضل في ذلك يعود لايهود اولمرت الذي لم يكن متساهلا في الحدود الشمالية مثل باراك وارئيل شارون). قصف الضاحية في جنوب بيروت، معقل «حزب الله»، والضرر الشديد الذي لحق بالقرى الشيعية في جنوب لبنان، التي انتشرت فيها مخازن «حزب الله» ومقرات قيادته، يبدو أن هذا يجعل نصر الله الآن يفكر مرتين قبل خروجه الى مواجهة اخرى مع اسرائيل. لكن هذه العملة لها وجه آخر. تدرك إسرائيل كمية الاسلحة التي لدى «حزب الله»، وقدرته على اسقاط 1500 صاروخ وقذيفة يوميا على الجبهة الداخلية وامكانية ضرب المواقع الاستراتيجية (محطات الطاقة، الموانئ، والمطارات) وعدم قدرة اجهزة الدفاع ضد الصواريخ على توفير الحماية الكاملة للمواطنين.
إدراك متبادل
الادراك المتبادل ملموس في السنوات الاخيرة، في كل مرة وقف فيها الجانبان أمام صدام نتيجة حادثة محلية. الحادثة الابرز كانت في كانون الثاني 2015، في القصف الجوي الذي نسب لاسرائيل في هضبة الجولان، حيث قتل سبعة نشطاء منهم قائد في «حزب الله»، جهاد مغنية، وجنرال ايراني. وقد رد «حزب الله» بعد عشرة ايام من خلال كمين للصواريخ ضد الدبابات أدى الى قتل ضابط وجندي من «جفعاتي» في جبل دوف. وقرر الطرفان التوقف عند هذا الحد، لأن من الواضح أن كل رد آخر كان سيشعل الحرب. تكرر هذا بشكل مشابه بعد سنة من موت «المخرب» سمير قنطار، حسب ما قيل، بسبب قصف جوي بالقرب من دمشق. هدد نصر الله مجددا برد شديد، واكتفى مرة اخرى برد محدود، حيث امتنعت اسرائيل عن الرد مجددا. هل يخافون؟ يتبين أننا نحن ايضا نخاف قليلا، وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع الحرب.
أحاديث مع ضباط الجيش الاسرائيلي، ممن يلعبون دورا مهما في الحرب واولئك الذين يوجدون في هذا الموقع الآن، تؤكد أن الجيش يدرك هذه الابعاد. وخلافا لبعض السياسيين والصحافيين، لا يميلون في هيئة الاركان الى تجميل النتائج قبل عقد. هناك ايضا يفهمون أنه مع مراعاة توازن القوى بين الجيش الاسرائيلي و»حزب الله» عند اندلاع الحرب، ورغم الفجوات في التحضير المسبق للجيش الاسرائيلي، فانه منذ لحظة اتخاذ قرار الرد على الاختطاف بشكل يؤدي الى اندلاع الحرب، طُلب من الجيش أداء ونتائج مختلفان.
استعداد منخفض
ليس هناك حرب خالية من الكوارث والاخفاقات. ومع ذلك فان الـ 34 يوما في صيف 2006 كانت صعبة جدا. تأثر سلوك اسرائيل من استعداد الجيش المنخفض الذي قلص التدريبات وصب جهده في السنوات الست التي سبقت الحرب على مواجهة «الارهاب» الفلسطيني. وفي الوقت ذاته أقنعت قيادة الجيش نفسها بأن كل شيء عسل، وأنه لا يوجد مثل ملاحقة «انتحاري» فلسطيني في طريقه من نابلس الى تل ابيب من اجل اعداد الجيش لمواجهة المحاربين المتدربين والمسلحين لـ»حزب الله» في مارون الراس وبنت جبيل.
وقد ساهم في الفشل ايضا عدم وجود نضوج لدى القادة الثلاثة – اولمرت الذي دخل فجأة المنصب في أعقاب مرض شارون، وزير الدفاع، عمير بيرتس، الذي دخل منصبه دون أي اعداد مسبق؛ لأن اولمرت خشي من اعطائه وزارة المالية، ورئيس الاركان، دان حلوتس، الذي تفوق في سلاح الجو. وقد اظهرت الحرب أن التجربة ضرورية، وأن غياب معرفة رئيس الاركان لطريقة عمل الجيش قد يشكل أمرا حاسما عند المصادقة على خطط الهجوم. كان غياب التجربة لدى الثلاثة متناسباً عكسيا مع ما تظاهروا به اثناء الحرب.
في الخلاصة، صادق «الكابينت» والحكومة برئاسة اولمرت على قصف واسع لمواقع الاطلاق لـ»حزب الله» في المستوى المتوسط، دون فهم أن مغزى ذلك هو اعلان للحرب ودون معرفة نواقص جاهزية الوحدات النظامية والاحتياط والمشاة، والمعلومات الاستخبارية المحدودة عن «حزب الله» والخطط التنفيذية غير المعدلة في الجبهة الشمالية. واستنفد القصف الجوي الناجح نفسه بعد اربعة ايام، وتقرر الاستمرار بالحرب دون تعديل الاهداف أو البحث عن عمل بديل.
في الاسابيع الاربعة التالية تحركت فرق الجيش بدون فائدة بشكل محدود في جنوب لبنان لأن الحكومة والجيش لم ينجحا في تحديد الخطوة المطلوبة من اجل تحقيق التفوق على «حزب الله». وعندما تم التوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار بوساطة اميركية وفرنسية، صمم اولمرت وبيرتس وحلوتس على ادخال القوات الى الداخل في عملية برية أخيرة، الامر الذي تسبب بقتل 33 جنديا اسرائيليا في 60 ساعة. الخطوة الاخيرة تم قطعها في ذروتها وقبل دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ دون تحقيق أي شيء ودون التأثير على الاتفاق النهائي. غريزة الجمهور الاسرائيلي لم تكن مضللة بعد الحرب. ويشير عدم الثقة باولمرت وبالاصلاحات التي قام بها الجيش الى الطابع الحقيقي للحرب التي اندلعت قبل عقد.
الصواريخ التي زاد عددها وتضاعف هي مصدر القوة الاساسي لـ»حزب الله». ويؤكد نصر الله في خطاباته على قدرته للوصول الى أي مكان في اسرائيل. وإضافة الى ازدياد مدى الصواريخ التي قد تغطي أي مكان في اسرائيل فان الامر المقلق هو دقتها. صحيح أن الحديث يدور عن بضعة آلاف من هذه الصواريخ، إلا أن هذا أمر مقلق. ويعتمد «حزب الله» ايضا على تجربته التي اكتسبها من الحرب السورية. وقد ساعد وجود الضباط الروس والايرانيين في سورية في تحسين التقنية العسكرية لـ»حزب الله» والعمل في أطر تنفيذية أكبر تشتمل على التنسيق بين سلاح الجو والمدرعات والاستخبارات.
يهدد نصر الله في خطاباته بالقدرة الهجومية وباحتلال الجليل، الامر الذي جعل الجيش الاسرائيلي ينظر الى «حزب الله» على أنه جيش بكل معنى الكلمة وليس منظمة حرب عصابات.
البعد الزمني يساعد في اعطاء الاطار المناسب. الحرب التي اندلعت في 12 تموز 2006 لم تسبب كارثة بحجم حرب «يوم الغفران» في العام 1973. والعدو ايضا لم يكن الوحش الذي كان يوصف احيانا في وسائل الاعلام الاسرائيلية (كما فعل الوزير في حينه، اسحق هرتسوغ، الذي وصف «حزب الله» في نهاية الحرب بـ»أحد أقوى الجيوش في العالم»).
رغم أن اسرائيل واجهت في السابق «حزب الله» ومنظمات «الارهاب» الفلسطينية، إلا أنها واجهت في لبنان لاول مرة مواجهة صعبة. حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لم ينجح في حسم المعركة أمام عدو يمتنع عن أي معركة مباشرة، وضرب ذيله في كل فرصة وأطلق الكاتيوشا الى الجليل حتى اليوم الاخير من الحرب، أثارت خيبة أمل كبيرة في الحكومة وفي اوساط الجمهور وفي الجيش نفسه. في السنوات السابقة تعلمت اسرائيل عدداً من الاشياء حول هذه المواجهات. وهناك اسباب للقول إن الجيش الاسرائيلي سيعرف في المرة القادمة كيف يواجه التحدي بشكل افضل، رغم أن صعوبة الحسم الكامل ما زالت قائمة.
تعتمد التقديرات التي يتحدث بها الكثيرون حول الحرب على تفسيرين. أحدهما فقط يُذكر علناً. الاول، الشرعي، يتعلق بالنتائج في الميدان. الهدوء النسبي الذي يسود على الحدود مع لبنان منذئذ هو استثناء تاريخي. في السنوات السابقة، أي السبعينيات، حيث كانت المنظمات الفلسطينية، مرورا بأيام الحزام الامني في جنوب لبنان وانتهاء بتحرشات «حزب الله» الهجومية بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي في 2000، كان يسجل الاحتكاك الامني في فترات متقاربة أكثر، لذلك فان الهدوء هو بمثابة دفاع متأخر حول أداء الحكومة والجيش الاسرائيلي في الحرب ذاتها.
التفسير الثاني، السياسي، خفي عن العين. ايهود اولمرت، الذي أدار الحرب، كان رئيس الحكومة الاخير الذي تم تأييده من اليسار والوسط. فشله في لبنان أعطى دفعة لبنيامين نتنياهو، وأدى بشكل غير مباشر بعد سنتين ونصف الى عودة الاخير الى الحكم (فيما بعد تبين أن نتنياهو دعم، سراً، احتجاج الاحتياط بعد الحرب على أمل تسريع سقوط اولمرت). كلما ازداد الغضب في اليسار حول ولاية نتنياهو كرئيس حكومة، التي تبدو أبدية، زاد التوجه لاحاطة حقبة اولمرت بالورود واعادة النظر، حيث ان هذا التوجه يعتمد على قصف المفاعل النووي في سورية، المنسوب لاسرائيل، ويمكن فهم ذلك. تبدأ المشكلة عند محاولة التقليل من اعمال الفساد التي تم ارسال اولمرت بسببها الى السجن، والاخطر من ذلك هو الطريقة التسامحية التي يحاكمون فيها اليوم أداء اولمرت، وأداء الحكومة والجيش الاسرائيلي في حرب 2006.
حرب لبنان الثانية كانت وما زالت فشلا ذريعا. من يتعلق بالهدوء في الحدود يتجاهل الاسباب الثلاثة الاساسية التي تساهم في استمرار هذا الهدوء. السبب الاول هو الحرب الاهلية في سورية. منذ اندلاعها في آذار 2011 وبشكل أكبر منذ طلب الرئيس بشار الاسد مساعدة «حزب الله» العسكرية في صيف 2012، فان المنظمة الشيعية غارقة حتى عنقها في الحرب هنا. يضع «حزب الله» في سورية بشكل دائم 5 آلاف مقاتل على الاقل، وهذا تقريبا ربع قوته النظامية. وقتل نحو 1600 من مقاتليه (ضعف خسائره في 2006) وأصيب نحوا من 6 آلاف.
اضطر «حزب الله» للمرة الاولى الى الاهتمام بمعاقيه وعائلات الضحايا. الاولوية الاولى للأمين العام لـ»حزب الله»، حسن نصر الله، واسياده في طهران هي الحفاظ على نظام الاسد في سورية. وفتح الحرب مع اسرائيل سيحرف «حزب الله» عن جهد الاساسي اليوم. الخسائر التي سيتكبدها في حرب كهذه من الجيش الاسرائيلي ستكون بمثابة اضعاف لسيطرة نظام الاسد والايرانيين في سورية وتعريض «حزب الله» لهجوم من أعدائه السنة داخل لبنان.
تجدر الاشارة الى أن ايران ايضا ساعدت في العقد الاخير في زيادة عدد الصواريخ والقذائف للمنظمة – حوالي 130 ألف حسب التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية – وقد غضبت ايران، لاسباب استراتيجية تخصها، على اختطاف جندي اسرائيلي على الحدود، الامر الذي أدى الى اندلاع حرب 2006. بعد الحرب أخذت ايران من نصر الله بعض الصلاحيات وقيدت استقلاليته. على رأس اهتمامات طهران كان خطر القصف الاسرائيلي أحادي الجانب لمنشآتها النووية.
ساعدت الصواريخ الدقيقة، التي استهدفت تل ابيب وحيفا، على ردع نتنياهو الذي كان يفحص الهجوم على ايران. ومنذ وقع اتفاق فيينا قبل سنة لم يعد المشروع النووي الايراني مركز الاهتمام الاستراتيجي في المنطقة. ولكن طالما أن ايران اعتقدت أن اسرائيل قد تهاجمها، بقيت الصواريخ من أجل الردع وكرد مستقبلي على اسرائيل. الآن يبدو في الظروف الحالية أنه لا تريد ايران مواجهة عسكرية اخرى تسحق «حزب الله» ومستودعات الاسلحة دون تحقيق اهداف استراتيجية حيوية لإيران.
السبب الثالث للهدوء يتعلق بالردع المتبادل. أثبتت اسرائيل في 2006 أنها قادرة على الحاق الضرر بـ»حزب الله» (والفضل في ذلك يعود لايهود اولمرت الذي لم يكن متساهلا في الحدود الشمالية مثل باراك وارئيل شارون). قصف الضاحية في جنوب بيروت، معقل «حزب الله»، والضرر الشديد الذي لحق بالقرى الشيعية في جنوب لبنان، التي انتشرت فيها مخازن «حزب الله» ومقرات قيادته، يبدو أن هذا يجعل نصر الله الآن يفكر مرتين قبل خروجه الى مواجهة اخرى مع اسرائيل. لكن هذه العملة لها وجه آخر. تدرك إسرائيل كمية الاسلحة التي لدى «حزب الله»، وقدرته على اسقاط 1500 صاروخ وقذيفة يوميا على الجبهة الداخلية وامكانية ضرب المواقع الاستراتيجية (محطات الطاقة، الموانئ، والمطارات) وعدم قدرة اجهزة الدفاع ضد الصواريخ على توفير الحماية الكاملة للمواطنين.
إدراك متبادل
الادراك المتبادل ملموس في السنوات الاخيرة، في كل مرة وقف فيها الجانبان أمام صدام نتيجة حادثة محلية. الحادثة الابرز كانت في كانون الثاني 2015، في القصف الجوي الذي نسب لاسرائيل في هضبة الجولان، حيث قتل سبعة نشطاء منهم قائد في «حزب الله»، جهاد مغنية، وجنرال ايراني. وقد رد «حزب الله» بعد عشرة ايام من خلال كمين للصواريخ ضد الدبابات أدى الى قتل ضابط وجندي من «جفعاتي» في جبل دوف. وقرر الطرفان التوقف عند هذا الحد، لأن من الواضح أن كل رد آخر كان سيشعل الحرب. تكرر هذا بشكل مشابه بعد سنة من موت «المخرب» سمير قنطار، حسب ما قيل، بسبب قصف جوي بالقرب من دمشق. هدد نصر الله مجددا برد شديد، واكتفى مرة اخرى برد محدود، حيث امتنعت اسرائيل عن الرد مجددا. هل يخافون؟ يتبين أننا نحن ايضا نخاف قليلا، وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع الحرب.
أحاديث مع ضباط الجيش الاسرائيلي، ممن يلعبون دورا مهما في الحرب واولئك الذين يوجدون في هذا الموقع الآن، تؤكد أن الجيش يدرك هذه الابعاد. وخلافا لبعض السياسيين والصحافيين، لا يميلون في هيئة الاركان الى تجميل النتائج قبل عقد. هناك ايضا يفهمون أنه مع مراعاة توازن القوى بين الجيش الاسرائيلي و»حزب الله» عند اندلاع الحرب، ورغم الفجوات في التحضير المسبق للجيش الاسرائيلي، فانه منذ لحظة اتخاذ قرار الرد على الاختطاف بشكل يؤدي الى اندلاع الحرب، طُلب من الجيش أداء ونتائج مختلفان.
استعداد منخفض
ليس هناك حرب خالية من الكوارث والاخفاقات. ومع ذلك فان الـ 34 يوما في صيف 2006 كانت صعبة جدا. تأثر سلوك اسرائيل من استعداد الجيش المنخفض الذي قلص التدريبات وصب جهده في السنوات الست التي سبقت الحرب على مواجهة «الارهاب» الفلسطيني. وفي الوقت ذاته أقنعت قيادة الجيش نفسها بأن كل شيء عسل، وأنه لا يوجد مثل ملاحقة «انتحاري» فلسطيني في طريقه من نابلس الى تل ابيب من اجل اعداد الجيش لمواجهة المحاربين المتدربين والمسلحين لـ»حزب الله» في مارون الراس وبنت جبيل.
وقد ساهم في الفشل ايضا عدم وجود نضوج لدى القادة الثلاثة – اولمرت الذي دخل فجأة المنصب في أعقاب مرض شارون، وزير الدفاع، عمير بيرتس، الذي دخل منصبه دون أي اعداد مسبق؛ لأن اولمرت خشي من اعطائه وزارة المالية، ورئيس الاركان، دان حلوتس، الذي تفوق في سلاح الجو. وقد اظهرت الحرب أن التجربة ضرورية، وأن غياب معرفة رئيس الاركان لطريقة عمل الجيش قد يشكل أمرا حاسما عند المصادقة على خطط الهجوم. كان غياب التجربة لدى الثلاثة متناسباً عكسيا مع ما تظاهروا به اثناء الحرب.
في الخلاصة، صادق «الكابينت» والحكومة برئاسة اولمرت على قصف واسع لمواقع الاطلاق لـ»حزب الله» في المستوى المتوسط، دون فهم أن مغزى ذلك هو اعلان للحرب ودون معرفة نواقص جاهزية الوحدات النظامية والاحتياط والمشاة، والمعلومات الاستخبارية المحدودة عن «حزب الله» والخطط التنفيذية غير المعدلة في الجبهة الشمالية. واستنفد القصف الجوي الناجح نفسه بعد اربعة ايام، وتقرر الاستمرار بالحرب دون تعديل الاهداف أو البحث عن عمل بديل.
في الاسابيع الاربعة التالية تحركت فرق الجيش بدون فائدة بشكل محدود في جنوب لبنان لأن الحكومة والجيش لم ينجحا في تحديد الخطوة المطلوبة من اجل تحقيق التفوق على «حزب الله». وعندما تم التوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار بوساطة اميركية وفرنسية، صمم اولمرت وبيرتس وحلوتس على ادخال القوات الى الداخل في عملية برية أخيرة، الامر الذي تسبب بقتل 33 جنديا اسرائيليا في 60 ساعة. الخطوة الاخيرة تم قطعها في ذروتها وقبل دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ دون تحقيق أي شيء ودون التأثير على الاتفاق النهائي. غريزة الجمهور الاسرائيلي لم تكن مضللة بعد الحرب. ويشير عدم الثقة باولمرت وبالاصلاحات التي قام بها الجيش الى الطابع الحقيقي للحرب التي اندلعت قبل عقد.
الصواريخ التي زاد عددها وتضاعف هي مصدر القوة الاساسي لـ»حزب الله». ويؤكد نصر الله في خطاباته على قدرته للوصول الى أي مكان في اسرائيل. وإضافة الى ازدياد مدى الصواريخ التي قد تغطي أي مكان في اسرائيل فان الامر المقلق هو دقتها. صحيح أن الحديث يدور عن بضعة آلاف من هذه الصواريخ، إلا أن هذا أمر مقلق. ويعتمد «حزب الله» ايضا على تجربته التي اكتسبها من الحرب السورية. وقد ساعد وجود الضباط الروس والايرانيين في سورية في تحسين التقنية العسكرية لـ»حزب الله» والعمل في أطر تنفيذية أكبر تشتمل على التنسيق بين سلاح الجو والمدرعات والاستخبارات.
يهدد نصر الله في خطاباته بالقدرة الهجومية وباحتلال الجليل، الامر الذي جعل الجيش الاسرائيلي ينظر الى «حزب الله» على أنه جيش بكل معنى الكلمة وليس منظمة حرب عصابات.