الكاتب: شفيق التلولي
أيها الموتى في بلاد البرد والجليد خذوا حصتكم من القهر في بلاد كانت تسمى بلاد النيل والعاصي والفرات ولا تنسوا اصطحاب أكفانكم معكم؛ لعلها تقيكم برد ثلاجات الموتى في السويد قبل أن تبعثون في بحيرة طبريا، وحتى ينفخ في الصور فسوف تطول رقدتكم هناك، وستشعرون بالبرد الشديد حسب الطقس الغربي لفتوى التشريح.
في روايتي التي ختمتها بلوحة "السويد أرض الميعاد" لم أكن أعلم بأن باب موت الغرباء سيظل مشرعا وأن البرق سيحرق أقدام من امتطوا الحصن الخشبية كطوق نجاة من حمأة بركان الربيع العربي الملتهب لكن هذا الموت يأبى إلا أن يتربص بأولئك الباحثين عن أرض الميعاد.
لم أكن أرغب في الكتابة عن موت الغرباء؛ كي لا أفسد على القارئ فرحة العيد، غير أن الشاب الفلسطيني الغزي علاء فؤاد أبو سمرة أبى إلا أن يلحق بركب موتى البرد والغربة والجليد على أرض الميعاد في السويد في آخر يوم من صيامهم الغربي الطويل، بعدما تناول طعام الإفطار برفقة أصدقائه من اللاجئين السوريين الذين كانوا يحتفلون بإعلان دار الإفتاء الإسلامية عن ثبوت عيد الفطر السعيد على الطريقة القمرية الغربية، فبين الخيط الأسود والأبيض شقت روح علاء طريقها إلى سماء غريبة تتأخر فيها الشمس عن المغيب، وذلك إثر نوبة قلبية قاتلة لم يسبقها سوى صيحة واحدة مملوءة بالآه؛ حتى انسلت وانبرت لتسكت أنفاسه تاركا إبنته الطفلة التي لجأ إلى السويد متكئا عليها، فيما بقيت زوجته في غزة تنتظر اللحاق بهما ريثما ترتيب الإجراءات الكفيلة بذلك.
يا هذا العجوز السويدي ألم أخبرك في روايتي بأننا لا زلنا نبحث عن حياة في كريمة في بلادنا كما نصحتني؟! لكنني لم أعرف كيف ومتى ناهيك عن أن الموت يجتاح المهجرين في بلادكم قبل أن يعودوا بأحصنتهم الأصيلة اليها؟! قل لي بالله عليك إن كنت ما زلت على قيد الحياة كيف سيدفن أبو علاء فلذة كبده بعد رحلة طويلة وزوجته وأولاده حيث قدموا من النرويج التي لجأوا إليها أيضا، كما فعل علاء من ذي قبل؟! كيف سيمكث هناك زهاء شهر من الزمان وكيف سيتسلم جثمانه لدفنه والوقف الإسلامي هو من يتولى هذا الأمر بعد تشريح اللاجئين كما هو معمول به وفقا لأنظمة التوطين المؤقت وقوانين معسكرات اللجوء في أرض الميعاد؟!
مات علاء كما رندة وغيرها ممن ماتوا غرباء في روايتي ولم تنته الحكاية ماتوا ولا تدري نفس كل منهم ماذا تكسب له غدا ولا بأي أرض تموت، مات علاء الذي حلم بالهجرة على مدار ثلاثين عاما، هاجر إلى الله غريبا وهاجرت أحلامه كما أحلام الشباب التي تتأرجح مرتبكة بين الحياة والحياة، بين الموت والموت، بين الوطن والوطن، وبين غربة الروح والإغتراب والإشتباك والإحتراب.
ماذا فاعلون يا أنتم يا حراس الأمة وسدنتها، يا من تدعون السؤددا؟! ألا اهتزت عروشكم موت الغرباء واغتيال أحلام الشباب وحياة البسطاء؟! الويل لكم من لعنات أرواح المعذبين في الأرض السائحين الباحثين عن الحياة بعيدا عن تخاريف الربيع في بلاد البرد والجليد.
رحم الله الشاب الغريب علاء أبو سمرة ونحسبه شهيدا في الفردوس الأعلى بإذنه تعالى، وتعازينا الحارة لذوي علاء آل أبو سمرة وأبو زعيتر الكرام في الوطن والشتات وبخاصة جدته ووالده فؤاد ووالدته وإخوته وأخواته وزوجته والأبناء وأخيه فائق وزوجته خالتي العزيزة شفاء الحلو والأبناء وكل الأصدقاء الغرباء من فلسطينيين وسوريين ممن صاحبوه في رحلة العناء والشقاء.