بعيداً عن دعوات السلام والتعايش والشراكة وهي متواضعة قليلة وضعيفة، هناك قوى غالبة لدى المجتمع الإسرائيلي، تملك التأثير والأغلبية لدى البرلمان والأحزاب وتشكل العمود الفقري الحزبي والبرلماني لحكومة نتنياهو، تعمل على زيادة الاستيطان الاستعماري التوسعي على أرض الفلسطينيين نقيضاً لمصالحهم وتدميراً لحياتهم ومصدر عيشهم، وما قرارات حكومة نتنياهو الأخيرة بتوفير الدعم المالي للاستيطان والمستوطنين سوى تجسيد لنظرة هذه الاتجاهات الفاعلة والمؤثرة داخل المجتمع الإسرائيلي مثلما تعكس أسلوب عملهم في التوجه لاستثمار الوقت، وخلق حقائق مادية بشرية إسرائيلية على الأرض الفلسطينية تهدف إلى تغيير المعالم والسكان وتوطين مجموعات أجنبية يهودية قادمة تُعتبر الأكثر عنصرية، ولديها عقيدة استعمارية، وجموحاً توسعياً، وتوظيف عامل الزمن وسرعة تعديل موازين العامل الديمغرافي عليها وفيها، وجعلها طاردة لسكانها الفلسطينيين وإضعافهم وتشتيتهم، وفرض نتائج إسرائيلية تحول دون تماسك العامل الديمغرافي مع العامل الجغرافي في الضفة والقدس والقطاع، لتمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
زئيف جابوتنسكي كتب في «إسرائيل اليوم» الصحيفة المقربة من نتنياهو والمدافعة الدائمة عن سياساته مقالاً يوم 21/6/2016 فسر فيه فهمه لشعار حل الدولتين بقوله « إن الدولتين تعني، دولة عربية واحدة نقية من اليهود، أي في إطار اتفاق كهذا يتم تهجير كل اليهود من داخلها، والدولة الثانية ستكون دولة يعيش فيها اليهود والعرب معاً وتحويلها من دولة اليهود إلى دولة جميع مواطنيها».
وهو يعني أن الدولة الفلسطينية في مناطق 67 أي في الضفة والقدس والقطاع، ستكون دولة فلسطينية فقط بعد إزالة المستوطنات ورحيل المستوطنين عنها، كما سبق وحصل في قطاع غزة عام 2005، وأن الدولة الأخرى في مناطق 48 ستكون دولة ثنائية يعيش فيها الفلسطينيون أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة مع اليهود الإسرائيليين، وبذلك فهو يستكثر على الفلسطينيين أن يبقوا حيث هُم في بلدهم، في القرى والمدن التي ولدوا فيها وتربوا وعاشوا وورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ولم يأتوا لها هاربين أو مستعمرين أو لاجئين !! .
ويرى جابوتنسكي أن «حل الدولتين لم يعد قابلاً للتحقق لأن المستوطنات أنشأت وضعاً جديداً في يهودا والسامرة» لا يستطيع أحد تغييره، ومن هنا خطورة استمرار الاستيطان والسكوت عليه فلسطينياً وعربياً ودولياً، فالاستيطان يعني التوسع للمشروع الاستعماري الإسرائيلي، والاستيطان يعني تدمير حياة الفلسطينيين ويعني إعاقة إقامة دولة فلسطينية، ولهذا فالدعم المقدم للاستيطان والمستوطنين كسياسة منهجية إسرائيلية منظمة، تعكس برنامج حكومة نتنياهو والتزاماتها أمام المستوطنين وأحزابهم، واستجابة لتوجهات المجتمع الإسرائيلي المتطرف، ولهذا وتأكيداً لهذه السياسة يرى زئيف جابوتنسكي ضرورة السعي إلى حل آخر وهو «الفرض التدريجي للقانون الإسرائيلي على الأرض، لأن هذا هو الحل الوحيد الذي سيعزز مكانتها ويخلق الاستقرار، وهو الذي لا يعرض الأغلبية اليهودية للخطر».
الفرض التدريجي للقانون الإسرائيلي على الضفة الفلسطينية هو ما يعمل له نتنياهو وحكومته على تنفيذه وهو يوفر للمستوطنين وللمستوطنات كامل احتياجاتهم، وتلبية برامجهم، وتعزيز فرص بقائهم على الأرض الفلسطينية، وتوفير الحماية الكاملة السياسية والمالية والأمنية لاستدامة حياتهم على الأرض الفلسطينية المنهوبة.
محاولات أوروبا وفي طليعتها فرنسا، ونصائح الولايات المتحدة الدافئة، وجهود الأردن والمبادرة المصرية، ومن قبلهم مبادرة السلام السعودية التي تم تعريبها في قمة بيروت 2002، لم تجد نفعاً، ولن تجدي لأن عوامل جعل الاحتلال مكلفاً مادياً وأخلاقياً وسياسياً، وتطويق مشروع الاحتلال على المستوى العربي والإسلامي والمسيحي والدولي وعزله لم يكن مؤثراً وأخفقت كل المبادرات وتبددت كل الجهود، واستفاد المشروع الاستعماري التوسعي من عامل الزمن، لفرض برنامجه التوسعي، ولذلك لن يكون الرد الفلسطيني مناسباً وفاعلاً إذا لم تتوفر الإرادة الفلسطينية لدى حركتي «فتح» و»حماس» ومعهما باقي الفصائل وجماهير الشعب الفلسطيني، لتحقيق ثلاثة شروط : 1- برنامج سياسي مشترك، و2- مؤسسة تمثيلية موحدة، و3- أدوات كفاحية متفق عليها، تشكل الأرضية التي تُلزم العالم العربي بالوقوف مع الفلسطينيين ودعمهم، ما يوفر مظلة للفلسطينيين ورافعة لهم لتغيير المناخ الدولي المهيأ لمصلحة عدالة المطالب الفلسطينية والعمل على تحقيقها واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة، حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق العودة للاجئين، فالبداية هي الخطوة الفلسطينية الأولى لتكون مثل كرة الثلج المتدحرجة، والفلسطينيون في محطات نضالهم الثلاثة لم يحققوا ما حققوه بدون نضالهم وتضحياتهم، وأولها كانت في المنفى في تحقيق هدفين أولهما استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية الممزقة، وثانيهما التمثيل المستقل عبر المؤسسة الموحدة وهي منظمة التحرير، وثاني محطاتهم الكفاحية تمثلت في انفجار الانتفاضة الشعبية داخل الوطن عام 1987 وأدت إلى دفع اسحق رابين وحكومة الاحتلال وإرغامهم على الاعتراف بالعناوين الثلاثة : الشعب الفلسطيني + منظمة التحرير + الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى قاعدة هذا الاعتراف جرى الانسحاب الإسرائيلي التدريجي متعدد المراحل بدءاً من غزة وأريحا عامي 1993 و 1994 وعودة أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لبناء وقيام الدولة الفلسطينية المنشودة .
أما ثالث محطاتهم فكانت عبر الانتفاضة التي انفجرت قبل نهاية عام 2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في شهر تموز عام 2000، وأدت إلى تسليم شارون ورضوخه بالانسحاب من قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات، وإزالة قواعد جيش الاحتلال منذ أيار حتى آب 2005.
هذا هو الطريق، هذا هو الفعل، هذا هو الرد على نتنياهو وعلى كاتبه زئيف جابوتنسكي وهذا هو الخيار الذي لا خيار بديلاً عنه.