في كل مرة ينبغي أن نعبر عن شعور ما سواء أكان فرحاً أم حزناً يبدو أننا نختار طرقاً غير صحيحة لمثل هذا التعبير.
ويبدو أنه لا تكتمل فرحتنا وشعورنا بالنشوة دون إطلاق النار في الهواء.
وبالأمس فقدنا شاباً في مقتبل العمر في غزة نتيجة إطلاق النار في الهواء ابتهاجاً بنجاح أحد ما في التوجيهي، وأصيب شخص آخر بجروح بالغة في إطار الاحتفالات.
وقبل عام قتل شاب شقيقته المتفوقة وهو يحتفل بتفوقها بإطلاق النار.
وكم من الأحداث التي حصلت وتحولت فيها الأفراح إلى أتراح بسبب إطلاق النار.
وحتى عندما نرد على حالة خرق للقانون أو فلتان أمني كالتي حدثت في نابلس نخرج في تظاهرة مدججة بالسلاح ونطلق آلاف الطلقات النارية في الهواء للتعبير عن موقف.
والمتواضع يذهب لشراء الألعاب النارية فهي تعوض عن الرغبة بإطلاق النار على الأقل بالصوت، وهذه أيضاً لا تخلو من إصابات وأضرار.
هذه الظاهرة الخطيرة التي تمس حياة المواطنين وراحتهم لا تحظى بالاهتمام الكافي من قبل السلطات المعنية، ولا يوجد علاج شافٍ لها.
عند الحديث عن ظاهرة إطلاق النار لا بد أن يتبادر للذهن سؤال ملح: لماذا يمتلك الناس هذه الكمية من الأسلحة والذخيرة التي لا نراها سوى في المشاكل الداخلية التي يذهب ضحيتها مواطنون كثيرون، وتزيد من حدة المشاكل والشروخات الداخلية، ولا توجد إجابة مقنعة على مبرر وجود سلاح في عدد كبير من المنازل وفي أيدي عدد كبير من الأشخاص.
ويكفي أن يندلع شجار شخصي أو عائلي حتى نرى جبهة حرب يتم فيها تبادل إطلاق نار يقتل فيه الناس ويتعرضون للأذى قبل أن يتم تطويق النار وإيجاد حل غالباً ما يكون عشائرياً.
في الواقع نحن نرجع إلى الوراء في كل ما يتعلق بالحضارة والمدنية، هذا عدا تراجع سلطة القانون واحترام النظام العام.
وقد يلقي أحد اللوم على أجهزة السلطة الأمنية التي لا تستطيع السيطرة على هذا الواقع الذي يميل للفوضى، غير أن الموضوع أكبر وأعمق بكثير من قدرة الأجهزة الأمنية.
فهو يطال الثقافة المجتمعية ويطال منظومة القوانين المعمول بها في البلاد، وفي كثير من الأحيان تشوبه عملية خلط مقصودة بين دواعي النضال الوطني وبين الفوضى المدمرة.
ولو أردنا أن نحتكم لمبدأ القانون مثلاً، لا يوجد أي مبرر لأي شخص أن يمتلك سلاحاً شخصياً للدفاع عن النفس مثلاً، فمسؤولية السلطة هي حماية كل مواطن من أي اعتداء والأمن الشخصي والمجتمعي من واجبات النظام.
وفي مكان يعتقد فيه كل مواطن أنه بحاجة للسلاح ليحمي نفسه مثلاً من جاره أو أخيه أو أي مواطن آخر في بلاده لابد وأن يكون الاحتكام للسلاح هو أسرع الحلول لأية مشكلة تواجه هذا المواطن المسلح.
ومن يستخدم السلاح ضد الغير في أية مشكلة سيواجه كذلك بالسلاح، والنتيجة أن أية مشكلة صغيرة يمكن أن تحل بكلمة طيبة قد تتطور بسرعة في ظل السلاح إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
ومعالجة ظاهرة السلاح تتطلب سن قوانين صارمة تمنع امتلاك الأشخاص لسلاح دون ترخيص ودون أن تكون هناك حاجة ماسة للرخصة كذلك.
ويبدو أن القوانين المعمول بها لدينا ليست كافية بالمرة لمعالجة هذه الظاهرة.
فلا تكفي مصادرة السلاح ممن يمتلك سلاحاً دون رخصة، بل يجب أن تكون هناك إجراءات عقابية رادعة على مجرد امتلاك السلاح، وأكثر قوة على من يتجرأ على استخدام السلاح لو كان إطلاق نار في الهواء ابتهاجاً بنجاح أو عرس أو مناسبة مهما كانت، أو شعور بالحزن والألم على فقدان شخص عزيز. وتطبيق إجراءات عقابية في إطار القانون من شأنه أن يشكل مدخلاً للمعالجة، لكنه ليس كل شيء.
هناك حاجة لإعادة التفكير في بعض العادات الضارة ونبذها والتصدي لها مجتمعياً.
فالأفراح يجب أن تكون بالغناء والرقص وأشكال التعبير الحضارية غير المؤذية والتي يجب ألا تزعج جاراً أو مواطناً في أي مكان قريب، وأن تكون في أماكن مخصصة لا تسبب الضيق لمن هو خارج نطاق الاحتفال.
فما أجمل أن يذهب الناس لقاعة مخصصة ويقومون بالاحتفال فيها بصورة حضارية غير مزعجة أو مؤذية.
وهذا على الإطلاق لا ينتقص من الفرحة، وليس هناك أقوى وأفضل من الاحتكام للقانون عندما يحدث خلاف بين الناس، بدلاً من اللجوء للعنف واستخدام القوة في حل النزاع.
وهذا بحاجة لتوعية وتثقيف بدءاً من المدرسة وأماكن العبادة ووسائل الإعلام وكل ما لدينا من أدوات يمكن أن تصل للمواطن.
والدمج بين تطبيق قانون صارم ورادع وبين التوعية والتثقيف ضروري لخلق ثقافة جديدة هي موجودة بطريقة ما في المجتمع ولكنها لا تطبق على كل الحالات التي نحتفل بها، أو نعالج بها مشاكلنا.
الشكل الآخر من الفوضى هو ما يتم تحت دواعٍ ومسميات وطنية والوطن منه بريء، كامتلاك السلاح في يد بعض المجموعات التي تسمي نفسها أسماء ثورية مختلفة ولا نراها سوى في المواجهة مع أجهزة الأمن أو في محاولات فرض حالة فلتان وسيطرة غير مبررة على الشارع.
وغني عن القول إن شعبنا قد تعب من هذه الفوضى ودفع ثمناً باهظاً مقابلها في سنوات مضت كانت فيها سيطرة العصابات على الشارع لفرض الخاوات والإتاوات على الناس وخاصة أصحاب المال والأعمال.
وهذه الحالة يمقتها الناس ولا يتمنون عودتها، ولكن لمنعها يجب التعامل بصرامة مع كل حالة خرق خصوصاً من المنتسبين للأجهزة الأمنية الذين يقودون معظم حالات خرق النظام والقانون.
ترتيب بيتنا الداخلي وتعزيز وحدتنا وقدرتنا على الصمود في وجه الاحتلال وسياسته الاستيطانية هو أحد أهم أشكال المقاومة.
فعندما نكون موحدين ومتضامنين ومجمعين على أشكال العمل الوطني المفيد في الزمان والمكان، يخشانا عدونا ويحسب لنا ألف حساب.
وعندما تتنازعنا الأهواء والمصالح الفردية والفئوية فلن تقوم لنا قائمة، وعلينا أن نختار طريقنا ونتوقف عن الشكوى والولولة.