بدأت حرب لبنان الثانية قبل عشر سنوات بالضبط عندما كنا في اجازة في روما. زوجان شابان مع حمل أول وليال من النوم المتواصل. بعد بضعة ايام من ذلك، بالبزة العسكرية، بات هذا الحمل جزءا من التجربة الشخصية. منذئذ، في كل حمل لزوجتي تأتي حملة عسكرية جديدة!
من يقرأ مذكرات جنود الحرب العالمية الاولى يفهم بان الحروب، في كل مكان وزمان، تتحرك على المحور الكامن بين الشخصي والوطني. الشخصي لم يتغير، وعلى ما يبدو لن يتغير أبدا. اناس شبان، مفعمون بالايمان، يأتون الى ميدان المعركة وعندها فقط يستوعبون بأن لهذا ثمنا. البعد الوطني، بالمقابل، يتغير. المحيط والاعلام، وبالاساس القيادة، تصممه خيرا كان ام شرا.
ولدت بعد سنتين من حرب "يوم الغفران". الحرب الاولى التي تحولت فيها دولة اسرائيل من مشروع ليس فيه سوى الامل الى مشروع فيه ايضا الكثير من التشاؤم. في هذه الحرب كانت اخفاقات ودروس كثيرة، ولكنها كانت انجازا مهما ايضا. فرغم المفاجأة الدراماتيكية، التي كانت بدايتها في الفكر المغلوط الشهير، موازين القوى الاشكالية، خسارة الارض والنقص الخطير في العتاد والسلاح، انتهت بانتصار عظيم. ولمن يبحث عن السطر الاخير، فهذا هو السطر: هُزم العدو. من يبحث عن التفاصيل، سيجد هناك صد المصريين والسوريين، تطويق الجيش الثالث، طلبا مصريا لوقف النار وتهديدا حقيقيا على القاهرة ودمشق. ورغم كل هذا، تثبتت حرب "يوم الغفران" كفشل. ثبات تبسيطي، غير دقيق ومخطئ بحق القادة – اولئك الذين اخطأوا واولئك الذين رغم الاخطاء انتصروا.
كان يمكن لهذا ان ينتهي هناك، غير ان الحرب ذتتها صممت ايضا الحروب التي جاءت بعدها، بما فيها حرب لبنان الثانية. منذئذ نشأت على المستوى الوطني ازمة ثقة بين الاسرائيليين والجنرالات، بين المواطنين والقيادة السياسية. من دولة تفخر بقادتها حتى عندما يخطئون أصبحت تلاحقهم في كل زاوية.
يواصل الاسرائيليون الاعجاب بالجيش الاسرائيلي كجيش، ولكن في كل مشكلة او خلل يضربون فصلا بينه وبين من يقوده. هكذا يمكن ان نجد عددا لا يحصى من التوصيفات عن جنودنا الشجعان في حرب لبنان الثانية من المقاتلين ولكن القادة الكبار يجلسون خلف الشاشات (وصف اشكالي، مشوه بل غير مهني)، الجنود الذين ينقصهم العتاد ولكن المصممون مقابل القادة غير الحازمين في قراراتهم وغيرها من التوصيفات (التي اخطأت انا ايضا فيها)، والتي فيها جميعها بعض الحقيقة والكثير من المبالغة غير النزيهة.
في معطيات مكتب الاحصاء المركزي التي نشرت هذا الشهر تبين ان 82 في المئة من الاسرائيليين يولون الثقة للجيش الاسرائيلي (22 في المئة فقط بالمناسبة للاحزاب في اسرائيل)، ولكن عند الوصول الى الخطاب الجماهيري تبدو الامور مختلفة. وبالذات في الجيش الاسرائيلي، الذي ينمو فيه ضباط في وحدات قتالية وليس في اكاديميات على نمط ويست بوينت، نشأت دون يد موجهة فجوة في الصورة بين القيادة العليا والجندي البسيط.
وعند الرغبة في الاستيضاح لماذا يتحول الجنرالات ليصبحوا هدفا، وكيف أنهى كل رؤساء الاركان الاخيرون خدمة كاملة مع كارهين وخصوم ما ان نزعواا بزاتهم، يتبين لنا ان السبب الاساس هو الصراع على المسؤولية – القيادة السياسية التي تريد المزيد من الآباء للفشل.
حرب لبنان الثانية مثل حرب "يوم الغفران" هي خط الانكسار لجيلنا. يمكن الجدال حول ما تسبب بهدوء العقد الاخير (الفرضية هي أن هذا خليط من الضغط الايراني ودور "حزب الله" في سورية) وكم أثرت الاخطاء والاهداف غير المحددة في زمن الحرب على النتائج، ولكن لا يمكن تجاهل أن صورة الحرب أسوأ من نتائجها. وللدقة صورة القادة الذين قاتلوا فيها اسوأ من صورة الجنود.
ولغرض المقارنة يمكن أن نأخذ حملة الرصاص المصبوب، التي لم تحقق عمليا شيئا ولكنها تعتبر ناجحة من ناحية القيادة السياسية والقيادة العسكرية، رغم أننا حصلنا بعدها على حملتين على نحو شبه متواصل. وكبديل فان "الجرف الصامد"، والتي ادت فيها المناورة المحدودة جدا الى كمية كبيرة نسبيا من المصابين، بقي الاسرائيليون لا مبالين من الحملة وقادتها. من يريد يمكنه ايضا ان يصل حتى حالة اليئور أزاريا ايضا والموقف من قادته كبديل عن الاسئلة التي ينبغي أن تطرح على القيادة السياسة الصامتة وموجة "الارهاب" التي ليس أزاريا فيها سوى حجر شطرنج.
المشكلة المركزية في نهج "الجنرالات مذنبون" هو أنه لا جنود بلا قادة، صغارا أم كبارا. اذا كان هذا هو الميل الوطني الذي تتخذه السياسة الاسرائيلية، فلن ننجح في أن ننتصر حتى عندما نهزم العدو.