هل يكفي أن يدعو الفرنسيون لعقد مؤتمر دولي للقول إنّ هناك مبادرة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وكيف يمكن الاستياء من تقرير "الرباعية الدولية"، التي تضم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة، ثم التفاؤل بأنّ حصيلة المساعي الفرنسية ستكون مختلفة عن "الرباعية"؟
في الأيام الماضية، تكرر إعلان مواقف فلسطينية رسمية، بما في ذلك من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعلن دعم "المبادرة" الفرنسية؛ وهي تسمية تطلق على "الجهود الفرنسية المبذولة للإعداد لعقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية العام الحالي". في الوقت ذاته، جاء إعلان رفض تقرير اللجنة الرباعية الدولية، بشأن الوضع الراهن لعملية السلام، لأن التقرير ساوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المطالب، وجعلهما كأنهما مسؤولان معا عن تعثر العملية التفاوضية، ولم يشر لآليات فرض الشرعية الدولية.
يمكن فهم الموقف الفلسطيني، من خلال الرغبة في آلية تفاوض جديدة، وأن تقرير "الرباعية الدولية" الذي يفترض أن يعرض على الأمم المتحدة قريباً، هو جزء من محاولة منع هذه الآلية، ومنع تطورها، والاكتفاء بالرباعية. ويتضح هذا الأمر بدعوة الرئيس الفلسطيني ممثلي اللجنة الرباعية إلى دعم المبادرة الفرنسية الداعية لعقد مؤتمر دولي هادف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
عبر التدقيق في الموقف الفلسطيني، يمكن التوصل لنتيجتين. الأولى، أنّ المؤتمر الفرنسي المزمع عقده قبل نهاية العام والذي يشكل محور اهتمام ومساعي الفلسطينيين الوحيد تقريبا الآن، ما يزال من دون مرجعية واضحة. وهذا يتضح من مطالبة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، للجانب الفرنسي تحديد "أولويات"، ومطالبته "تحديد المرجعيات لعملية السلام تبعاً للقانون الدولي"، وبالتالي فما تزال المرجعيات غير محددة، ما يثير تساؤل إن كان جائزاً القول إنّ هناك مبادرة فرنسية، والسؤال: لماذا يحصل هذا المؤتمر على كل هذا الاهتمام؟
النتيجة الثانية التي يمكن الوصول إليها من التصريحات الفلسطينية، أنّ سقف الطموح الفلسطيني الحالي، هو أن يشار للدولة الفلسطينية بنوع من الاعتراف بها، والبدء بعملية تفاوض لتجسيدها على الأرض، بما يستتبع ذلك من وقف للاستيطان وإنهاء للاحتلال. لكن الآلية المطروحة (حتى فلسطينيا) لا تتضمن شيئا ملموسا لكيف يمكن أن يضغط العالم لتحقيق ذلك، ولا يوجد طرح فرنسي معلن حول ذلك.
كان الموقف الفلسطيني المعلن حول "تدويل الصراع"، والذي أطلق منذ سنوات، هو ضرورة تبني آلية دولية تضع موعداً لإنهاء الاحتلال والسعي لفرض هذا الإنهاء، أو التفاوض بشكل جاد ومختلف برعاية دولية، للوصول إلى هذا الموعد. بكلمات أخرى، كان موعد وآليات إنهاء الاحتلال هي كلمة السر في فكرة التدويل. وقد اختفى هذا الآن، لصالح الصيغ الفضفاضة من دعم دولي لهذه المطالب، التي لا يمكن أن تؤدي لشيء مختلف عن مؤتمرات السلام السابقة.
يطرح صائب عريقات قضية تبدو للوهلة الأولى على الأقل غريبة، وهي أنّه في ضوء المواقف الدولية الراهنة، وخصوصاً تقرير "الرباعية"، سيجري التعامل مع الدول بشكل ثنائي وليس جماعي. والغريب هنا أنّ السعي الفلسطيني هو لإيجاد آلية دولية جماعية لفرض عملية جديدة، فكيف تجري العودة إلى المستوى الثنائي؟ لكن هذا التصريح يصبح مفهوماً إذا ما وضع في سياق الشعور بأنّ هناك فقط دولا ذات موقف متقدم عن غيرها، ويجدر التعامل مع هذه الدول من دون طموح بموقف أوروبي أو دولي موحدين؛ كما لو كان الموقف الفرنسي أفضل من الموقف الأوروبي المعبر عنه داخل "الرباعية الدولية".
الغائب الدائم والأكبر والمتكرر في الموقف الفلسطيني، أنّه لا يجري البحث عن بدائل غير التفاوض؛ بتطوير مؤسسات العمل الفلسطيني، وترتيب البيت الداخلي، بما يمكّن الشعب الفلسطيني من ممارسة دبلوماسية شعبية أقوى، تخاطب الشعوب، وتضغط على الحكومات. بموازاة الحديث عن مؤتمر دولي، سيكون هناك قوة فلسطينية أكبر لو كان هناك مجلس وطني فلسطيني مقبل، جديد. في تلك الحالة، كان يمكن أن نتخيل ترقبا دولياً أكبر من وجود متغيرات جديدة في الساحة الفلسطينية، تدفع لاهتمام حقيقي، بعيداً عن أن يكون محور الاهتمام الوحيد هو مؤتمر دولي من دون مرجعيات وأجندة ملموسة. وسيكون لفكرة التعامل الثنائي مع الدول، على قاعدة تبنيها لسياسات تعترف بالدولة الفلسطينية، معنى ملموس أكبر.
عن الغد الاردنية