دعوة وزير الخارجية الفرنسية جان – مارك إيرولت اللبنانيين وقياداتهم للتفاهم والتعاون والاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، هذه الدعوة عادت بي الى لبنان أواخر الستينات ومطلع السبعينات.
أي الى زمن ازدهار الديموقراطية والحرية والتألّق في حقول الفن والأدب والابداع بكل ألوانه وأنواعه وحقوله ونجومه...
في تلك الحقبة، التي بلغت حدود "اللامعقول" في كل شيء تقريباً، كتبت سلسلة طويلة من الأحاديث والمقالات والتحقيقات بلغت عهود الانتداب الفرنسي ولبنان الكبير والاستقلال و"صناعة" رئيس الجمهورية، مع الوقائع الموثّقة و"الشهود العيّان".
واخترت لتلك "الفورة الصحافية" عنواناً ثابتاً تحوَّل في ما بعد قضيَّة: "مَنْ يصنع الرئيس في لبنان؟".
ولم يلبث هذا العنوان أن تحوّل مادة نقاشات وحوارات على نطاق واسع. وشمل في دربه نواباً وزعماء وسياسيين وديبلوماسيين وحقوقيين وكتّاباً من مختلف الفئات والانتماءات والاحزاب. فتح أبواباً مغلقة، وشق الطريق الى ورشة انفلشت على امتداد الجمهورية "الوحيدة" في منطقة الملوك والأمراء.
لا يحضرني الكثير مما كُتِبَ وقيل في حينه سوى أنني لا أزال احتفظ بوريقات غيّرت السنون ألوانها. منها على سبيل المثال تعليقاً على كل ما نشر وأُذيع وجرت حوارات حوله، وبخلاصة عنوانها: "يعترفون بالصناعة ويرفضون استمرارها".
أردت من هذه العودة الى نقطة أساسيَّة، مستمرة بالتباساتها في النظام اللبناني المفترض أن يكون ديموقراطياً برلمانياً بصيغته وتركيبته وميثاقيَّته، ألا وهي "حكاية الرئيس": مَنْ يصنعه، اللبنانيّون أنفسهم أم آخرون من الخارج القريب كما الخارج البعيد؟
في حينه وردتني رسائل كثيرة، وكلُّها تتحدَّث عن الرئيس، والانتخابات، والنظام، واصرار "المناخ السياسي" على الاستعانة بالخارج أياً تكن التبعات والتداعيات. واحدة من هذه الرسائل تحمل عتباً ولوماً كوني لم أذكر قط "ان الرئيس يُصنع ويُعلَّب، ثم يرسل بالبريد الديبلوماسي الى بيروت فجر يوم الانتخاب".
هذا كله، معالي وزير مَنْ كنا نسمّيها "الأم الحنون"، لاقناعكم، وربما للفت نظركم الى أن لبنانيي لبنان العزّ والازدهار والانبهار، والحريات المفتوحة على آخر العيار، والشعر الحديث، واعتماد اللغة المحكية في كتابات سعيد عقل، وانتشار "البيكيني" على طول المئتي كيلومتر من الشواطئ اللبنانية، واندثار "الميني جوب" فوق، أو "تحت"، أجساد متحررة من زمان...
هذا كلّه في زمن العزّ، فبماذا نجيبك ونحن في زمن "الرز" عندما تشرّفنا بزيارتك، حاملاً إلينا تحيّات الرئيس فرنسوا هولاند الذي يعرف جيداً أن الاستحقاق الرئاسي "مخطوف" في طهران؟
وماذا نقول لك أكثر مما ورد أعلاه عن صناعة الرئيس؟
عن النهار اللبنانية