اختراق صهيوني لدوائر الأمن العربي

thumbgen (40)
حجم الخط
 

لا يستجيب «بنيامين نتنياهو» لضغوط أمريكية أو فرنسية أو دولية في سياق التفاوض لحل القضية الفلسطينية عبر مشروع الدولتين.

وإذ يرفض الضغوط، لا يتأثر موقعه في حكومته وفي دولته أو في محيطه.

وهو لا يريد حلاً للقضية الفلسطينية بل مواصلة الاستيطان والسيطرة التامة على القدس بوصفها العاصمة النهائية «للكيان» ، كما يريد مواصلة حصار غزة حتى تخضع «حماس» و«الجهاد» ومنظمات المقاومة الأخرى.

يفعل نتنياهو ما يريد من دون أن يخشى لومة لائم، فيعين بلطجياً في وزارة الحرب لتمتين ائتلافه الحكومي وإزالة منافس في أقصى اليمين، باعتبار الوزير المعين أفيغدور ليبرمان عنصرياً وشديد التطرف في دولة نووية ما انفكت تخوض حروباً في محيطها.

يجرؤ نتنياهو على رفض مطالب أوباما بالتزام حل الدولتين، ويحظى بتغطية من الكونغرس الأمريكي.

يتقدم لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي السابق بمبادرة لاستئناف التفاوض بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية من دون الإصرار على التزامات صهيونية، ومن دون الدعوة لعقوبات ومقاطعة إن تعثرت المفاوضات ، فيصفها نتنياهو ب«المبادرة الغربية» ويهمّشها، فينصرف فابيوس الذي كان قد تعهد للفلسطينيين بأن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية إن لم يستجب «الكيان» للمساعي الفرنسية من أجل استئناف التفاوض حول مشروع الدولتين.

بيد أن خليفة فابيوس وزير الخارجية الحالي جان مارك أيروت تنكر لوعود سلفه ، وقال إن الاعتراف لن يتم بصورة أوتوماتيكية بالدولة الفلسطينية، وسيدرس في حينه ما يعني أن اعترافاً لن يتم، وإن الجهود الفلسطينية التي بذلت على هذا الصعيد ذهبت هباء منثوراً..

بل تراجعت فرنسا خطوة إلى الوراء عندما أعلن رئيس وزرائها مانويل فالس أن الاقتراع الفرنسي على عضوية الدولة الفلسطينية في اليونيسكو كان خطأ كبيراً.

ثمة من يرى أن التصلب «الإسرائيلي» يزيد في عزلة «إسرائيل» في أوروبا، والدول الغربية، وأن نتنياهو والعديد من وزرائه لا يستقبلون في القارة العجوز، وأن من الصعب أن تجد دولة أوروبية تفرش السجاد الأحمر للوزير البلطجي ليبرمان أو حتى تستقبل نتنياهو، وهذا صحيح تماماً ، لكنه لا يقلق الحكومة الصهيونية ولا يحول دون رقادها ليلاً، فها هو رئيسها يقوم بجولة إفريقية مهمة وغير مسبوقة منذ اكثر من 20 عاماً.

بل يقدم نفسه كقوة شرق أوسطية، بوسعها أن تلعب دوراً تحتاج إليه بعض الأنظمة الإفريقية على الصعيد الدولي وفي سياق مكافحة الإرهاب وأيضاً في المجالات الأمنية والاقتصادية وتجارة السلاح.

والملاحظ من خلال هذه الجولة أن رئيس الوزراء الصهيوني، قد وقّع اتفاقاً مع كينيا لبناء جدار عازل بطول أكثر من 700 كلم مع الصومال، وتلقى بالمقابل وعداً كينياً بأن تعود «إسرائيل» إلى منظمة الوحدة الإفريقية بصفة عضو مراقب.

والواضح اليوم أن 40 دولة إفريقية تقيم علاقات مع «إسرائيل»، بعد أن انصرف القسم الأكبر منها عن الدولة العبرية في أواسط سبعينات القرن الماضي ، إثر صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر الصهيونية «أيديولوجية عنصرية».

الواضح أن نتنياهو يريد استعادة الأصوات الإفريقية التي تقترع ضد دولته في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، مستفيداً من تراجع العالم العربي إلى درجات قياسية في الضعف والوهن.

إن نظرة سريعة على جيوبولتيك المنطقة التي يستقر فيها الكيان الصهيوني، تفسر غطرسته وتمرده على رعاته في واشنطن والغرب ، وعدم قابليته لتلقي الضغوط أو العقاب إن هو رفض التفاوض، في إطار حل الدولتين.

فمن المعروف تاريخياً أن العالم العربي يشكل دائرة جيواستراتيجية تتأثر بدائرتين أخريين أولاهما الدائرة الإفريقية، ومن ثم الدائرة الإسلامية.

وكانت السياسة الناصرية تتطلع دائماً إلى هاتين الدائرتين في البحث عن حماية الأمن العربي ، لذا فإن عزلة «إسرائيل» الإقليمية كانت تقع عندما يزداد النفوذ العربي في إفريقيا والدول الإسلامية، وقد لاحظنا كيف تمكّن العقيد الراحل معمر القذافي عام 2003 من إغلاق منظمة الوحدة الإفريقية، في وجه الكيان الصهيوني ومن قبله هواري بومدين، وكيف كانت الجزائر تؤثر في اقتراع الأفارقة عموماً على القرارات الدولية بما لا يتناسب مع تطلعات الدولة الصهيونية.

أما في الدائرة الإسلامية فها هي «إسرائيل» تعود مجدداً إلى عدد من الدول، سواء عبر المصالحة الأخيرة مع تركيا أو التفاهم مع أذربيجان أو حتى دول أخرى.

عندما يخترق نتنياهو الدوائر الثلاث التي يتشكل منها الأمن الاستراتيجي العربي، والنفوذ والمصير العربي فمن الصعب أن يخضع لضغوط أحد هنا وهناك ، فهو يرحل عن فلسطين إن تمكن أهلها من طرده أو إذا كان احتفاظه بها كان باهظ التكلفة، وكل تفسير آخر لا يعوّل عليه.

عن الخليج الاماراتية