حملات تحريضية تستدعي التساؤل: لماذا حماس؟!

48593a8b3b5960d6c25894db3244b7f5
حجم الخط

يحق لنا في الساحة الفلسطينية أن نتساءل عن دواعي كل هذه الحملات التحريضية ضد حركة حماس، والتي صدرت عن جهات عربية وإسلامية يمكن اعتبارها تاريخياً داعمة للقضية الفلسطينية، وآخرها تلك التصريحات التي جاءت على لسان الأمير تركي الفيصل؛ رئيس الاستخبارات السعودية السابق، والتي تعرَّض فيها بالإساءة والاتهام لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية أمام مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس، وأيضاً تلك التي أطلقها مستشار بالحرس الثوري الإيراني، مدَّعياً أن حماس تفاوض إسرائيل عبر تركيا!!


                                            تصريحات الفيصل: الموقف وردود الفعل


ردَّت حركة حماس بأدبها المعهود بالقول: "إننا في حركة حماس نرفض هذه الافتراءات التي لا أساس لها من الصحة، وهي مجافية للحقيقة والواقع، فالقاصي والداني يعلم أن حماس حركة فلسطينية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي داخل أرض فلسطين". وأضافت: "إن هذه التصريحات تسيء إلى شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا، ولا تخدم إلا الاحتلال الاسرائيلي، وتوفر له الذرائع لمزيد من عدوانه على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا". وشددت حركة حماس أنها ذات أجندة فلسطينية خالصة لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته وقدسه وأقصاه، مؤكدة أنها تتبنى الفكر الإسلامي الوسطي، ومنفتحة على جميع مكونات الأمة والعالم.. كما أكدت الحركة أنها حرصت طوال مسيرتها على النأي بنفسها عن أي صراعات أو تجاذبات أو أجندات أخرى.


أما حركة الجهاد الإسلامي، فقد استنكرت هي الأخرى تصريحات الأمير تركي الفيصل وأدانتها، وقالت: "إننا نؤكد أنها اتهامات باطلة لا تخدم إلا الأجندة الصهيونية، التي تسعى لتصفية قضية فلسطين، وفتح كل العواصم العربية والإسلامية أمام دولة الاحتلال".
وأضافت "إن هذه التصريحات المشينة لا تسيء إلى مقاومتنا وشعبنا وقضيتنا، بقدر ما تسيء إلى قائلها وإلى الشعب السعودي الشقيق، الذي لن يسره الزج باسمه في خذلان فلسطين، وطعن مقاومتها في الظهر لمصلحة العدو الصهيوني".


أما الجبهة الشعبية فقد ذكرت من جهتها بأن خطاب الفيصل "يتقاطع مع مواقف الكيان الإسرائيلي الساعية بالتعاون مع بعض الأنظمة العربية لحرف الصراع والتناقض في المنطقة؛ ليصبح صراعاً مذهبياً بين السنَّة والشيعة، بدلاً من كونه صراعاً وتناقضاً رئيساً بين الأمة العربية والكيان الذي يستهدف شعوبها ومصالحها العليا". واعتبرت الجبهة أن هذا التقاطع في المواقف هو الذي يُفسّر وصف الأمير تركي الفيصل الدعم الإيراني لبعض قوى المقاومة على أنه نشر للفوضى في الشرق الأوسط، وهو ما يعني خلطاً للأوراق، وتشويهاً لقوى المقاومة والدعم الإيراني لها.


                                                  ردود فعل خليجية: الاستغراب والصدمة


عبّرت أوساطٌ فكرية وسياسية ودعوية خليجية عن صدمتها من تصريحات الفيصل، والتي اتهم فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالفوضى في المنطقة، وأكدوا على خطورة تلك التصريحات، التي تعتبر إساءة صريحة تستهدف المقاومة، مفندين المزاعم التي تحاول تشويه مواقف الحركة، ومشددين في الوقت ذاته على أهمية الحركة ودورها في حماية القضية الفلسطينية، والدفاع عنها. وقد رصدت "الرسالة نت" عدداً من تلك التعليقات، جاءت على الشكل الآتي:


- المفكر محمد المسفر؛ أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، رفض اتهام حركة حماس بنشر الفوضى في المنطقة. وقال: "إن هناك شخصيات مرموقة تدعى إلى مؤتمرات سياسية يذهب بعضها بعيدًا في توصيف الحركة بأنها أداة لدى إيران في المنطقة، وهذا ظلم ومجاف للواقع".. وأضاف: "حركة حماس مدَّت يدها للعالم العربي، ولكن - في الحقيقة - لم تجد من يدعمها سوى إيران، التي ذهبت إليها تحت ضغط الحاجة"، ودعا الدول العربية الى رفع الحصار عن قطاع غزة، وأن تمد يدها إلى حركة حماس كي لا تكون بحاجة للدعم الإيراني.. وأكد أن الابتعاد عن حماس لن يترك لها مجالاً سوى مدِّ يدها لإيران، وعليه فلا بدَّ من وضع نهاية للحصار، واحتضان الحركة. وشدد على أن حماس لم تكن في يوم من الأيام إلا مُعبرة عن مواقف أمتها، ولم تكن فصيلاً خارج عن الأمة وتطلعاتها.


- د. أحمد بن راشد السعيد؛ أستاذ الإعلام السياسي في الرياض، رفض اتهام حركة حماس بنشر الفوضى في المنطقة، مؤكدًا أن هذه الاتهامات "ظالمة ومجافية للحقيقة، وفيها خطأ بيِّن". وقال: "إن حماس ليست كياناً لنشر الفوضى، والخلط بينها وبين الآخرين فيه غُبن واجحاف غير مقبول"، مشدداً على أن الحركة تمثل "أمل الأمة وروحها وضميرها". ونبّه إلى أنها كانت في طليعة القوى والأحزاب التي أدانت تفجير المدينة المنورة في الرابع من يوليو هذا الشهر.

 وأشار إلى أن غياب الدعم العربي، الخليجي منه تحديداً، فتح الباب أمام دول أخرى للقيام بواجبها تجاه دعم القضية الفلسطينية، مضيفاً: "كان حرياً بالأمة العربية أن تفتح ذراعيها لحماس والمقاومة". وحذر من أن الإصرار على استهداف الحركة ومعاداتها، برغم ما تمثله من وسطية، من شأنه أن يعزز التشدد والغلو في منطقة تموج بالمتشددين والمتطرفين، وفق تعبيره.


- النائب ناصر الفضالة؛ رئيس جمعية مناصرة فلسطين في البحرين، أكد من جانبه أن من مصلحة الخليج العربي دعم المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، مشيراً إلى وجود رغبة سعودية بالتقارب مع الحركة، و"لكنها تسير ببطء شديد". وقال إن "تدخل إيران بدعم القضية الفلسطينية ما كان ليتم لولا تخاذل الدول العربية وابتعادها عن تقديم الدعم لحماس، ولو فعلت ذلك لما كان لإيران موطئ قدم في دعم المقاومة الفلسطينية". وأضاف: "إن هذه الأكاذيب لا تمرر على الشعوب العربية في الخليج، وندرك أن المقاومة ما لجأت لإيران إلا لحاجتها واضطرارها، وتخلي الدول العربية عنها". وأوضح أن حركة حماس بذلت جهدًا كبيراً من أجل إنهاء الفتور مع السعودية، وطرقت أبواب الخليج، ولكن الدول الخليجية لم تأذن لها بالدخول.

 وأشار إلى وجود أطراف تريد الفتنة، وتصدر روايات مكذوبة للشارع الخليجي ضد المقاومة، وهو ما يتطلب توضيحًا دائماً"، مؤكدًا أن حركة حماس تمتلك رصيدًا كبيراً لدى شعوب الخليج، التي ترى فيها الصدق والشرف في التضحية والفداء، بعيدًا عن فكرة الاستقطاب.

 وأضاف أن "الملك سلمان لديه رؤية للتعاطي مع الموقف بشكل إيجابي في المرحلة المقبلة"، وتابع: هناك بعض الحملات الإعلامية المشوهة لدى الخليجيين، تبرز صورة مغلوطة حول العلاقة بين حماس وإيران"، مشيراً إلى أن حماس طرحت على الخليج أن يدعمها ويقدم لها العون في حربها على الاحتلال، وهو ما لم يحدث. 

وشدد الفضالة على أن حماس طيلة المرحلة الماضية كانت أقرب في قلبها وعقلها للخليج العربي، واشتكت دوماً من عدم تعامل الخليج معها، "والدول العربية للأسف أوصدت الأبواب في وجهها".


- الشيخ عوض القرني؛ الداعية الإسلامي المعروف، رفض الاتهامات التي تُساق ضد حركة حماس، واعتبرها جزءاً من الإرهاب في المنطقة. وقال: "إن حركة حماس هي أنصع صفحة في تاريخنا الأسود والمظلم".

 وأوضح أن حماس تدافع نيابة عن الأمة في أشرف وأطهر قضية في واقعنا المعاصر. ونبّه إلى أن حماس ومعها كافة قوى المقاومة بفلسطين، لم تتوانَ يوماً في دقِّ أبواب الدول العربية والإسلامية لطلب يد العون، ولكن دائماً ما كانت تُصاب بخيبة أمل. وجدد قوله: إن حركة حماس لم تتخلَّ عن مبادئ وثوابت أمتها في أيِّ من القضايا العربية، وأضاف: "رأينا موقف الحركة من قضيتي سوريا واليمن ووقوفها لجانب شعوب المنطقة، بعيدًا عن مصالح الدعم التي كانت تقدمه إيران لها". 

وتابع أن الدول العربية مطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة، ومساعدته للنهوض من واقعه المعاصر، كما هي مطالبة بتوفير حاضنة للمقاومة تغنيها عن أيِّ طرف آخر. ونبه إلى وقوف كل أحرار العالم مع حركة مقاومة منتمية إلى قضايا أمتها، مشيراً إلى دور الحركة في الدفاع عن الأمة، وبأنها تمثل مصدر شرف وعزة لها.


                                                     إيران: تصريحات واعتذار


هاجم العميد خسرو عروج؛ المستشار الأعلى للحرس الثوري الإيراني، حركة حماس، واتهمها بالسعي لتوقيع معاهدات مع إسرائيل عبر تركيا، مضيفاً بأن حماس تجلس في تركيا لتفاوض إسرائيل، وتريد أن توقع معها عدة معاهدات.!!


هذه التصريحات - أيضاً - جوبهت بالرفض من قبل حماس والشارع العربي، وقد جاء ردُّ الاعتذار من قبل الحرس الثوري الإيراني في بيان أوضح فيه أن "حركة حماس تقف في الخط الأمامي للشعب الفلسطيني في مقاومة ومواجهة الكيان الصهيوني"، نافياً أية تصريحات نُسبت إليه ضد الحركة، معتبراً أنه يعبر عن مواقفه عبر بيانات رسمية أو عبر القائد العام للحرس، وممثل الولي الفقيه والعلاقات العامة، مضيفاً أن أية مواقف من جهات أخرى شخصية وغير رسمية.

 وأضاف البيان أن "تجربة الشعب الفلسطيني في مقارعة الاحتلال الصهيوني أثبتت أن نهج التفاوض والمساومة يشجع العدو الصهيوني على الاستمرار في الاحتلال وممارسة الظلم ضد الشعب الفلسطيني"، مؤكداً أن "استراتيجية المقاومة والصمود المبنية على التعاليم الإسلامية والتاريخية، التي كانت من أولويات حركة حماس، وبقية المناضلين الفلسطينيين الحقيقيين، يمكن أن تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني". وقال: "لا شكَّ في أن حركة حماس التي ألحقت بالعدو الصهيوني خسائر فادحة في حروب غزة، تقف في الخط الأمامي للشعب الفلسطيني في مقاومة ومواجهة العدو الصهيوني".
بهذا البيان الواضح والصريح أنهت إيران أزمةً كان بالإمكان تعميقها، وإحداث قطيعة أو شرخ مع حليف استراتيجي أخذت علاقاتها معه بالتحسن تدريجياً.


                                         تركي الفيصل: تحركات وعلامات استفهام


يعتبر الأمير تركي الفيصل رجل أمن بالدرجة الأولى، والرجل بتاريخه الطويل كرئيس للاستخبارات السعودية تعامل مع عدة جهات استخباراتية عالمية أمريكية وفرنسية في محطات تاريخية كان أهمها في أفغانستان، حيث كان الأمير - آنذاك - أحد أعمدة "نادي السفاري"، الذي يتولى عمليات التمويل وتغطية ميزانيات التجنيد والحشد وشراء الأسلحة، وإرسال المتطوعين - ذوي الخلفيات الإسلامية - من معظم الدول العربية والإسلامية للقتال في أفغانستان.


في تلك الفترة من الثمانينيات، كانت بداية سماعي عن الرجل عند زيارتي لباكستان وأفغانستان، حيث كنت في مهمة إعلامية وإنسانية، وقد جرى تداول اسمه بين من التقيت من القيادات الإسلامية هناك. وإذا كان هناك من يريد أن يتكلم عن الإرهاب وصناعته في المنطقة فإن سمو الأمير ليس طاهر الذيل أو خالي طرف، فهو كان متابعاً لأحوال أكثر من أربعين ألف عربي ومسلم جاءوا من أجل الجهاد في أفغانستان، وانتهت أحوال الكثيرين منهم بعد رحيل السوفييت إلى جماعات متطرفة على شاكلة "تنظيم القاعدة"، وانتشرت في أرجاء الكون، وشاهدنا بعضها في العراق وسوريا واليمن وبلاد المغرب العربي.


وكانت المحطة الثانية لمعرفتي بالأمير تركي الفيصل، عندما تمَّ تعينيه سفيراً لبلاده في العاصمة الأمريكية واشنطن، ودعي لإلقاء محاضرة عن العلاقات السعودية الأمريكية بجامعة جورج تاون، والرجل متحدث لبق وذكر تعاون بلاده مع الأمريكان في العديد من الملفات من بينها أفغانستان.
أما المحطة الثالثة؛ فهي عندما كنا في "مجموعة تفاكر"، تضم شخصيات إسلامية وغربية وازنة تلتقي كل ستة أشهر لتناقش أحوال المنطقة والحركات والتحديات وسبل الخروج منها. وكان سموه له مساهماته النقدية للتيارات الإسلامية، بما فيها الحركة الأكثر اعتدالاً، وهي جماعة الإخوان المسلمين.


إن قراءتي لشخصية الأمير تركي وتحركاته في العديد من الملتقيات والمؤتمرات ذات الطابع الأمني والاستخباراتي، والتي كان يلتقي فيها قيادات إسرائيلية ويتبادل معها الابتسامات، تؤكد بأن هناك أكثر مما يبدو في تلك اللحظات العابرة أو ما تحمله وتعبر عنه تلك الصور مع الإسرائيليين أو الغزل – أحياناً – ببعضهم. إن غياب موقف سعودي رسمي؛ سواء أكان بالتوضيح أو الرفض يطرح أسئلة تثير القلق، حيث إن موقف المملكة الرسمي هو دعم الفلسطينيين وتأييد قضيتهم، وأن سياساتها تجاه الصراع هو أن إسرائيل دولة عدو لأمتنا العربية والإسلامية.


إن نظرتنا في حركة حماس للمملكة هي التقدير والاعتراف بفضل المملكة في خدمة القضية الفلسطينية، ودورها المتميز في الحفاظ على مكانتها المركزية في وجدان الأمة وحساباتها الاستراتيجية، وليس من المقبول أن تصدر مثل هذه التصريحات من رجل بمكانة اعتبارية كالأمير تركي الفيصل، حتى وإن أخذت طابع الموقف الشخصي، فالمملكة هي تلك الدولة التي لا تخرج فيها الكلمات بغير حساب، فكل شيء عندها بمقدار.
نعم؛ نحن نتفهم في الساحة الفلسطينية بأن صراع المحاور في المنطقة وما يجري من معارك في سوريا والعراق واليمن له تداعياته السلبية علينا، وأن علاقاتنا المتوازنة مع عمقنا العربي والإسلامي قد لا ترضي هذا الطرف أو ذاك.

 ولذلك، ندفع أثماناً باهظة جراء هذا الموقف الذي نحاول فيه ألا نستعدي أحداً، وألا نكون في جيب أي تكتل سني أو شيعي؛ بل على تواصل مع الجميع، باعتبار ما تمثله قضيتنا الفلسطينية من مكانة مركزية لدى اهتمامات وأولويات شعوب ودول المنطقة.


نرجو كفلسطينيين أن نسمع موقفاً توضيحياً أو استنكاراً لتلك التصريحات التي أطلقها الأمير تركي الفيصل، كالموقف الذي احترمنا فيه إيران لاعتذارها عما ذكره مستشار الحرس الثوري.


إن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تقاتل من أجل تحرير أرضها واستعادة استقلالها، وهذا حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الدولية، ومن العيب أن تتراجع بعض دولنا العربية والإسلامية عن دعم هذا الحق وتأييده.


إن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن حسابات من يضع الخطط والاستراتيجيات في منطقتنا، هي أن إسرائيل هي العدو الأول لأمتنا العربية والإسلامية طالما بقي هذا الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين، وهي ليست "طريق النجاة والسلامة" التي يرجوها البعض للخروج من مستنقعات الدم، التي غرقت فيها المنطقة، بسبب أوحال السياسة والمواجهات الطائشة، وما تنذر به من تغيير لشكل التحالفات والخرائط، والتي أعادت أمتنا إلى زمن سايكس بيكو، وإلى عهود ملوك الطوائف في الأندلس، حيث أضحى الجميع حليفاً للقوى الاستعمارية، ولكن خارج مشروع الأمة.